مقالات وآراء

عندما يتكلم الشيطان باسم الله وغربة المسلم

أول سماعي للحديث الشريف ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)) بدأت أفكر, كيف سيعود الإسلام غريبا؟ ومن الذي سيعود به غريبا ؟ ومن هم الغرباء الذين وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بطوبي؟

أسئلة كثيرة دارت في ذهني , ووضعت عدة سيناريوهات لعودة الإسلام غريبا , ومن الذي سيعود به غريبا؟
أول سيناريو دار في ذهني هو سيناريو الأندلس ومحاكم التفتيش, وخصوصا أن الغرب له سوابق في ذلك ليس في اسبانيا وحدها بل وفي الحروب الصليبية وفي الفلبين المسلمة. ولكن كانت الشواهد حينها تخالفي الرأي. فالإسلام كان ينتشر وبقوة في أوربا,وظهرت عدة دراسات محايدة بل وكنسية حينها تشير انه لو استمر المد الإسلامي على نفس الزخم ستتحول أوربا إلى قارة مسلمة خلال بضع سنين.

إذن لن تكون أوربا أو الغرب هي من سيعيد الغربة للإسلام أو الإسلام للغربة.
واستمر التساؤل ولكن وضعته جانبا, لأني ظننت انه لن يحدث في زمني ولا عصري فالمساجد تمتلئ بالمصلين في أسيا و أوربا وكل المسلمين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والقدر خيره وشره, ويحج الحجيج ويصام رمضان , بل كان الإسلام محبوبا والله كان أصحاب السوق في اندونيسيا يتمسحون بي عندما عرفوا أني من ارض الحرمين الشريفين ويترجوني أن اخذ من هدايا من بضاعتهم ليتباركوا, كان الإسلام قويا وينموا قويا ,فلا حاجة لي إلى التفكير في هذا الحديث .

ثم ظهر تنظيم القاعدة, واتخذ من قاعدة الحاكمية في العقيدة وهو مبدأ نادت به الخوارج ثم أحياه أبو الأعلى المودودي وتبناه سيد قطب, ولكن القاعدة كانت اقل خطر على الإسلام ولم تؤثر تأثيرا ظاهريا لأن مطالبها كانت هي مطالب الشعوب, ثم ظهرت داعش,والجماعات المكفرة.
كان تنظيم القاعدة جزء من سلسلة متصلة كالحلقة تؤدي إحداها للأخرى.
تنظيم القاعدة كان ينادي برجوع الحق الفلسطيني لأهله وخروج الغرب من العالم الإسلامي, وهي مطالب عامة لكل مسلم ولكل عربي, إلا انه اتخذ الطريقة الخطأ, تفجير الأبرياء في العالم الإسلامي ,تفجير سفارات ومباني ومجمعات سكنية . وتلاها بتفجيرات 9/11 وتفجير البارجة الأميركية “يو اس اس كول” ونتيجة لذلك خسرنا دولتان العراق وأفغانستان, وبدأت سمعة الإسلام كدين تسوء في الغرب, ولكن ليس لدينا, فما زلنا حينها نظن بالملتحي خيرا, ونسأله أن يدعوا لنا,ونسر إذا اظهر أبنائنا مظاهر الالتزام الديني.
حتى جاءت الحلقة التالية,تنظيم داعش, الذي بدا يصور عمليات نحر الأسرى , وعمليات نحر من يخالفهم الرأي , وبدءوا يسمون من يؤيد مخالفيهم بعباد فلان أو عباد الطاغوت, كأن التأييد السياسي أو العسكري يخرج من الملة, وأصبحنا نرى بعض هؤلاء ينحر فتي أمام والديه ويلقي برأسه في الوحل.بشاعة ما بعدها بشاعة وإجرام لم يسبقه إجرام.
قد يقول قائل هذا حدث في عصر سيدنا الحسين رضي الله عنة , أقول كانت تلك الفعلة مستهجنة في ذلك العصر بل وتأتي الروايات عن حاكم ذاك الزمن بأنه استهجن ذلك.

ولكن مع ظهور بشاعات وفجور بعض من يتكلمون باسم الإسلام , وصور الذبح وقطع الرؤوس . وإلقاء الجثث والتمثيل بها بدأنا وبدأ العالم كله يتسائل, من أين تأتي كل هذه القسوة؟ من أين يأتي كل هذا الفجور ؟ من أين تأتي كل هذه الكراهية؟ من أين تأتي كل هذه الوحشية؟ من أين تنبع كل هذه البشاعة؟ من أين تنبع؟ ما مصدرها؟ ما هي القلوب التي تحملها؟ بشاعة لا تدل على خلق ولا دين ولا إنسانية, وحوش جبلت على الفتك بمخالفيها ومن يحاول نقاشها. وبدأت الأصابع تتجه نحو الإسلام ليلام على هذه البشاعات

أصبح الغرب والشرق يخاف ويستبشع كلمة إسلام, أصبحت لديهم رديف الوحشية وانعدام الضمير الإنساني والقتل غير المبرر والبشاعة , بل واتخذت مدن في ألمانيا يوما في الأسبوع للخروج بمظاهرات بالآلاف تندد بالإسلام وتدعوا لتحصين بلدهم ضده, وزادت البرامج الإعلامية لتظهر بشاعة الإسلام وبشاعة المسلمين.
هذا الكره في الغرب فقط قد يقول قائل, أقول له لا!!
أصبح الناس عندنا يبتعدون عن الملتزمين دينيا, وعن الملتحين والمقصرين لثيابهم, ويرون فيها علامات على “الدعشنة”, بل أصبح البعض يمنع أبنائه من ارتياد المساجد. لأن بعض المساجد أصبحت منابر للمكفرين للأمة والجاضين على قتالها, ومراكز لتجنيد الشباب للانضمام إلى داعش العراق وسوريا بل و داعش ليبيا , مساجد في القاهرة والعراق وليبيا والأردن والسعودية والمغرب, بل وحتى مساجد أوربا . ولدي من المعلومات والصور الكثير عن هذه المراكز التي تخفت داخل بيوت الله, مما حدا بالآباء إلى منع أبناءهم من دخولها, أو الغضب عليهم وتوبيخه ما تأخروا داخلها.

هنا عاد الحديث الشريف الذي بدأت به إلى العودة, هل هذه بداية غربة الإسلام؟
هل من سيغربه من يتكلمون بلسانه ويلتزمون بعباداته دون أخلاقه؟ هل هي الغربة التي تفرق بين النصوص, فتؤخذ نصوص الحرب والشدة والغلظة من مواضعها وتطبق على المسلمين, وتحذف كل نصوص الرحمة والسلم والعدل والإنسانية من قاموس الإسلام ؟
هل هي بداية الغربة للمسلم الحق الملتزم بفرائضه الواجبة, مؤمن بما جاء في كتاب الله, يؤمن بالتي هي أحسن والحكمة والموعظة الحسنة ؟
هل هي انتصار للتفسير الخاطئ لـ “جئتكم بالذبح” على قول الله عز وجل” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ? فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ? “. وقوله ” لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ “، وقوله” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ “وقوله ” مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى “

هل بداية انتصار من عينوا أنفسهم قضاة عينهم الله للقضاء بين البشر, هذا مؤمن وهذا يستتاب وهذا تقطع رأسه بأمر الله؟

هل هي بداية الغربة حيث وعد الله الغرباء بطوبي؟

لا اعلم, ولكني أظن اني وجدت التفسير. وبدأت أرى كيف يغرب المسلمون المعتدلون أمثال الأعرابي الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ” أَوْ ” دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ “”
بدأت اعرف من هو الذي سيقوم بتغريب الإسلام, هم بعض من تسموا باسمه ولبسوا مسوحه وأظنهم ينطبق عليهم قوله تعالى 🙁 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) .

بدأت اعرف من سيكون الغرباء, هم أولك الذين يؤمنون بالإسلام كله وليس ببعضه, ويختارون الأيسر ويبتعدون عن التعسير, الذين يحرمون الدماء بغض النظر عن دماء من إلا بالحق المذكور في الحديث, يؤمنون بقبول المختلف فقها والمختلف مذهبا ويعتبرون أن الله هو الحكم بين الناس. اللهم اجعلنا منهم.

أقول, لا أخاف من الشيطان عندما يتكلم باسمه , ولكن أخاف الشيطان عندما يتكلم باسم الله.

صالح بن عبدالله السليمان
http://salehalsulaiman.blogspot.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى