أخبار

كورونا الضمير .. الطب المصري بين الشطارة والفهلوة

بدأت البشرية في ممارسة الطب منذ 3 آلاف عام قبل الميلاد، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن، مرَ الطب بمراحل عديدة بداية من الدجل والشعوذة وأعمال السحر وصولًا إلى اتباع منهج البحث والتجربة والتحليل، الذي نتجت منه التطورات الكبيرة التي نراها اليوم في شتى مجالات الطب.
ولا يمكن الحديث عن تاريخ الطب وتطوره، دون ذكر الطبيب اليوناني أبقراط، الذي يُطلق عليه لقب «أبو الطب»؛ نظرًا لإسهاماته الجليلة التي يمتد أثرها إلى اليوم في المجال الطبي. هذا فضلًا عن «قسم أبقراط» الشهير الذي ما زال حاضرًا بقوة في كثير من مدارس الطب وكلياتها في العالم، وفي هذه الأيام يقسم الطبيب في نقابة الأطباء في مصر ويقول: أقسم بالله العظيم أن أؤدي أعمالي بأمانة وشرف وأن أحافظ على سر المهنة وأن أحترم القوانين والأنظمة المتعلقة بها.
وما بين هذا الطب القديم وصولاً إلى ما نحن فيه الآن نجد أن أطباء حملوا لواء العلم والأمانة، وأطباء ليس لهم علاقة بقسم أبقراط أو أي معنى للقسم الحديث فقد تحولوا إلى سماسرة عقارات وتجار أراضي إلى جانب مزاولة مهنة الطب عن طريق الشطارة والفهلوة.
وقد بحثت عن معنى الفهلوة في الكتب والمراجع فلم أجد لها تعريفا واضحا سوى أنها صناعة مصرية خالصة، والفهلوة هي سلوك لا يمكنك أن تضع له إطارا محددا أو تعريفا جامعا سوى (أن تعمل أقل مما يجب وأن تحصل على أكثر مما تستحق) وهى ثقافة راسخة في وجدان الكثيرين.
لم يبذل هؤلاء الأطباء ومعظمهم من الشباب جهدا للتوعية والتثقيف، واستعاض بعضُهم عن التوعية، ومتابعة البحث والقراءة؛ بأن تحولوا إلى رجال أعمال، همهم الأول والأخير جمع الأموال، وتكديس الثروات.

فهناك أطباء تعاقدوا مع شركات الأدوية، بغض النظر عن قسم المهنة، قسم الشرف، والأخلاق، والامتناع عن التغرير بالمرضى، فيأخذون عن كل أشعة أو تحليل أو وصفة دواء مبلغا ونسبة، وبعضهم الآخر، أسَّس صيدليته الخاصة، أو صيدلية لابنه أو أخيه! وربط كثيرٌ من هؤلاءِ الأطباءُ في أذهان المرضى البسطاء، بين سعر الدواء، والشفاء من المرض، فكلما غلا سعرُ الدواء، زاد احتمال الشفاء، أما الدواءُ الرخيصُ، والنصيحةُ المخلصة، فتجلبُ المرضَ، وتؤخرُ الشفاء!
وأصبحت أخطاء الأطباء عديمي الخبرة والضمير والتي فقدت بسببها الكثير من ذوي القربى والأصدقاء، تندرج تحت بند: قدر الله وما شاء فعل، وأن هذا ضمن القضاء والقدر ويرددون: ” فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”، وهذا منح الأطباء غير المخلصين حصانة ضد المساءلة القانونية.

أما الطبيب الحقيقي، فهو عالمٌ مجتهد، يُكمل جهد الآخرين ويقوم بالتجارب والتحليلات ولا يحكم على الأمراض باعتبارها ألغازا، بل هي نتائج لأسبابٍ عديدة، وهناك نماذج مصرية تقود العالم في مجال الطب يتعلم منها القاصي والداني أمثال مجدي يعقوب ومحمد غنيم وحسين السيد وحسين خيري وهم بالعشرات بل بالمئات في هذا المجال.

أشرف العدوي .. طبيب بدرجة إنسان وخبير بدرجة فنان يجمع بين الصدق والإخلاص

وهذا ما لمسته عن قرب وتجربة حقيقية مع المرض والعلاج في إحدى زياراتي من هولندا لبلدي الغالي مصر من خلال الدكتور أشرف العدوى استشاري الصدر، خبير منظمة الصحة العالمية، في مدينة المنصورة عروس النيل وإحدى أجمل بلاد مصرنا العزيزة، فوجدت رغم تراكم خبراته أنه على استمرار في الدراسة والبحث ومواكبة العلم والتقدم في مجال الطب وآخر المستجدات وخاصة في مجال الكورونا أحدث أمراض العصر الحديث والعدو الحقيقي للبشرية في هذه الأيام، وأنه أفضل بكثير من أطباء تعاملت معهم هنا في هولندا على مدى ثلاثة عقود من ناحية الخبرة والكفاءة وحسن التشخيص.


ولعل من أهم ما يتميز به هو التمهّل في تشخيص الحالة المرضية، وعدم التسرع في إصدار الحكم على المريض أو طبيعة المرض؛ بالإضافة إلى الصدق وهو من أهمّ الأخلاق التي يجب أنّ يتحلى بها الطبيب، ولا يعتمد فقط على إخبار المرضى بطبيعة أمراضهم؛ بل يرتبط بقدرة الطبيب على تشخيص وعلاج المرض، وفي حال لم يكن مُتخصّصاً في نوعيّة المرض يطلب من المريض زيارة الطبيب المتخصّص في مرضه؛ لأنه يكون أكثر قدرةً على تقديم العلاج المناسب له.
هؤلاء هم الذين يجب أن توجه لهم كلمات الشكر والعرفان وأن يشار إليهم في كل مناسبة، أما الطبيب الذي يلعب بالبيضة والحجر، ولا يوجد فرق بينه وبين الساحر والعراف، وبين الذي يقرأ الغيب وكل ما يربطه بالطب والأطباء يكمن في اللباس والمظهر الخارجي من خلال البالطو الأبيض والسماعة.
يجب أن تمتد إليهم يد البتر والتطهير وأن يزالوا من على خارطة الطب، فهم أشد خطرا على البشرية من الكورونا فهؤلاء لن يجدي معهم حجر صحي أو نظرية التباعد لمسافة متر ونصف، ويجب على الدولة أن تقف في وجه هؤلاء فهذا هو المصل الحقيقي والعلاج الفعال، حتى يبقى الطبيب المخلص والواعي والمحترم، فخر أي أمة في هذه الأيام، فما أعظمها من مهنة وما أجملها من رسالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى