أخبارإقتصاد

الذهب يلمع بقوة.. كيف يحافظ الأفراد على مكاسبهم؟

تشهد أسواق الذهب العالمية موجة غير مسبوقة من الارتفاعات، تعيد المعدن الأصفر إلى صدارة المشهد الاستثماري كملاذ آمن في أوقات الاضطراب.
ينعكس هذا الصعود القياسي على قرارات المستثمرين والأفراد على حدّ سواء، في ظلّ بحث متزايد عن أدوات تحفظ القيمة وتواجه تقلبات الاقتصاد العالمي.
وفي السياق، تتصاعد التساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتجاه الصعودي، وما إذا كانت القفزة الحالية تمهّد لمرحلة جديدة من إعادة تموضع الثروة نحو الأصول الملموسة، أم أنها مجرد محطة مؤقتة في دورة اقتصادية متقلبة. بين من يراها فرصة تاريخية لتعزيز المحافظ الاستثمارية، ومن يحذر من فخ “الازدحام” في تجارة الذهب، تتباين الرؤى وتتعدد السيناريوهات.
ووسط هذا الزخم، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن للأفراد الاستفادة من “الملاذ الآمن” بطريقة متوازنة تحقّق العائد وتحدّ من المخاطر؟ وهو السؤال الذي تتعدد إجاباته بين مدارس استثمارية مختلفة، وتزداد أهميته في لحظة اقتصادية عالمية يختلط فيها الأمان بالحذر، والطموح بالحساب الدقيق للخطوة المقبلة.
15 بالمئة من المحفظة

مع وصول المعدن الأصفر إلى مستويات قياسية جديدة، حث مدير صندوق التحوط المخضرم راي داليو المستثمرين على تخصيص ما يصل إلى 15 بالمئة من محافظهم للذهب، حيث تؤدي مستويات الديون والتضخم والإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة إلى تآكل الثقة في الأصول الورقية والعملات الورقية، وفق ما نقلته شبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
يقول خبراء الصناعة إن هناك مجالًا لاستمرار ارتفاع سعر الذهب. حتى أن رئيس شركة يارديني للأبحاث، إد يارديني، يقول في مذكرة نُشرت يوم الأربعاء: “نستهدف الآن الوصول إلى 5000 دولار في عام 2026. وإذا استمر على هذا المنوال، فقد يصل إلى 10000 دولار قبل نهاية العقد”.
وبعيدا عن تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة وعدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة، فإن موجة من عمليات الشراء من جانب البنوك المركزية والاهتمام المؤسسي المتجدد دعمت ارتفاع الذهب. مع ذلك، تُحذّر رئيسة استراتيجية المعادن في إم كي إس بامب، نيكي شيلز، من أن تجارة الذهب قد تشهد ازدحاماً، قائلة: “من الناحية التكتيكية، ارتفع سعر الذهب بسرعة كبيرة جداً – 500 دولار في 25 يومًا – وهو أعلى بنحو 25 بالمئة من متوسطه المتحرك لمئتي يوم.. تاريخياً، يُعدّ ارتفاع السعر فوق 20 بالمئة بمدى قصير الأجل”، متوقعةً وجود مجال لتراجع نحو 3600 دولار.
ويشير التقرير إلى الطرق الرئيسية للاستفادة من ارتفاع الذهب، وذلك من خلال توجيه الاستثمارات إلى (سبائك الذهب والمجوهرات، وكذلك صناديق الاستثمار المتداولة، وحتى أسهم تعدين الذهب).
جني أرباح

لكن على الجانب الآخر، خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، تقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “الارتفاعات القياسية الأخيرة في أسعار الذهب والملاذات الآمنة قد تدفع بعض المتعاملين إلى تصفية جزء من مراكزهم لجني الأرباح، والتحول نحو استثمارات أخرى”.
وتوضح أن “طبيعة هذا التحول تختلف باختلاف المناطق الجغرافية”، مشيرة إلى أنه “في منطقة الشرق الأوسط مثلاً، قد نشهد تراجعاً نسبياً في أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة إذا ساد الاستقرار عقب وقف إطلاق النار في غزة الذي تم التوصل إليه بعد دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ أن عودة الاستقرار غالباً ما تعني عودة الثقة إلى أسواق المال والاستثمارات ذات المخاطر الأعلى، مثل العملات الرقمية أو أسواق الأسهم أو العقود الآجلة”.
وتضيف رمسيس أن “تنويع الاستثمارات يظل الخيار الأمثل؛ بحيث يحتفظ المستثمر بجزء من أمواله في الأصول الآمنة كالذهب والفضة، مع توجيه جزء آخر نحو استثمارات متنوعة مثل السندات أو المشاريع الخاصة، لا سيما في القطاعات المرتبطة بإعادة الإعمار أو البناء والتشييد والتجزئة والسلع المكملة”.
وتتابع: “رغم أهمية التنويع، يجب أن يتحرك المستثمر بحذر؛ لأن الأسواق لا تخلو من التوترات الجيوسياسية، والحروب لا تنتهي، وبالتالي فإن التخارج الكامل من الأصول الآمنة قد يكون مخاطرة”.
وتؤكد خبيرة أسواق المال أن “القرار الاستثماري يجب أن يكون مبنيًا على رؤية مستقبلية واضحة، وعلى الوضع المالي لكل مستثمر”، مضيفة أن “الأفراد الذين لا يحتاجون إلى سيولة فورية يُفضل أن يحتفظوا باستثماراتهم لفترات أطول، لأن التجربة أثبتت أن الصبر في الأسواق غالبًا ما يحقق عوائد أعلى على المدى البعيد”. عوامل داعمة

وينقل تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية عن استراتيجية السلع الأساسية في مجموعة آي إن جي المصرفية، إيوا مانثي، قولها:
“سجل الذهب ارتفاعاً تاريخياً، إذ تضاعف في أقل من عامين”.
بالنظر إلى المستقبل، لا تزال مشتريات البنوك المركزية تتواصل، ولا تزال حرب ترامب التجارية مستمرة، والمخاطر الجيوسياسية مرتفعة، وتواصل حيازات صناديق الاستثمار المتداولة توسعها، بينما تتزايد التوقعات بمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي. كل هذا يشير إلى أن الذهب لا يزال أمامه مجال أكبر للنمو.
لكن في سياق متصل، كان المستثمرون يتجهون بشكل تقليدي إلى الذهب وغيره من الأصول الآمنة خلال إغلاقات الحكومة الأميركية السابقة، لكن بعض المحللين يتوقعون أن يتباطأ الارتفاع إذا انتهى الإغلاق بسرعة أكبر من المتوقع.
ومع ذلك، فإن التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، إلى جانب الرسوم الجمركية، والقلق المستمر بشأن عدم اليقين الجيوسياسي الآخر قد تجعل الذهب جذاباً للمستثمرين، وفق التقرير.
تنويع الأدوات الاستثمارية

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي، ياسين أحمد، لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن المرحلة الحالية تتطلب من الأفراد والمستثمرين البحث عن أدوات استثمارية آمنة ومتوازنة بين أدوات حفظ القيمة (التي تحفظ رأس المال) والأدوات التي توفر عائداً مستقراً على المدى المتوسط والطويل.
ويوضح أن الذهب يظل من أشهر الملاذات الآمنة، نظراً لقدرته على الاحتفاظ بقيمته في أوقات الأزمات وارتفاع معدلات التضخم، مضيفاً أن من مزايا الذهب سهولة تسييله بسرعة في حال احتاج المستثمر إلى السيولة النقدية.
ويضيف: الاستثمار في العقارات يعد خياراً استراتيجياً آخر إلى جانب الذهب، إذ تحافظ العقارات على قيمتها مع مرور الوقت، وتوفر دخلاً مستمراً من الإيجارات في حال استثمارها بطريقة فعالة، موضحاً أن العقار على المدى الطويل يحمي الأموال من تآكل قيمتها بفعل التضخم.
كما يشدّد على أهمية الاستثمار في العملات الأكثر استقراراً في السوق، مشيرًا إلى أن شراء العملات القوية والثابتة يقلل من مخاطر فقدان القوة الشرائية، خاصة في ظل التقلبات التي تشهدها أسواق الصرف العالمية.
وينبه إلى أن من الخيارات التي تكتسب شعبية متزايدة هي صناديق الاستثمار في الذهب، وخاصة صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالذهب (للاستفادة من طفرة المعدن الأصفر)، لما توفره تلك الصناديق من تنويع وسهولة في التداول دون الحاجة لاقتناء الذهب الفعلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى