فى ذكرى ميلادها الـ127..العودة إلى كواليس أغنيات السبعينيات.. أم كلثوم تحجز مقعدين لـ«السمّيع» الصغير..وعبد الوهاب يخلى منزله من أجل «ودارت الأيام»

جعلت سيدة الغناء العربى أم كلثوم (1898-1975) من حفلاتها منصة تواصل خاصة بين الفن والجمهور، نسجت عبر هذه الحفلات علاقة من سماتها حسن الانتظار والإنصات.
فكان الغناء فى حفلاتها حدثًا يتجاوز حدود المسرح، ليتحول إلى طقس فنى وثقافى واجتماعى يضم عشاقها فى كل مكان بمصر والعالم العربى، ويسبقه تتبع وترقب لما هو آت، ويلحق به فترة من «السلطنة».
ومع كل حفل من حفلاتها، كانت «الأهرام» حاضرة لتوثيق الكواليس من استعدادات و«بروفات»، ثم للنقل الدقيق للقاء أم كلثوم مع «السميعة». كذلك كان دوما مصاحبا لتجربتها الفنية والإنسانية من البدايات الأولى وحتى النهايات فى مواسم مطلع السبعينيات التى شهدت أغنيات أيقونية مثل «إسأل روحك» و«دارت الأيام» و«القلب يعشق كل جميل» و«الحب كله» و«أغدا ألقاك».
وفى ذكرى ميلادها الـ 127 ، والذى يوافق 31 ديسمبر 1898 وفقا لأغلب الروايات عن تاريخ ميلادها، وفى خواتيم «عام أم كلثوم» الذى أعلنته وزارة الثقافة المصرية للاحتفاء بمرور خمسة عقود على رحيلها هذا العام، يطيب استدعاء كواليس الأغنيات الكلثومية لمطلع السبعينيات، ليكتشف القارئ أنها كانت سجلا للإتقان وقوة التأثير وعمق الروابط الفنية والإنسانية وذلك وفقا لما جاء فى «الأهرام». ستهلت «الأهرام» عام 1970 بالخبر الفنى الأهم والذى نُشر فى عدد الأول من يناير عن أغنية أم كلثوم الجديدة، وذلك بعنوان «إسأل روحك، تسمعها فى الوصلة الثانية»، وذُكر فيه تفاصيل ما ستقدمه أم كلثوم لمستمعيها فى الحفل، والاستعداد له، والمحطات الإذاعية التى ستبثه، وذلك كالتالى: « 10:30م الليلة موعدك مع أم كلثوم فى أول ليلة من السنة الجديدة، فى حفلها الذى يتبادل تقديمه جلال معوض ومنير مصطفى، مذاعا على الأفق العربى من موجات محطات إذاعاتنا الرئيسية، البرنامج العام وصوت العرب والشرق الأوسط والشعب، وسيدة الغناء العربى ستشدو بأغنيتها الجديدة (إسأل روحك)، كلمات عبد الوهاب محمد وتلحين محمد الموجى فى الوصلة الثانية التى تبدأ عادة بعد موجز أخبار منتصف الليل. وأمس أجرت أم كلثوم بروفتين على لحن الأغنية، كما ستجرى لهــــا بروفة ثالثة على المسرح قبل رفع الستار الليلة».
50 ألف أسطوانة والموجى فى الحسين:
وزادت «الأهرام» من التفاصيل حول «اسأل روحك»، فذكرت ما يلى:«25 ألف أسطوانة للأغنية الجديدة تم طبعها فى الرباط والجزائر وتونس وباريس، بالاتفاق مع صوت القاهرة، إلى جانب 50 ألف أسطوانة طارت أمس إلى 11 دولة عربية، بينهما ليبيا والسودان، و تلقى برقيات من 20 دولة أوروبية وآسيوية، تطلب الأغنية الجديدة، وسيجاب طلبها اليوم، من 50 ألف أسطوانة تم طبعها احتياطيا لتلبية طلبات الخارج».
ولم ينته توثيق حفل «اسأل روحك» هنا، فنشرت «الأهرام»: «أمس انتقلت لأول مرة جميع أجهزة ومعدات استوديو 35 بمبنى التليفزيون، والذى يحمل اسم أم كلثوم، مع مهندسيه جلال فؤاد وسعيد المصرى، وتم تركيبها على جزء من خشبة مسرح الدار التى سيقام بها الحفل وفى مدخله، لتسجيل الأغنية الجديدة على شرائط كبيرة، وأم كلثوم ستستمع إلى نفسها بعد عودة الاستوديو إلى الدور الرابع بالتليفزيون، ثم تجرى عملية مونتاج (تنقية الصوت من ضوضاء جمهور الحفل)».
وكما نقلت «الأهرام» ما كان من أحداث قبل الحفل، جاء عددها الصادر فى اليوم التالى له والموافق 2 يناير لتنقل ما جرى فى أثناء الحفل تحت عنوان «أم كلثوم تدعو موهبة صغيرة إلى حفلها»، واستهل الخبر ببيان إطلالة أم كلثوم، ليقول «كانت ترتدى رداء من الأورجانزا الأبيض مشغولا بالصدف، واسع الأكمام، وترتدى حذاء أبيض، وقرطا من اللولى الأبيض». وذلك قبل أن ينتقل إلى «كواليس» الحفل: «قدم لها الطفل الموهوب جاد بكر أحمد ( 12 سنة )، لوحة زيتيه رسمها لأم كلثوم، فقبلتها شاكرة، وعندما سألته عما يريد أن تهديه إليه، قال لها:أن أحضر حفلك ومعى أبى، وطلبت إيجاد كرسيين لهما لحضور حفلها».
ثم نقلت «الأهرام» ما كان من قلق ورهبة الموسيقار محمد الموجي(1923 – 1995)، فذكرت: «وصل الموجى فى الحادية عشرة تماما ومعه زوجته وابنته ألحان، وكانت قد سبقتهما زوجة عبد الوهاب محمد، أما الموجى فدخل الكواليس فى هدوء، كان قلقا يرتعش، وأم كلثوم لا تزال تشدو وصلتها الأولى، أخذ يشعل سيجارة بعد أخرى، ويقول : أعترف بأننى مضطرب، أم كلثوم لها رهبة، وكان الموجى قد ذهب إلى مسجد الحسين فى العاشرة والنصف مساء فوجد بابه مغلقا، طرقه ففتح له الخفير الباب، دخل فصلى ركعتين، وسالت دموعه وهو يغادر المسجد، وعاد إلى البيت فقبل والدته، وخرج ليذهب إلى الحفل، وفى الحادية عشرة والنصف كانت أعصاب الموجى قد هدأت قليلا ، فجلس خلف أم كلثوم وهى لا تزال تتغنى بلحن السنباطى، لم يستمع لها، وعندما انتهت الوصلة الأولى قبل منتصف الليل بـ 10 دقائق، بدأ فى إجراء بروفة أخيرة مع الفرقة الموسيقية على (اسأل روحك)». «ودارت» الأيام بمقعد خال!
بعد مرور ما يقرب من شهرين على حفل «اسأل روحك»، بدأت أم كلثوم فى الاستعداد لأغنيتها الجديدة التالية، وهى «ودارت الأيام». فتصدر «الأهرام» بتاريخ الثانى من مارس 1970 لتكشف «كواليس» الأغنية الجديدة وذلك تحت عنوان «رئيس فرقة أم كلثوم لا يشترك فى حفلها الخميس القادم، أم كلثوم تغنى (ودارت الأيام) بلا قانون». وأدنى العنوان ورد ما يلى: «رأت أم كلثوم أن يستريح قائد فرقتها الموسيقية محمد عبده صالح، وألا يشترك فى حفلها الشهرى المذاع الخميس القادم من دار سينما قصر النيل بالقاهرة، وذلك بعد حادث تعرض له أثناء قيادته سيارته، وعادته أم كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب، واطمأنا على صحته، ورأيا أن يظل فى سريره حرصاً على صحته، خاصة أن الأغنية الجديدة (ودارت الأيام) لا تتضمن عزفا منفردا للقانون، وسوف لا يشغل أحد مقعد عبده صالح».
وحول «بروفات» الأغنية الجديدة، فتوضح «الأهرام»: «(ودارت الأيام) تم عليها حتى الآن 23 تدريبا، ومن اليوم، وحتى الحفل، ستجتمع أم كلثوم بعبد الوهاب والفرقة الموسيقية فى بيت عبد الوهاب داخل صالون شقته المطلة على نيل الزمالك، اذ أخلاه الموسيقار ووضع به 22 مقعدا «الحب كله» .. الأغنية الأطول:
وجاء العام الجديد، عام 1971، ومعه أغنية جديدة لأم كلثوم من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، وألحان الموسيقار بليغ حمدى، وهى أغنية «الحب كله»، وصدرت «الأهرام» فى الثامن من يناير بأخبار أوردها الصحفى فتحى أبو الفضل عن رائعة أم كلثوم وبليغ وكامل، وذلك بعنوان «أم كلثوم .. (الحب كله) أطول أغانيها»، وأدنى العنوان: «أمام 1700 مستمع، وقفت أم كلثوم تضوى تحت الأضواء كحبة اللؤلؤ النادرة، ترتدى ثوبا من الأورجاندى الرمادى القاتم، مشغولا بمئات من التجمعات الذهبية فوق خلفية من الساتان الأسود، وفى يدها وشاح من الشيفون الأوكر. (الحب كله) تعتبر أطول أغنية غنتها أم كلثوم من حيث النص، فهى مكونة من 27 بیتا، عازف الكمان الأول أحمد الحفناوى قام بدوره وهو مريض، فقد كان من المستحيل أن يعتذر عن حفل الافتتاح، ورشوان عازف القانون، الذى ينضم لفرقة أم كلثوم لأول مرة، يقول أن العمل مع أم كلثوم يحتاج إلى دقة من يعملون على الكومبيوتر، وعمر خورشید عازف الجيتار قال إن الأجانب فى مصر يتعلمون العربية حبا فيها، والجيتار، وهى آلة أجنبية، تكلمت فى (الحب كله) بالعربية عندما أطاعت التقاسيم الشرقية» ينتظرن فستان «أغدا ألقاك»:
وشهد عام 1971، أيضا، لقاءا جديدا بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب(1902 ــ1991) كان هو التاسع بينهما عبر أغنية «أغداً ألقاك!». فقد اجتمعا من أجل كلمات الشاعر السودانى الهادى آدم(1927ــ 2006). ووفقا لـ «الأهرام»، فقد قامت الفرقة الموسيقية المصاحبة لأم كلثوم وعبد الوهاب بعمل 15 «بروفة» فى منزل عبد الوهاب.
وفى عدد «الأهرام» الصادر بتاريخ السابع من مايو 1971 جاء تقرير بعنوان «ليلة الطرب» – كوصف لحفل « أغدا ألقاك»، وجاءت التفاصيل كالتالى: «أمام 1800 مشاهد فى دار سينما قصر النيل، وملايين وراءهم فى كل مكان يصل إليه صوت القاهرة على موجات إذاعاتها، قدمت أم كلثوم ليلة الطرب زاد إليها الحنين بعد أن تأجلت مرتين، كل الرجال والنساء معا كانوا فى انتظار (أغدا ألقاك ؟)، وكل النساء وحدهن كن، كالعادة، فى انتظار فستان أم كلثوم، غنت أم كلثوم (أغدا ألقاك) على لحن بدأه عبد الوهاب لأول مرة بحوار بين الآلات، ترفع معه أم كلثوم يدها لأول مرة للجمهور إشارة برجاء الإنصات للاستماع، فيقوم حافظ العمدة، عمدة سوق الفاكهة بالإسكندرية مع زميله أحمد عوض،(سميع أم كلثوم من 40 سنة)، يهمان بالصعود إلى المسرح، وأم كلثوم تشير إليهما كمدرسة تشير لتلميذين، وتعرف مدى حبهما لها، وتعرف أن فى النظرة منها الكفاية ليتوقفان، ويجلسان مكانيهما».
كانت هذه بعض كواليس أغانى كوكب الشرق فى مطلع السبعينيات.. كواليس بعض أهم آخر المواسم الفنية فى حياتها التى مازالت تلهم كثيرين.. وذلك وفقا للتاريخ .. ووفقا لـ «الأهرام».





