دراسة تكشف خطر التحالف التركي الإيراني على الأمن القومي العربي
ناقش قسم العلوم السياسية في جامعة أسيوط رسالة علمية مقدمة من الباحث مصطفى محمد صلاح محمد بعنوان “تطور العلاقات التركية – الإيرانية منذ عام 2011 وتأثيرها على الأمن القومي العربي”، تحت إشراف الأستاذ الدكتور إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أسيوط والأستاذ الدكتور عبدالسلام نوير أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية التجارة جامعة أسيوط، وبمشاركة كل من الأستاذ الدكتور محمد شوقي عبدالعال أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وعميد معهد الاقتصاد والإدارة جامعة 6 أكتوبر، والأستاذ الدكتور علاء عبدالحفيظ أستاذ العلوم السياسية ووكيل شئون البيئة بكلية التجارة جامعة أسيوط.
أكدت الدراسة على أن الاستراتيجيتين التركية والإيرانية تجاه المنطقة العربية تستند على المصالح القومية لكليهما وتدعمهما بالقاعدة الدينية والمذهبية السنية والشيعية وتستثمر في تحقيق أهدافها موقعهما الاستراتيجي بما يعزز نفوذهما الإقليمي.
كما أكدت على أن الدور الإقليمي لكل من تركيا وإيران الحالي والمستقبلي مرهون بالكثير من العوامل الحاكمة لهما وطبيعة الضغوط التي تواجههما، خاصة وأن المتغيرات الإقليمية التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011 ساهمت في تعزيز نفوذهما الإقليمي.
ومن ناحية أخرى نجد أنه برغم اختلاف استراتيجيتهما الإقليمية تجاه المنطقة العربية بيد أن هناك حالة فريدة من العلاقات بينهما مكنتهما من الاتفاق على الكثير من المحددات العامة التي من شأنها تجاوز خلافاتهما، وذلك في ظل الإدراك المتبادل بأن المواجهة المباشرة بينهما ستسبب الكثير من الخسائر لمصالحهما القومية والإقليمية والدولية، أنتهت الدراسة أنهما يتنافسان مثلما يتعاونان وفق شروط موضوعية تحافظ على مصالحهما.
وتوصلت الدراسة بأن العلاقات التركية – الإيرانية بعد عام 2011 كان لها التأثير الكبير على الأمن القومي العربي، من خلال مجموعة من العوامل التي ساهمت في تصاعد تدخلاتهما في المنطقة العربية من أهمها:
1. الخلل في ميزان القوى الإقليمي بعد عام 2011 بين الاهتمام بتوجيه الدول العربية استراتيجيتها نحو الأولويات الداخلية بعد حدوث الثورات العربية وبين أهداف سياستهم الخارجية في مواجهة التدخلات التركية والإيرانية.
2. غياب الاستراتيجية العربية المشتركة الخاصة بحماية الأمن الإقليمي العربي نتيجة ضعف وغياب الإرادة السياسية تجاه بلورة استراتيجية تكاملية بين شعوب المنطقة وصانعي القرار في هذه الدول.
3. إعلاء مبدأ السيادة القطرية على المصالح العربية المشتركة واتجاه بعض الدول العربية إلى تحقيق مصالحها الخاصة التي تتنافى مع متطلبات الأمن الإقليمي العربي، بالإضافة إلى ظهور الكثير من الهويات الفرعية داخل الدول العربية من دينية ومذهبية وعرقية في مواجهة هوية الدول الوطنية.
4. ضعف المؤسسات العربية الرسمية المنوط بها تحقيق الوحدة العربية وصولًا إلى التكامل في توجهات السياسة الخارجية لتحقيق مستويات متقدمة من الأمن الجماعي في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تواجه دول المنطقة، فضلاً عن تعثر إنشاء مجلس السلم والأمن العربي للحد من النزاعات والوقاية من حدوثها والذي من ضمن أهدافه إعداد الاستراتيجيات المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم العربي، وتعزيز جهود السلام من خلال إنشاء قوات حفظ سلام عربية لمواجهة التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمات الداخلية العربية.
5. يعاني النظام الإقليمي العربي حالة من الفوضى الإقليمية نتيجة زيادة الانتشار الكثيف للعديد من الفاعلين دون مستوى الدولة والتي تقوم بتهديد أمن الدول العربية في ظل الارتباطات بينها وبين كل من تركيا وإيران التي تهدف من دعمها إلى تقويض الأنظمة العربية، وأن وجود هذه الجماعات قد ساهم في تعزيز فرص التدخل الإقليمي والدولي في قضايا المنطقة العربية.
6. نتيجة لما سبق شهد النظام الإقليمي العربي ثلاثة أنواع من الحروب وهي الحرب الباردة بين الدول العربية من جانب وكل من تركيا وإيران من جانب آخر، والحروب بالوكالة في بؤر الصراعات العربية، وأخيرًا حروب أهلية داخل النظم العربية ذاتها وهو ما أدى إلى تنامي التأثيرات السلبية على النظام الإقليمي العربي ومؤسساته وتفاعلاته.
وتابعت الدراسة بأن عملية إصلاح النظام الإقليمي العربي لابد وأن تبدأ بإعادة هيكلة العلاقات الإقليمية العربية مع الدول الغير عربية المجاورة جغرافيًا لها وخاصة كل من تركيا وإيران، بالإضافة إلى هيكلة المؤسسات الإقليمية العربية وإعادة النظر في النظام الخاص بها وفق ميثاقها وأهدافها ووكلاتها المتخصصة، ومن خلال ذلك إعداد المبادرات المحركة والمحفزة للتكامل العربي المشترك، وذلك على النحو التالي:
1. وضع خطة خمسية أو عشرية لأولويات العمل العربي المشترك للوصول إلى تسوية للأزمات التي تشهدها المنطقة، والتزام الدول العربية بتنفيذ تعهداتها ووضع نظام مسائلة جماعية.
2. اعتماد مبدأ تحييد المجالات الحيوية للعمل العربي المشترك والنص على ذلك في المواثيق العربية أو في ملحق خاص، أو اتفاقية جديدة تبرمها الدول الأعضاء في إطار الجامعة العربية.
وتأسيسًا على ذلك قدمت الدراسة مجموعة من السيناريوهات المقترحة والمحتملة لمستقبل الأمن الإقليمي العربي وهي:
1. استمرار الوضع العربي الراهن:
يرتكز هذا السيناريو على افتراض استمرار الدول العربية اعتمادها التحرك الفردي كأداة وحيدة في إطار النظام الإقليمي من غير تغيير أو إصلاح جذري لمنظومة العلاقات الجماعية من خلال المؤسسات الإقليمية الجامعة، أو انتهاج بعض السياسات الإصلاحية الجذرية لمنظومة العلاقات الجماعية من خلال المنظومة العربية الحالية، وفي حال حدوث ذلك ووفق المعطيات القائمة ستظل الدول العربية في حاجة مستمرة إلى تلك المؤسسات كمرجعية معنوية وغطاء شرعي للقرارات التي ترغب في استصدارها وبخاصة تجاه أزماتها الداخلية أو في علاقاتها مع الأطراف الخارجية، ومن المحتمل في حال حدوث ذلك أن تستمر حالة ضعف بل وغياب الثقة المتبادلة بين الدول العربية واستمرار تدويل الأزمات العربية لصالح قوى غير عربية، وستظل المؤسسات العربية أداة تعيق العمل العربي المشترك في مواجهة المخاطر الداخلية والخارجية وستظل تعمل وفق الأطر التقليدية رغم تغير الظروف الإقليمية والدولية.
2. بناء أطر إقليمية بديلة:
يرتكز هذا السيناريو على افتراض تشكيل هيئة أو مجلس إقليمي محدود على غرار المجالس الإقليمية المحدودة في أغراضها وأطرافها أو مجلس موسع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ثم ستظل المؤسسات العربية الرسمية قائمة، ولكن بالإضافة لذلك برزت بعض الطروحات المتعلقة بتشكيل هذا النظام الإقليمي الجديد على النحو التالي:
أ) الشرق الأوسط الكبير:
برغم الكثير من الغموض الذي يحيط بالمفهوم والدول المكونة له إلا أنه يظل أحد الطروحات المهمة فيما يتعلق ببلورة رؤية مستقرة لمفهوم الأمن الإقليمي العربي والذي قد يشمل بعض الدول غير العربية مثل تركيا وإيران وإسرائيل ولكن من غير المتوقع على المدى المنظور أن يحظى هذا الطرح بالقبول في ظل الأزمات المتداخلة والتي يشترك فيها الأطراف المكونة له في ظل الصراع العربي – الإسرائيلي، والصراع العربي – التركي، والصراع العربي – الإيراني، إضافة إلى تصارع الإرادات بينهم، ولما يمثله من تناقضات، وفي كل الأحوال فإن الدول العربية ستبقى دائمًا في قلب هذا المفهوم ضاق أو اتسع .
ب) الشرق الأوسط الاستراتيجي:
يتميز هذا النمط بالتحالف ذي الصبغة العسكرية والأمنية وبأهداف تتصل بمكافحة الإرهاب والتطرف ويضم العديد من الدول الإقليمية والدولية، وهناك الكثير من المؤشرات الداعمة لهذا الافتراض كونه لا ينفي أو يعطل مؤسسات النظام العربي الرسمية المتمثلة في الجامعة العربية.
ج) التعاون الكونفيدرالي
يرتكز هذا السيناريو على مجموعة من الافتراضات المتعلقة بوجود مجموعة من المصالح بين بعض النظم العربية والدول المجاورة لها في التعاون تجاه بعض القضايا التي تجمعهم في نفس المصالح والأهداف أو على حسب التكوينات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثل العراق وسوريا وإيران ولبنان وتركيا، وبرغم ذلك فإن احتمالات قيام هذا الافتراض ضعيفة نظرًا للمشاكل الداخلية التي تعاني منها سوريا ولبنان والعراق، إضافة إلى صراع الإرادات بين تركيا وإيران.
د) النظام الإقليمي العربي الشامل:
يرتكز هذا الافتراض على ضرورة البحث عن مدخل واقعي للحوار بين الدول العربية ودول الجوار غير العربية، وخاصة تركيا وإيران، وربما أيضًا إثيوبيا ومن الصيغ المطروحة في هذا الشأن قبول مشاركة تلك الدول بصفة مراقبين في جامعة الدول العربية، وتطوير أشكال من التعاون لتحقيق معدلات مقبولة من الاستقرار الإقليمي وانتهاج سياسات بناء الثقة وإبرام معاهدات للوصول إلى معدلات السلام الإقليمي كما هو الحال لنموذج الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد في منطقة شرق المتوسط.
ه) سيناريو المحاور:
يقوم هذا السيناريو على افتراض قيام بعض الدول العربية بتعزيز وتنسيق التعاون فيما بينهم تجاه مجالات استراتيجية محددة، دون انتظار باقي الأعضاء، ويبدو أن هذا السيناريو قابل للتطبيق في ظل الاختلافات الجذرية بين التوجهات الخارجية العربية في الوقت الراهن، ولعل هذا النموذج من التعاون ظهرت بوادره في المحور السعودي – الإماراتي – المصري، ولا يعني تفعيل هذا السيناريو غلق المجال مستقبلًا أمام الدول العربية للانضمام إليه، بل إن هدفه هو المبادرة إلى تحقيق التعاون والتنسيق وربما التكامل أيضًا بين دول تمتلك رؤية استراتيجية مشتركة وترغب في زيادة هذا النمط كنواة للعمل الجمعي العربي.
استنادًا إلى ما جاء في الاستنتاجات ولتجنب تأثير دور كل من تركيا وإيران الإقليميين تجاه المنطقة العربية، فقد أوصت الدراسة بالآتي:
1) تكثيف الأداء الإعلامي الموجه إلى الوطن العربي وخارجه لتوضيح وتفسير السياسة التركية والإيرانية تجاه المنطقة العربية وإبراز الدور الفعلي للدول العربية في مجابهة والحد من تلك الممارسات.
2) بلورة استراتيجية عربية إعلامية موحدة للتعامل مع التدخلات التركية والإيرانية بحيث لا تقتصر هذه الاستراتيجية على مجرد توضيح بعض الممارسات ولكن تقديم رؤية شاملة لحقيقة هذه التدخلات.
3) إنشاء مركز إعلامي يعمل على تزويد كافة وسائل الإعلام بالمعلومات المستجدة حول تطور الأوضاع الداخلية والخارجية التركية والإيرانية استنادًا إلى الدراسات والبحوث العلمية التي توضح الصورة الحالية والمستقبلية.
4) إنتاج الأعمال الفنية والإصدارات المكتوبة المتعلقة بتوفير المعلومات حول الدور التركي والإيراني، ومواجهة أدوات القوة الناعمة التركية والإيرانية.
5) تقترح الدراسة تشكيل هيئة عربية مستقلة تشرف على تنفيذ أهداف العمل العربي المشترك بصفة دورية بحيث توضح الهيئة أولويات العمل ومراقبة تنفيذه وفق وثيقة أو اتفاقية جماعية تحدد مجالات العمل لكل دولة وتقييمه وفق الاستراتيجية العربية الشاملة، مع استحداث لجنة تستهدف تقييم أسباب تهديد الأمن الإقليمي العربي التقليدية وغير التقليدية.
6) تحقيق التعاون والتكامل العربي في موضوعات التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
7) تقديم الندوات والنقاشات المجتمعية للتعريف بطبيعة الدور التركي والإيراني وما لهذه الأدوار من تأثيرات سلبية على مستقبل الأمن الإقليمي العربي، وتكوين الشراكات مع منظمات المجتمع المدني على مستوى الدول العربية مجتمعة.
8) تطوير المناهج التعليمية بما يتناسب مع التطورات التي تشهدها المنطقة العربية من وجهة النظر العربية، وفي هذا الإطار يمكن توحيد بعض المواد الدراسية في مراحل التعليم المختلفة لتعزيز المعرفة الفعلية منذ بداية العملية التعليمية وتعزيز قيم المواطنة.
9) المتابعة الدورية لكافة المنتجات الثقافية والإعلامية التركية والإيرانية والحد من تأثيرها على المجتمعات العربية، وتحديد سبل مواجهتها، إضافة إلى رصد التحركات التركية والإيرانية الناعمة في اختراق الدول العربية عبر الكثير من الأدوات.
10) ضرورة صياغة استراتيجية عربية للتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية وفق الاعتبارات الخاصة بالمصالح العليا للدول العربية وذلك عبر تكثيف جهود التعاون والتنسيق في المحافل الدولية والإقليمية