مقالات وآراء

رحل عظماء الفن ومازلنا نعيش على وقع ذلك الزمن الجميل

دكتور صلاح سلام
في الاجازة الصيفية ترافق ثلاثتنا انا وحسن ابن أخي وعطية ابن عمي وكلاهما يكبراني بحوالي ثلاث سنوات وكانوا قد انهوا الثانوية العامة وفي انتظار تعليمات الصليب الأحمر لينقلهم إلى القاهرة حيث كنا تحت الاحتلال الاسرائيلي ويتأخر كل طالب عاما كاملا حتى يحدث التنسيق للسفر للالتحاق بالجامعة في القاهرة وترتيبات السفر تمر بمراحل صعبة عبر فلسطين إلى الاردن ثم إلى القاهرة، سافرنا معا الى غزة لكي نبتضع بعض الملابس هم للسفر وانا للمدرسة حيث لم يكن هناك زي موحد للثانوية،ولأننا نحب السفر والترحال فقد سبق أن سافرنا من قبل إلى القدس في رحلةلها قصة اخرى،وكان هذا هو هدف رحلتنا المعلن ولكننا كنا متفقين أن نذهب لأحد الكوافيرات المشهورة بشارع عمر المختار بغزة لنقوم بفرد الشعر وعمل السيشوار حيث كانت موضة الشعر الطويل لأننا كنا نعشق عبد الحليم حافظ شكلا وموضوعا وصوتا وكلمات وألحان ونقلد تسريحته ونلبس الشارليستون ونحفظ اغانيه ،وقد كان عيبا في البداية في مدينتنا انذاك أن تلبس الشاراليستون فقد اخرجني ناظر المدرسة الاستاذ محمد العيادي رحمه الله من الطابور ووبخني وكان ممكن أن يضربني لولا انني كنت من المتفوقين وعلى وعد انني لن اكررها،وياليته عاش ليرى البنطلونات البالية”المقطعة” والساقطة،ربما كان يعتزل العمل تماما،المهم اننا بعد نفذنا مانريد خرجنا وعلى بعد خطوات كانت سينما الرمال وبها فيلم عشاق الحياة لمحرم فؤاد ونادية لطفي واعجبنا العنوان فنحن أيضا من عشاق الحياة وقررنا الدخول حيث كان الفيلم حديثا ولايوجد في مدينتنا “العريش” غير سينما بدائية تستضيف دائما افلام بروس لي العنيفة والتي كانت شائعة في تلك الحقبة السبعينية من القرن الماضي،واستمتعنا بمحرم فؤاد ذلك الشاب الاسمر ذو الفلجة الصبوحة في اسنانه وصوته الصداح وهو يغني والنبي لنكيد العزال ومسى التماسي، وندم، وكانت كل ثقافتنا السينمائية من محصلة فيلم الجمعة والذي تبثه القناة الإسرائيلية في الفقرة العربية حيث لايصل الينا ارسال التلفزيون المصري واحيانا يصلنا بث الاردن فنستمتع بحلقات “صح النوم” لغوار الطوشي وحسني البرزان”دريد لحام ونهاد قلعي” حيث كنا نتحلق حول التليفزيون في بيت اخي الاكبر مساء الجمعة صغارا وكبارا لنشاهد روائع السينما المصرية،وبرغم أن محرم فؤاد غنى ٩٠٠ اغنية ومثل١٣ فيلما الا انه لم يكن معبود الجماهير مثل عبد الحليم ،وربما لأنه عاش حياته الخاصة بالطول والعرض فقد تزوج تحية كاريوكا وكان زوجها رقم ١١ ثم سيدة اجنبية وبعدها اللبنانية ماجدة بيضون وميرفت امين وملكة جمال الكون جورجينا رزق اللبنانية والتي مثل معها فيلم الملكة وانا وغنى لها داري جمالك دة العيون بصاصة،ومسا التماسي ياقمر،ثم الراقصة الشعبية نجمة فرقة رضا عايدة رياض،وأنهى مشواره مع المذيعة منى هلال،وبرغم انه بدأ اول أفلامه مع السندريلا السمراء سعاد حسني في فيلم حسن ونعيمة ١٩٥٩ الذي لاقى نجاحا كبيراوخاصة اغاني رمش عينه اللي جارحني، والحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا في الحواديت،يابحر عسلهم رباني..عطشان ياني ونظرة واحدة بترويني وتخليني اشبع سنتين،الا ان السندريلا أيضا أحبت عبد الحليم واحبها هو أيضا بكل كيانه ولازلت اذكر تلك الحفلة التي قدمته فيها سعاد حسني ليغني “الحلوة ،الحلوة،برموشها السودا”وكانت عيناها تلمع وضحكتها ترقص..وكان من الواضح أن العندليب كان يخصها بهذه الاغنية،وربما يكون قد تزوجها ولكن لم يكتب لهم القدر الاستمرار،فقد كان حليم قد وهب حياته كلها لفنه فقط برغم أن البيت يكاد يكون مستشفى والكواليس ايضا أثناء الحفلات ولكنه ما أن يعتلى خشبة المسرح يصبح اسدا هصورا ربما كان هذا من يداوي جراحه والامه،وكان معظم مطربي عصره يتصورون أن عبد الحليم هو السبب في عدم بزوغ نجوميتهم،ولكن الواقع يقول ان كل منهم اخذ على قدر ما أعطى،ولاشك أن محرم فؤاد الذي غنى أمام الملك فاروق وهو في سن السابعة كان موهوبا فعاشت معنا اغنيته التي غناها للفنانة الاردنية البدوية فائقة الحسن ذات الشامة الطبيعية على وجنتها اليسرى سميرة توفيق في فيلم عتاب،ابحث عن سمراء قامتها هيفاء، وكلمات اسماعيل الحبروك،اوعى تكون بتحب ياقلبي،واعشق صوته وكلمات اغنيته” ياغزال اسكندراني”،ياللي اسمك احلى من كل الاسامي من بعيد لبعيد بوصلك غرامي واسهر الليل غصب عني احضن النسمة واغني،وقد اثرى بالشراكة مع بليغ حمدي والموجي ومرسي جميل عزيز المكتبة الموسيقية المصريةبمئات الاغنيات،وكتب له سيد مرسي سلامات ياحبايب والتي غناها في سوريا بلحن رائع من بليغ حمدي،بعد سنوات القطيعة بعد انفصال مصر عن سوريا وانتشى المسرح طربا،بوحشاني مصر ام القناطر والنخيل والنيل واحلى الذكريات،فالقوة الناعمة المصرية كانت هي جسر التواصل بينها وبين الشعوب العربية فقد حكى لي الوزير محمد فائق وكان وزير الإعلام وقتها أن الرئيس عبد الناصر قد كلفه بالسفر إلى سوريا بعد فترة من الانفصال وجلس يفكر ماذا سيفعل؟ وفي اليوم التالي قابل الرئيس ليعرض عليه خطته ففاجأه الرئيس بقوله “خد معاك عبد الحليم حافظ” وقد كان، وحل مشاكل صباح ورجعها معاكوا مصر وقد كان لها مشاكل مع الضرائب وقد تم تسويها، فيقول لي أن حليم والجمهور اشعلوا الحفلة التي حضرها ربما نصف سكان دمشق وامطروا المسرح بالورود وقصاصات الورق والتي جمعها المساعدين في صندوق وسلمها عبد الحليم لسيادة الوزير محمد فائق وكانت كلها عبارات في حب مصر، وغردت صباح ،سلمولي على مصر سلمولي، وقد اهدى فريد الاطرش إلى محرم فؤاد اغنية ياوحشني رد علية ازيك سلامات ،لأنه كان يجري بروفات مع اخته اسمهان ليغنيها في حفلته القادمة، فلما ماتت كان كلما شرع في البروفة يبكي عندما يصل إلى، الليل شافني لوحدية خدني في حضنه وسهرني ونجومه بقت حوالية تحكيلي وتذكرني، بتفكرني بلياليك بتفكرني بايامك،بتشوقني لعينيك،بتشوقني لسلامك،ويبدو أن الفتى الاسمر الذي كان يشبه السواد الاعظم من شباب جيله،قد تعب من طول رحلته فكتب ولحن وغنى،تعب القلوب يا أهل الله ،ومبقاش في القلب حاجة ما اختوا كل حاجة ومبقاش في العمر حاجة،ورحل ،وكان يظن انه لم يحقق النجومية والحقيقة اننا مازلنا نعيش على وقع هذا الزمن الجميل له و لمحمد قنديل وكارم محمود وعبد اللطيف التلباني وماهر العطار ومحمد عبد المطلب وعبد العزيز محمود، فلقد اثبت الحاضر البائس فنيا انهم كلهم كانوا نجوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى