مقالات وآراء
القانون وهدير وأيمن
د. أماني فؤاد
(هدير) شابة فى الرابعة والعشرين من عمرها، متزوجة ولديها طفل، أكمل لتوه السَّنتَين، خريجة ليسانس آداب، ولم تعمل حتى الآن، تنتمى للشريحة الأدنى ضمن الطبقة الوسطى. زوجها (أيمن)، خريج معهد ويعمل فى مشروعه الخاص لبيع الأحذية بالأموال التى حصل عليها من بيع شقته التمليك، ويخضع عائد مشروعه لتقلبات السوق كالعادة، تمر الحياة بصعوبات، حيث السكن فى الإيجار الجديد، وإعالته لوالدته، وتبعات الأوضاع الاقتصادية التى تتزايد يوما بعد آخر. منذ شهور يسعى هدير وأيمن متلهِّفَين للإنجاب ثانية، وبذلا من أجل هذا الكثير من الأموال، بالرغم من سنهما الصغير، وأيضا صِغَر عُمر طفلهما، وظروفهما التى ليست فى أفضل الأحوال، وبالفعل أطلَّتْ تباشير الحمْل بالطفل الثانى، وسوف يليه الثالث والرابع والخامس.
وفى ظِلِّ هذا المشهد الخاص، وعلاقته بأوضاع مصر بصفة عامة، راودتنى مجموعة من الأسئلة: لماذا يقلق الزوجان الشابان سريعا من أجل الإنجاب من جديد، بالرغم من ظروفهما المادية غير المواتية، ودون أن تأخذ الأم فرصة للحياة والعمل والتحقق، أو أن تعاود صحتها مرة أخرى وتكمل رعاية طفلها الصغير، لماذا تعجلا دون أن تصبح أحوال الوالد المادية أكثر استقرارا؟ لماذا لم يربطا بين حياتهما الخاصة وظروف الوطن الاقتصادية بصفة عامة، فهما بلا شك على وعى بما يدور حولهما من مشكلات؟
يكتظ ذهن هدير بالمقولات التى تسمعها من أمها وأختها وصديقاتها، تقول أختها على سبيل المثال لا الحصر: إذا ارتاح أيمن ماديا، فسريعا ما سينظر إلى أخرى، وليس من المستبعد أن يتزوجها، وتقول أمها لا يربط الزوج بزوجته إلا كثرة الأطفال، وكل طفل يأتى برزقه، لا تخافى من شىء، حتى القطط تلد، أنجبتُكم الخمسة سريعا، وكبرتم معى.
ويسمع مثلها أيمن من أمه وعائلته، ومحيط أصدقائه ومعارفه، وما يتردد كثيرا فى خُطَب الجمعة: تكاثروا فإنى مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة، وعادة ما يقول الأصدقاء: العيال عزوة، يسندونك مع الأيام ويصبحون يدَيك.
النسق الثقافى الموروث: الاجتماعى والدينى، ومقولات البيئة المحيطة شديدة الاتكالية، التى لا تُعمل عقلها فى الواقع، ثم تكرار وضغط هذه الخطابات اليومية يدعو لأن يسعى الأزواج إلى زيادة الإنجاب دون تعقُّل، والقلق لو تأخر.
لم يقف التعليم بوضعه الحالى ليبصِّرَهما، ويجعلهما يعيدا التفكير فى طبيعة العيش وأولويات الحياة، ولا الإعلام، ولا الخطابات الدينية، ومثل هدير وأيمن الملايين فى الطبقة الدنيا والوسطى، التى لم يقف وعيهم بأحوالهم الاقتصادية، وصحتهم العامة والنفسية، وتوفير أجواء مواتية لتنمو علاقتهما الخاصة، لأن يُعملوا المنطق فى علاقة كثرة الإنجاب وتعدُّد الأطفال بطبيعة نمو حياتهم، والمعوقات التى يجدونها بالحياة، كما لم يقف الوعى بأحوال الوطن وضغوط القضايا، التى نعيشها كل يوم، للربط بين العلاقة المباشرة بين اختيارهم لزيادة عدد أفراد الأسرة، وانعكاسه على الأوضاع الحياتية العامة، لم ينتبهوا لحملات وإعلانات تنظيم الأسرة بوصفها تخصهم، بل يسخرون منها كثيرا، كما لا تمسهم بشكل شخصى مناشدات المسؤولين.
تُرى ما الحل الناجز الذى بإمكانه أن يواجِهَ هذا الموروث الاجتماعى، والنفسى الفردى، والدينى لدى الأغلبية من الشعب المصرى؟
القانون يا سادة، أحسب أن قانونا يُسَن ويُلزِم الجميع بمجموعة من التوافقات والشروط، التى تمثِّل عَقْدًا بين الدولة ومواطنيها هو الحل الأمثل، مجموعة من الخطوات والبنود التى يجب أن يلتزم بها الجميع، وعلى من يخرج عنها أن يتحمل وحده نتائج اختياراته، ولقد سبقتنا مجموعة من الدول فى تنظيم حالة الانفجار السكانى، ومحاولة السيطرة عليه ليشعر المواطن والوطن أن هناك مردودا واضحا على أرض الواقع لعمليات التنمية، وارتفاع معدلات النمو، التى يأكل نتائجَها الزيادةُ المتضخمة فى معدلات الإنجاب فى مصر سنة بعد أخرى.
وتنحصر هذه الإجراءات فى: التزام كل زوجين بطفل واحد أو اثنين على الأكثر، ويتعين أن يتأخَّر سن الزواج بحيث لا يقل عن خمسة وعشرين عاما، وتأخُّر سِنِّ الإنجاب أيضا، وأن تمتد السنوات التى بين الولادتين بحيث لا تقل عن خمس سنوات، وأن تُسَنَّ قوانين ملزِمة بغرامات مالية عالية لمن لا يلتزم بالقانون، كما يمكن أن يحدَّد عدد الأطفال بحسب المجتمع المحيط بالإنسان واحتياجاته، على أن يكون بالريف طفلين، وفى المدينة طفل واحد.
هذا عدا أن يلتزم رجال الدين بتغيير خطاباتهم، والتركيز على نوعية البشر لا أعدادهم، والتوعية بمشكلات الوطن وظروفه الاقتصادية، وتوضيح معنى الانتماء، حيث الاندماج بين مصالح الأفراد والأوطان وتلاقيهما فى منظومة واحدة، وبإقرار كل وسائل تنظيم الأسرة، وألا يكون الأزهر وباقى التيارات الدينية السلفية فى وادٍ والسلطة السياسية وجهات التخطيط للدولة فى وادٍ آخَر.
لقد سبقتنا إيران وإندونيسيا وتونس فى اتخاذ هذه الإجراءات، وأيضا الصين، عدا إجراءات أخرى تشتغل على الوعى، ليشعر المواطن بالمشاركة والاقتناع، مثل: أن تكون هناك برامج تثقيف وتوعية للشباب المُقبِل على الزواج، وعرْض وشرْح قضايا المجتمع ومستجداته، والتبصير بعائد تنظيم الأسرة على حياة الأطفال والآباء، وإشراك الرجُل فى برامج التوعية وتنظيم الأسرة، والحث على عمل المرأة ودمْجها فى المنظومة الاقتصادية للدول،
انتظروني قريبا لاستكمال المقال .