مقالات وآراء

عبد الله الفيصل..الامير العاشق

ا.د.صلاح سلام

لم يستطع رغد العيش الذي عاش فيه عبد الله الفيصل كأمير وهو الابن الأكبر للملك فيصل رحمه الله أن يثنيه في أن يثري عالمنا الأدبي والشعري والذي جعل الحرمان موضوعا اساسيا فيه واتخذ التصوير الرمزي وسيلته ليعبر عن الشكوى منه ففي قصيدته”صناجة العرب”يقول…من الجزيرة أهديها مغلفة إلى أرض الكنانة في تاريخها الذهبي،من شاعر عربي كل غايته أن يظفر العرب بالامال والغلب،حيث احب احمد شوقي وحافظ ابراهيم وعلي محمود طه وعمر ابو ريشة وكان صديقا لأحمد شفيق كامل ملحقنا التجاري في جدة صاحب نشيد وطني حبيبي الوطن الأكبر،ويبقى أن نعرف أن الأمير يشبه العقاد فلم يحصل الا على الشهادة الابتدائية وبرغم ذلك فقد منح الدكتوراة الفخرية من جامعة رالي بولاية كاليفورنيا بأمريكا، ولكنه تتلمذ على يدي امرؤ القيس وطرفة ابن العبد والنابغة الذبياني وعنترة من العصر الجاهلي وعمرابن ابي ربيعة من العصر الأموي والمتنبي من العصر العباسي،وقبل كل هذا فقد حفظ القرأن وكثير من الاحاديث،ولاشك أن قصيدته ثورة الشك هزت وجدان كل ذي قلب فقد قالت فيها ام كلثوم قولة مشهورة وهي أن لكل اغنية زهوة وتذهب لكن ثورة الشك لها مذاق خاص يستمر، ولذلك القتها بصوتها في تسجيل خاص موجود في كنوز الإذاعة، ولاشك انها بركانا يتجدد،وقد دارت حولها قصص على الصفحات بأن الأمير كتبها لابنه البكر لأنه كان يشك أن هناك علاقة بينه وبين زوجته الثانية صغيرة السن فكتب ،يكذب فيك كل الناس ظني وتسمع فيك كل الناس اذني،وكم طافت علي ظلال شك اقضت مضجعي واستعبدتني،وانا اشك في هذه الرواية حيث غنتها ام كلثوم ١٩٥٨ والشاعر مواليد ١٩٢٣ اي ان عمره لم يتجاوز ال٣٥ عاما فكيف يكون ابنه بهذا النضج الا اذا كان قد تزوج صغيرا،ولماذا لايكون قد كتبها لزوجته التي انفصل عنها بالفعل فقد تزوج الأميرة جوهرة ثم الاميرة نورا والتي انفصل عنها ثم الأميرة سلوى او انه تخيل القصة برمتها بحس الشاعر المرهف،وفي رواية أخرى انه كان يشك فيمن يتملقونه اهو لشخصه ام لماله وجاهه فقد تولى وزارتي الصحة والداخلية وعمره ٢٧ عاما ولكنه رغم مشاغله الا انه كان يستضيف اكبر صالونات الشعر والادب وكان رأس الرومانسية الحالمة التي طالما باتت تنام بين جفنيه ولايخفي ثورته في بعض الأحيان التي يغلفها العذرية الصوفية،ولاعجب أن يهتم د.طه حسين بدراسة شعره في دراسة أكاديمية مطولة وقد نسجت رسائل الماجستير والدكتوراه فيه تحت اشراف ثلة من أساتذة الادب ومنهم د.احمدذكي وسعد ظلام… وتوجت ام كلثوم درة التاج عندما شدت برائعتها، من أجل عينيك عشقت الهوى بعد زمان كنت فيه الخلي،من لحن السنباطي العظيم الذي مكث ٤٥ يوما يلحنها وأجرى لها عشر بروفات وكان ينتظر انطلاقها في منزله في مصر الجديدة من مسرح حديقة الازبكية كما تعود ولم يكن يحضر في الكواليس كباقي الملحنين.. في ليلة غنت فيها لأول مرة لسيد مكاوي “يامسهرني” كوصلة أولى بناء على اقتراح من رجاء النقاش لها ووعدت بتحقيقه، وختمت بها وقد احس السنباطي بالنجاح عندما أصر الجمهور على أن تعيد الوصلة الأخيرة،لاتقل أين ليالينا وقد كانت عذابا…لاتسلني عن أمانينا وقد كانت سرابا،انني اسدلت فوق الأمس سترا وحجابا فتحمل مر هجرانك واستبقي العتابا،ودائما تشعر أن الكلمات تخطفك إلى عالم آخر فيه صدق مطلق بل لوعة والم إلى حد الحرمان ولكن بشمم وعزة نفس وترفع”بتشديد الراء” برغم النزيف الذي يقطر من بين الكلمات، وغنى له العندليب يامالكا قلبي والتي كانت مصدر خلاف بين احمد مخيمر”مؤلف وطني وصبايا واحلامي” كاتبها الاصلي وحليم والفيصل وان كانت اصلا احد الموشحات الاندلسية ولكن مطلع الاغنية كتبه الفيصل.. يامالكا قلبي ياأسرا حبي،النهر ظمأ ان لثغرك العذب مل بي له مل بي يامالكا قلبي..قلي إلى أين المسير في صحبة الدرب العسير،طالت لياليه بنا والعمر لو تدري قصير، فعلا كان العمر قصيرا فقد مات الفيصل ومخيمر وحليم والعمروسي صاحب صوت الفن وحكمت المحكمة باحقية مخيمر في حق الأداء العلني في ٢٠٠١ ،وقد اثرى الفيصل مكتبة الشعر العربي بدواوين تضاهي ماسبق بل وتتفوق عليه وحي الحرمان وحديث قلب ووحي الحروف وخريف العمر ومشاعري من الشعر النبطي أما أشهر قصائده التي لم تغنى فهي على ضفاف النيل ومن وحي الكريم وثورة خيال ،ليلة العمر،نهاية حب،وغنى له طلال المداح ومحمد عبده ونبيل شعيل وغيرهم حتى الشيخ العفاسي لحن قصيدة “الى الله”وانشدها،هكذا يعشق الأمراء مثلما يعشق الفقراء فالحب ليس حكرا على احد فلا الفقر اجدب القلوب ولا الغنى اسعد الملوك ” استشف الوجد في صوتك آهات دفينة،يتوارى بين انفاسك كي لا استبينا، لست ادري أهو الحب الذي خفت شجونه أم تخوفت من اللوم فأاثرت السكينة، وسيبقى الحب حديث الروح للارواح يسري وتدركه القلوب بكل اشتياق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى