إخوان سوريا والجهادية السلفية.. لعبة تبادل الأدوار

استغلت السلفية الجهادية والجماعات المسلحة الوضع في سوريا والمنطقة للتمدد في دول الجوار مثل لبنان والعراق والسعودية وربما الأردن. وقد ساهم استمرار نظام الأسد في السلطة في نمو هذه التنظيمات في سوريا وخارجها، فقد باتت هذه الجماعات تتغذى من تواجد نظام الأسد باعتباره يمثل ذريعة للقتال هناك.
لذلك فالحركة السلفية الجهادية دخلت العملية السياسية، رغم رفضها قبول النظام السياسي والدولة الحديثة واعتبارها الديمقراطية “مفسدة” الشعوب وعدم ولاية الحاكم في الدولة العربية وبدأت بعد الربيع العربي الدخول في العملية السياسية وتشكيل الأحزاب، وهي خطوة جديدة رغم أنها لا تمثل إلا نسبة ضئيلة في الأحزاب السلفية التكفيرية. فظهرت في مصر واليمن بعد عام 2011 أحزاب سلفية سياسية وهي سابقة لم تعهدها من قبل. بعض المراجع السلفية الدينية أعلنت أن هذه الأحزاب السلفية قريبة من مبادئ السلفية لكن تنكّرت لها.
استفاد الإخوان في سوريا من التنظيمات الجهادية لتحقيق إنجاز على الأرض ضد نظام الأسد، فالتورط الإخواني جاء لكون التنظيمات القاعدية ذات أهداف “عولمية” لا يمكن تحديدها جغرافيا، فالإخوان في سوريا أعلنوا طموحهم في الوصول إلى السلطة وإسقاط نظام الأسد.
كما أن العلاقة بين السلفية والإخوان في سوريا تعيد إلى الأذهان العلاقة بين طالبان والقاعدة في أفغانستان. واليوم هذه العلاقة تتقولب من جديد ما بين الإخوان في سوريا والجماعات الجهادية أمثال داعش وجبهة النصرة والتي بدأت تتقاطع فيما بينها.
علاقة الإخوان بجبهة النصرة التي أعلنت انضمامها إلى القاعدة كانت واضحة في تصريحات إخوان سوريا والتي تقول إن الولايات المتحدة اتخذت قرارا خاطئا للغاية بإدراج جبهة النصرة المعارضة على قائمتها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، وأن القرار خاطئ تماما ومتسرع، لأنه من السابق لأوانه تصنيف الناس داخل سوريا بهذه الطريقة نظرا إلى حالة الفوضى والمناخ الضبابي السائد في البلاد. فالتصريحات الإخوانية تعتبر ترويجا سياسيا علنيا للنصرة.
مقارنة مع تجربة الإسلاميين والإخوان في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول يستبعد المراقبون أن يحل الإخوان بديلا للأسد في حال إسقاطه أو تنحيه، لأن الأمر حينها سوف لن يؤول للإخوان بل سيؤدي إلى نتائج من بينها المواجهات المسلحة داخل الفصائل الجهادية كما حصل في ليبيا ومصر. لذا سيكون حظ الإخوان بالسلطة في سوريا بعد تجارب الثورات العربية معدوما. وظهرت المواجهات الجهادية ـ الجهادية إلى السطح في سوريا على غرار تجربة الجماعات الجهادية والقاعدة في العراق أو ما يعبّر عنه بالصحوات الإسلامية. حيث تحولت المعارضة السورية، السياسية والجهادية، إلى عبء على الأطراف المموّلة بسبب تخزين الأسلحة داخل التنظيمات والخلافات الحادة.
فمن أجل فهم الإرهاب يتطلب الأمر الفرز بين الفكر الجهادي للتنظيمات والعقيدة الإسلامية الصحيحة. فهذه التنظيمات جعلت سوريا حجة لنشر أفكارها وأيديولوجيتها القاعدية لغرض كسب مقاتلين جدد، عدا عن تحقيق المكاسب المالية من خلال المساعدات وتدوير ترسانة الأسلحة والشبكات المتاجرة بنقل المقاتلين إلى سوريا.
وفي دراسة نشرها مركز “كارنيغي” للباحث رافييل لوفيفير يقول فيها “إن الميليشيات السلفية، مثل كتائب أحرار الشام، قادرة عسكريا على مقارعة أكثر قوات النظام ولاء، ونتيجة لذلك، فهي تكتسب شعبيةً بين صفوف المتمرّدين. ومن الناحية الأيديولوجية، تلقى دعوتها للعودة إلى تطبيق منهج السلف صدى لدى جمهور الأنصار من السوريين السنة المحافظين”، فالتنظيمات السلفية الجهادية يمكن اعتبارها مجموعات انتهازية تنتشر في البلدان التي تشهد ضعفا في النظام المركزي وعدم سيطرتها على الأرض لتكون مساحات رخوة لجهادييها وتستغل هذه التنظيمات الجغرافيا لكي تتمدد عبر الحدود وترسم خارطتها بعيدا عن الجغرافيا السياسية، مستغلة ما يسمّى بالربيع العربي لتحوله إلى”ربيع جهادي”.
فهنالك عمل منظم يجري في الداخل السوري لإعادة هيكلة الفصائل الإسلاموية من خلال الأطراف الخارجية التي تتحكم بالإدارة والتمويل والسيطرة، فما يجري الآن من تحالفات متمثلة “بجيش الفتح” جاء نتيجة جهود بعض الدول الخليجية أبرزها قطر.
هذه الإجراءات قلّصت الانشقاقات داخل جبهة النصرة من جانب وما بين النصرة وفصائل قاعدية أبرزها “حركة أحرار الشام” بعد أن كانت تتقاطع في مصالحها من أجل الزعامة والغنائم، وهذه الإجراءات سوف تنعكس سلبا على داعش في المرحلة القادمة. والتغيير الذي شهدته خارطة هذه الجماعات خلال مارس 2015 يتمثل في التقارب بين جبهة النصرة و”أحرار الشام” و”صقور الشام” ودخولها في ميثاق جديد يسمى “جيش الفتح”، وكانت عملية “فتح الإسلام” في إدلب باكورة هذا التقارب.
غيّرت القاعدة وتنظيمات جهادية أخرى جغرافيتها، بعد أفغانستان وباكستان، لتختار اليمن وسوريا والعراق ولبنان. أما وجودها في سوريا فقد أصبح مألوفا ومحوريا في مستقبل التنظيم، ولطالما ركزت الجماعات الجهادية على سوريا، حيث تراها الخط الفاصل بين إسرائيل والعالم الإسلامي حسب منظورها.
وتوضح الوثائق المفرج عنها من مقر سكن أسامة بن لادن في “أبوت أباد” أن مهاجمة الولايات المتحدة كانت هي الخطوة الأولى في الخطة الاستراتيجية للقاعدة التي تهدف إلى استنزاف الولايات المتحدة والقوى الإقليمية، أي التحول من “مرحلة التوحش” إلى مرحلة السيطرة على دول المنطقة سعيا إلى إقامة خلافات إسلاموية دون تدخل أميركي.
باحث في قضايا الإرهاب والاستخبار