مقالات وآراء

«مجموعة ثقافية».. أساس لمشروع حياة كريمة

د. أماني فؤاد

استكمالا للمقال السابق، الذى تحدثت فيه عن ضرورة وضْع استراتيجية ثقافية مصاحبة للمشروع الكبير؛ «حياة كريمة» لتطوير الريف المصرى، أقترح لتحقيق هذا المحور، وضبْط أهدافه وإجراءاته على أرض الواقع؛ أن تكون هناك «مجموعة ثقافية» تعمل على وضْع رؤية، وخطة إجراءات؛ لتنظيم فعاليات ثقافية وتوعوية وفنية متنوعة لكل قرية ومدينة يتم فيها التطوير، ويشملها مشروع حياة كريمة، مجموعة ثقافية مكوَّنة من ممثل واحد عن كل وزارة من خمس وزارات هى: وزارة الثقافة، التربية والتعليم، الشباب والرياضة، الإعلام، الأوقاف. ومن المستحب أيضًا انضمام ممثل من جمعية رجال الأعمال المصريين. ويهدف عمَلُ هذه المجموعة إلى تحقيق نقلة ثقافية وفنية وفكرية حقيقية لأهالينا فى قرى الريف، وتذليل العقبات كافة بالتنسيق بين هذه الوزارات؛ لزيادة الوعى العام بمشاركة شباب كل المحافظات المصرية من المدن والقرى.

انطلاقا من قراءاتى حول مشروع «حياة كريمة»، والأهداف المنوط به تحقيقها، ومما سمعت من خلال الميديا؛ أحسب أن هناك «مجموعة اقتصادية» تخطط لكل منطقة يشملها التطوير، مشاريع إنتاجية، وتصنيعية، وتحسين الإنتاج الزراعى والحيوانى القائم بالفعل، وتعظيم قدراته، واستحداث مشاريع يمكن أن تراعى تنوُّع الموارد، وفْق التنوع الجغرافى والثقافى؛ كل ذلك لرفع مستوى معيشة مواطنى الريف، وزيادة دخولهم، والقضاء على البطالة، والحد من هجرة أهل الريف إلى المدن، بحيث تحقِّق جميع المشاريع حياة كريمة بالفعل، تشمل وفرة الطعام، وجودة خدمات التعليم والصحة، وأيضا الخدمات والمَرافق اللائقة.

وعلى غرار «المجموعة الاقتصادية»؛ أطالب بــتكوين «مجموعة ثقافية»، هدفها الارتقاء بالوعى العام للمواطنين، وتطوير النسق الثقافى وتحديث مُدخلاته، مجموعة تخطط لأن تطرح – فى الأفق العام داخل القرى – خطابات ثقافية وفنية وعلمية متنوعة للشباب والكبار والأطفال، للنساء والرجال، تخطط لخلْق وسَط ثقافى يقبل التعدد وتنوُّع الموضوعات، وتدعو لنقاشها، فلقد عانينا – ومازلنا نعانى – من آثار تغلغل الفكر الواحد، المتطرف الظلامى، وانتشاره بين قاعدة عريضة من أهل القرى المصرية، من خلال الخطاب الذى سيْطَر لفترات طويلة على مساجدها وزواياها، على مدارسها ومدرِّسيها، على مراكزها الرياضية أو الثقافية، المراكز التى أصيبت الأنشطة فى بعضها بالشلل التام، بدعوى أنها حرام، وأنها تشغل الناس عن العبادة، فمنذ سبعينيات القرن العشرين استشرى وتمدد فِكر جماعة الإخوان المسلمين، وتيارات السلفيين، وأثَّرَا على قاعدة كبيرة من السكان وخاصة فى الريف.

وأن تضع هذه المجموعة الثقافية – فى هذا المشروع – خططًا تقضى على أمية القراءة والكتابة تمامًا، والأمية الثقافية أيضًا، وعلى التطرف والتعصب، أن تُرسى مفهومًا منفتِحًا للعِلم والثقافة والفنون بطُرُق تطبيقية على أرض الواقع، أن تزرع فى تربة المجتمع الثقافى العميقة قيمة التعدد والاختلاف والتنوع. لعلنا كثيرًا ما نتساءل عن سبب الانغلاق الفكرى والتعصب، الذى يُعد سِمة فى كثير من الشباب، فى المجتمع المصرى، فى سن الشباب والنضج، بالرغم من أن هذه المرحلة العمرية هى سن التفتح والتعدد وقبول الآخَر بأفكاره. ولعلنا يجب أن ننتبه للبيئة الثقافية المحيطة بهم، وضرورة تغيُّرها وجعْلها أكثر تنويرًا.

وأن يكون من أهداف المجموعة الأساسية توعية الأهالى لضمان انخراط جميع الأطفال فى المدارس، سواء من الذكور أو الإناث؛ وإلا وقعوا تحت طائلة أحكام القانون، وتوضيح أهمية التعليم لأولادهم، وضرورة توفير مكتبة فى كل قرية مصرية، ليس فى قصر الثقافة فقط، ولا مركز الشباب والرياضة، بل فى المسجد أيضًا، فلقد علمت أن وزير الأوقاف يسعى لوضْع خطة طموحة، وبرنامج تأهيل لتثقيف وتنوير المشايخ، الذين توظفهم الأوقاف فى كل القرى والنجوع والمدن المصرية، سواء فى الريف أو المدن، وأن تتنوع الكتب فى هذه المكتبات، وألا تقتصر على الكتب الدينية فقط، بل تشمل العلوم والفنون والآداب والسِّيَر، وأنواع المعرفة كافة، كتب الثقافة العربية والغربية، سواء بلُغاتها أو مترجمة.

على أن تحرص المجموعة الثقافية أن يكون فى كل قرية أو مجموعة قرى متقاربة مسرحٌ. ولقد أرسل لى أحد المهتمين بمسرح الجرن – بعد المقال الأخير – دراسة دكتوراه عن مسرح الجرن، ونموذجًا لأحد هذه المسارح فى قرية (بلاط) بالوادى الجديد، وتتضمن أنشطة هذا المشروع – كما قرأت – وِرَشًا ثقافية وفنية متنوعة، منها جمْع حكايات القرية، وتوثيق الأغانى الشعبية من الأحياء المحتفظين بها، فضلاً عن الشِّعر والقصة، والألعاب الشعبية المميِّزة لكل قرية، الفن التشكيلى، مسرح العرائس والألعاب الشعبية.

وتقوم فلسفة مشروع مسرح الجرن على اعتباره حافظًا للشِّق الأعظم من العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية، والقِيَم الأخلاقية والجمالية من ناحية؛ أى عناصر الهُوَيَّة، ويمثل أكثر من نصف سكان مصر من ناحية ثانية؛ حيث إن تعداد أهل الريف يتجاوز 54% من سكان مصر. كما يعتبر المسرح إطارًا عامًّا لعمل ثقافى وفنى متنوع فى القرية، وتعبيرًا عن الخصوصية المصرية فى الثقافة والفنون.

ويتعامل مع القرية باعتبارها صاحبة ثقافة أصيلة ترسَخ وتتطور بقدرتها على التفاعل مع ثقافة هذا العصر؛ بالكشف عن إبداعات القرية وتنشيطها بالطرُق التى تتسق مع طبيعتها وخصوصيتها الذاتية من ناحية. وبالتأكيد على الذات الثقافية والفنية، والتى بدورها تؤكد الانتماء، والاهتمام بالجمال الفنى وانعكاسه على البشر والقرية. ومن ناحية ثالثة تقف ضد آفة أحادية التفكير، ووَهْم امتلاك الحقيقة.

وفى فعالياته يتم الاستعانة بأدباء وفنانى كل محافظة، بالتعاون مع مدرِّسى المدارس والشباب الموهوب فى مراحل التعليم المختلفة.

كما على المجموعة الثقافية توفير شاشات للعروض السينمائية فى قصور الثقافة ومراكز الشباب والرياضة، وتخصيص ساعات أسبوعية لسماع الموسيقى الراقية، وإقامة ندوات لمناقشة الأعمال الفنية التى تُعرض، وندوات فكرية تناقش قضايا الساعة التى تشغل المجتمع، واستضافة مثقفى مصر لمشاركة أهل الريف فيما يشغَلهم، وصنْع حوار حقيقى.

كما أن توفير الميزانيات المناسبة – للأنشطة الثقافية والفنية والرياضية – يُعد من أهم أعمال المجموعة الثقافية، وأيضا التنسيق فيما بينها لتوفير تلك التسهيلات اللوجيستية لخلْق حالة ثقافية وتوعوية حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى