مقالات وآراء

الحماية الدولية للمرأة أثناء النزاعات المسلحة

د. أماني فؤاد

د. أماني فؤاد

ينتفض العدل والرحمة مع ارتجاف طفلة ترتعد من البرد فى مشهد تناقلته المواقع ووسائط التواصل الاجتماعى فى أحد المخيمات الكثيرة التى يعيش فيها ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة فى إقليمنا، ففى كل يوم تطالعنا مشاهد دمار الحروب، وموت النساء والأطفال على شاشات القنوات الفضائية، مشاهد يندى لها جبين البشرية من جراء تلك النزاعات والحروب، البرد والعوز والامتهان والتهجير والذل، هذا عدا جرائم الاغتصاب والعنف الجنسى والاتجار بالبشر، الذى تتعرض له النساء فى المجتمعات الواقعة تحت النزاعات المسلحة، حيث تشير الإحصائيات الدولية إلى أن النساء والأطفال يشكلون نصف ضحايا النزاعات.

فى مطلع عام 2022 نُوقشت رسالة دكتوراه بعنوان «الحماية الدولية للمرأة أثناء النزاعات المسلحة» للباحثة «رانيا فؤاد جادالله» بكلية الحقوق جامعة حلوان، وفيها استعرضت الدكتورة ما تعانى منه النساء أثناء الحروب والنزاعات، ورصدت ازدياد ظاهرة الاعتداء على النساء والأطفال إما عن طريق استهدافهم، أو عن طريق إشراكهم فى الأعمال العدائية، حيث إن مشاركة النساء فى العمليات العدائية أصبحت ظاهرة واضحة للعيان، حيث جاوزت النساء أدوارهن التقليدية، واستجبن لما يُطلب منهن فى ميادين القتال، وبذلك أصبحن طرفًا فى النزاعات المسلحة، وبالتالى لم يكن بالإمكان فصلهن عن بقية القوات العاملة فى الميدان، وأصبحن بذلك عرضة للوقوع فى الأسر أو الاحتجاز، وتفاقمت مسألة تجنيد النساء، وإشراكهن فى الأعمال العدائية بفعل التغير النوعى لطبيعة النزاعات ونطاقها، فمنازعات اليوم أغلبها داخلية، وفى حالات الحرب الشاملة هذه يتجاهل أطراف النزاع فى معظم الأحيان القواعد الدولية التى تحكم المنازعات، فتتعرض هؤلاء النساء إلى العنف أو يصبحنَ هنَّ أنفسهنّ أدوات لها فيُجندن.

وتذكر الباحثة فى الدراسة كيف شهد الاحتلال الأمريكى للعراق 2003 ارتكاب أبشع الجرائم فى العالم، وذلك بقصف المدن والقرى العراقية بشتى أنواع الأسلحة الشاملة، وكذلك قامت قوات الاحتلال وجنودها بالاغتصاب والقتل الجماعى والتهجير وتدمير البيوت واعتقال الأشخاص بدون ذنب وأدخلوهم السجون دون تحقيق ومحاكمة.

كما شهدت الأراضى الفلسطينية المحتلة أبشع الجرائم والانتهاكات الصارخة لأحكام القانون الدولى الإنسانى التى ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 1948 حتى الاعتداءات الأخيرة فى مايو 2021.

كذلك شهدت المنطقة العربية الثورات الشعبية التى تُعرف بثورات الربيع العربى فى سوريا وليبيا واليمن، وكانت المرأة شريكًا فاعلًا فيها ونالت نصيبها من الانتهاك لحقوقها، والاعتداء عليها والزج بها فى السجون، والقتل والتهجير والاعتداء الجنسى وغير ذلك من الانتهاكات لحقوق المرأة فى هذه الدول، وفى دول اللجوء.

تعد النساء من السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وهو الوضع الغالب، إلا أنه لا يمكن إغفال أن يكون لهنَّ دورٌ فى الأعمال العدائية، ولقد أخذ القانون الدولى الإنسانى ذلك فى الحسبان، فقد أقر للنساء بالحماية أثناء النزاعات المسلحة سواء كنَّ مدنيات أم مشاركات فى الأعمال العدائية.

وتأتى أهمية دراسة «الحماية الدولية للنساء أثناء النزاعات المسلحة» لتسليط الضوء على أن هذه الفئة بحاجة ماسة إلى إقرار حماية قوية خاصة بهن، نظرًا للظروف والاعتبارات الخاصة بهن لأنهن ذوات طبيعة خاصة، ولا يملكنَ وسائل للدفاع عن أنفسهن ضد ويلات الحروب، وأيضًا للانتهاكات التى يتعرضن لها من جراء العمليات العسكرية الأهلية والدولية، ومنها الاغتصاب والقتل الجماعى والتهجير القسرى والسجن بدون محاكمات. ولقد أوضح تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر 2019 خطورة العنف ضد المرأة والانتهاكات لحقوقها، مشيرًا إلى مقتل 28076 أنثى منذ 2011.

وتبحث الدراسة حول ضرورة وضع قواعد الحماية الإنسانية العامة التى يكفلها القانون الدولى الإنسانى للمرأة، باعتبارها شخصًا مدنيًّا لا يشارك فى الأعمال العدائية، وباعتبارها مقاتلة تقاتل جنبًا إلى جنب مع الرجال، إلى جانب حماية إضافية ممنوحة لها فى كلتا الحالتين بسبب جنسها، وآليات حمايتها.

وقسمت الباحثة الرسالة إلى فصل تمهيدى وثلاثة أبواب: التمهيد بعنوان «تطور حماية المرأة أثناء النزاعات المسلحة». وجاء الباب الأول بعنوان «قواعد ومبادئ حماية المرأة فى القانون الدولى الإنسانى أثناء النزاعات المسلحة»، والثانى: «انتهاكات حقوق المرأة أثناء النزاعات المسلحة». والباب الثالث: «آليات حماية حقوق المرأة فى وقت النزاعات المسلحة».

وخلصت رسالة الدكتوراه لعدد من التوصيات، وهى على النحو الآتى:

1- سنّ اتفاقية دولية (لحماية النساء أثناء النزاعات المسلحة وضد الجرائم الدولية)، قد تكون فى شكل بروتوكول إضافى لاتفاقيات جنيف خاصة بحماية النساء من جرائم العنف الجنسى، وتوفر حماية خاصة للمدنيات تتجاوز النظرة الصحية أو العلاجية المرتبطة بحالات الحمل والوضع والأمومة، إلى نظرة أوسع وأشمل تقوم على أساس معرفة الفروقات الصحية والعلاجية والبيولوجية لدى النساء عامة، ولدى فئات منهن خاصة.

2- تدعيم الضمانات الكفيلة بمنع الاعتداء أو التحرش بالأسيرات أثناء مرحلة الاستجواب أو فى أماكن الاحتجاز أو قضاء العقوبة، وذلك بتقييد المدة الزمنية للاستجواب وتضييقها، وضرورة حضور طرف آخر ذلك، والذى يُستحسن أن يكون من العنصر النسوى، وحظر دخول الأماكن المخصصة للنساء الأسيرات على الموظفين من الرجال، فضلًا عن تمكين الأسيرات من تعيين من يمثلهن منهن لدى سلطات الدولة الحاجزة، أو أمام ممثلى الدولة الحاجزة أو بدائلها، سواء كان ذلك بشكل مستقل، وعدم التعسف فى استعمال حق تفتيش الأسيرات من طرف من يتولى أسرهن، وبخاصة التفتيش الدقيق.

3- ضرورة توفير التدابير اللازمة لأجل حماية اللاجئات أو النازحات من أى استغلال أو تحرش جنسى، قد يكنّ عرضة له من طرف موظفى المراكز والقائمين عليها، أو من طرف أطراف النزاع ذاتهم.

4- نشر قواعد القانون الدولى الإنسانى على نطاق واسع، وضمان احترام مبادئه والعمل على منع وقوع النزاعات المسلحة بالتصدى للأسباب الكامنة وراء العنف.

5- تحديد ماهية الحماية القانونية لضحايا النزاعات، وذلك بإعادة النظر فى الاتفاقيات، وعقد اتفاقيات جديدة تكفل الحماية للمدنيين والأعيان المدنية فى النزاعات الدولية وغير الدولية، وعند صياغة هذه الاتفاقيات يجب أن يراعى استعمال تعابير محددة واضحة غير مبهمة. ليس ذلك فحسب وإنما أيضًا تضمينها جزاءات فعالة على صعيد المجتمع يمكن إيقاعها بحق الدول المخالفة لنصوص هذه الاتفاقيات.

6- يتعين على المشرع الإنسانى التقليل من المخاطر التى تلحقها قاعدة الضرورة العسكرية بالقواعد الدولية الإنسانية، وذلك عن طريق تحديد تعريف واضح لقاعدة الضرورة، وشروط وضوابط التذرع بها بشكل دقيق، وحصر حالات اللجوء إليها إلى أضيق الحدود.

وتظل حقوق المرأة بحاجة ماسة لهذه الدراسات القانونية العلمية المنضبطة التى تطالب بمراعاة خصوصية أوضاع المرأة، وكيف تكفل لها القوانين الدولية الحماية والأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى