فطيرة الشتاء
يارب تشتي و اروح لستي تخبزلي فطيرة اد الحصيرة اكلها وانام زي الحمام….تلك هي الاغنية التى كنا نحفظها ونغنيها نشيدا شتويا مع بداية قطرات زخات المطر ونحن في عمر البراءة ولا اعرف لماذا كنا نربط الشتاء بالفطير..غير اننا كنا نجلس في صحن الدار في شموسة الشتاء حيث تضع الحاجة وهيبة “ياسمين” الصاج الحديدي الأسود والذي يأخذ الشكل الدائري المحدب فهو يشبه القبو حيث ترفعه عن الأرض بثلاثة حجارة وتضع الحطب تحته وتشعله وتقوم بإحضار طاولة العجين الخشبية المليئة بقطع تشبه الكرات الصغيرة وتضعها بجوارها وتقوم بفردها واحدة تلو الأخرى بعصاة خشبية “النشابة” الى ان ترق بقدر الإمكان ثم تقوم برفعها على كلتا يديها وتلفها لفات دائرية حتى تصبح اكثر رقة ثم تقوم بحدفها على الصاج الساخن كأنها تلقي شبكة الصيد على شاطئ البحر فتنضج بسرعة حيث تظهر بعض الفقاقيع البنية في وسطها واطرافها لتلتقطها سريعا وتضعها في مشنة من الخوص ونحن نجلس ننتظر هذه الحفلة ونساعد في دس قطع الجريد والليف الذي ادخرناه من حصيلة رحلة الصيف الى أشجار النخيل التي ورثناها في منطقة الريسة…وما ان تنتهي وهيبة من حصة الفطير تبدأ في شوي السردين والذي يكون طازجا ويأتي في أيام الشتاء بكثرة من صيد بحر العريش وتبدأ معركة اجمل واشهى وجبة مع السلطة العرايشي التي تشع حرقة من اثر الفلفل الأخضر المحبب الى الصغير والكبير والذي يزيد شهيتها وتظل رحى هذه المعركة تدور حتى انتهاء اخر طرحة سردين وغالبا يكون معها معظم ماتم اعداده من الفطير واذا فاض فسوف يتم استهلاكه في وجبة العشاء حيث لايوجد ثلاجات للحفظ ولأيمكن تركه لأيام كالعيش الخامر في المشنة العجيبة التي كانت تتوسط سقف غرفة البايكة والمعلقة بحبال حفاظا على محتوياتها من أي زواحف او فئران…كل هذا السيناريو دار بخلدي وانا احتسي فنجان القهوة الصباحي من خلف زجاج شرفتي وارى حبات المطر تداعب الارض الاسفلتية والخضراء في قاهرة المعز والتي تختلف تماما عن تلك الارض الطينية او الرملية التي كانت تتحول الى غدران “جمع غدير” تملأ شوارعنا حيث يستحيل احيانا المشي ومن يغامر قد يسقط اثر زحلقة الطين وربما يحدث مالاتحمد عقباه … حتى داخل البيت لولا وجود البراميل التي تضعها الحاجة وهيبة “ياسمين” وهي تشمر جلبابها المبلول وكأنها تستعد لمعركة مصيرية تحت المزاريب التي تجمع مياه الامطار من اسطح الغرف لتجمع مياه المطر حيث تستخدمه في الغسيل لاحقا لان مياه الحكومة كلها تأتي من الابار المالحة نسبيا..ولتحافظ على ساحة البيت حتى لا تمتلئ بالماء فتصعب الحركة علما بأن البيت به شطر شرقي وشطر غربي وبينهما فراغ بالأسقف تتوسطه شجرة زيتون وشجرة ليمون..فالشتاء بالنسبة لنا كأطفال كان اغنية ولكن للكبار كان مشقة فلا الببوت امنة حيث كانت تنهار اما جزئيا او كليا او تخترق شدة المطر أحيانا الاسقف الطينية لتجد ان غرف النوم يتسرب من زواياها سيل او تنقيط نضع تحته اناء حديدي فلم يكن اختراع البلاستيك قد وصل الينا لنسمع سيمفونية قطرات المطر وننام على انغامها اما اذا هطل البراد “بفتح الراء” أي حبات الثلج والتي كانت أحيانا تملأ طرقة منزلنا والازقة وجنبات الشوارع حيث كنا نتقاذفها لعبا وفرحا بسذاجة الأطفال فتلك كانت حكاية أخرى ولا اظنها تسقط الان فقد اختلفت جغرافية الأرض وان كانت البيوت الاسمنتية الان تتحمل البراد والمطر دون الحاجة الى براميل الحاجة وهيبة والحاووز الاسمنتي ولا ان تهرع في منتصف الليل لتسد مجرى الماء الذي اخترق الباب ليدخل الى قاع دارك ومع ذلك تأبى السماء ان تجود بما كان… هكذا كان زمن الستينات من القرن الماضي في مدينتنا العتيقة “العريش”