مقالات وآراء

الجزائر التي نحبها

كتب : أيمن عطية

مع الحديث الدائر في الجزائر عن جيل جديد من السياسيين يزداد عددًا وتأثيرًا، ويأتي عبر صندوق الاقتراع، يصبح لزامًا أن يعرف الخلف ما كان وما هو في الوجدان منذ السلف، بشأن علاقات اثنين من كبار عرب أفريقيا والأمة العربية ككل، مصر والجزائر. 

وإذا كان الجيل الجديد في البلدين لا يعرف ما يكفي من صفحات كتاب التاريخ أكثر صفحاته البيضاء التي تجمع الشعبين فإن كان لديه شيء من المعرفة يصبح أمام فريضة البوح والإبلاغ به، لا من أجل مصلحة عابرة، أو جوانب مادية يسهل أن يجد كل منهما بديلا لها عند أطراف أخرى، وإنما من أجل الإنصاف التاريخي ذاته، واحترامًا لدماء أجداد اختلطت معًا في صحراء الجزائر، ورمال سيناء.

 
 وهذه الحقيقة وحدها كفيلة بأن تفرض على الجميع مسئولية التعريف ببعض من صفحات يصعب أن يقبل بالمساس بها مصري مخلص لمصريته أو جزائري وفي لجزائريته.
 
وصل الأمر يومًا في علاقة شعبي مصر والجزائر إلى رفض قائد ميداني بجيش التحرير الجزائري إلا أن يقوم مع رجاله بعملية عسكرية ضد القوات الفرنسية، لمجرد أن إذاعة صوت العرب من القاهرة قد أوردت نبأ يفيد بوقوع عملية عسكرية في المنطقة التي تقع بنطاق اختصاصه، وأطلقت قيادة الثورة الجزائرية على هذا القائد العقيد صوت العرب، هذه الرواية يعرفها البعض وقد رواها كثيرون من قيادات الثورة الجزائرية ومنهم المجاهد الجزائري الكبير سي لخضر بورقعه (رحمه الله) الذي كان قائداً في الولاية الرابعة لجيش التحرير الوطني الجزائري، كما رواها من الجانب المصري الإذاعي الراحل أحمد سعيد، ولم يكن ما فعله الجنرال صوت العرب إلا نتاجا وتقديرا لما كان لمصر من دور ومكانة لدى الجزائريين، ولما كان لصوت العرب من موقع كلسان حال معبر عن ثورتهم.
 
صفحة ثانية يصعب تجاوزها واستمعت إليها بشكل مباشر الإذاعي الراحل أحمد سعيد في منزله بحي الزمالك، خلاصتها أنه استقبل جزائريا اسمه مزياني مسعود وأنه استضافه في بيته دون أن يعرف عنه سوى أنه شاب من بلد شقيق قدم له ما يفيد بحراك ثوري يستحق أن تكون صوت العرب صوتا له، دون كثير تفاصيل تبين لاحقا أن هذا الشاب الذي بدا رقيق الحال، هو الزعيم أحمد بن بيلا، الذي بقي وفيا لمصر وللزعيم جمال عبدالناصر ولصوت العرب حتى نهاية عمره.صفحة ثالثة مع الجزائر التي نحبها كانت بين الرئيسين أنور السادات وهواري بومدين وكانت خلال حرب أكتوبر المجيدة، حين أبلغ الثاني الأول بأن إمكانيات بلاده تحت تصرف مصر، وذهب إلى موسكو فاتحا حسابا بنكيا وواضعا شيكا على بياض ورافضًا المغادرة قبل أن تصل الأسلحة التي طلبتها مصر من السوفيت حينها وكانوا يماطلون في الاستجابة بشأنها. 
 
نقلب معا صفحات تاريخ علاقات مصر والجزائر وصولا إلى يوم أن اختارها الرئيس عبدالفتاح السيسي لتكون أول محطة في أول جولة خارجية له بعد توليه مسئولية قيادة البلاد عام ألفين وأربعة عشر، وقطعًا ما كان هذا من قبيل المصادفة. 
 
اليوم والجزائر تخطو خطوات جديدة نحو التغيير بانتخابها مجلسًا شعبيًا وطنيًا جديدًا، ويوضع لبنة في بناء سياسي جديد، رأينا في مثل هذا التذكير ضرورة، فإذا كان منا من هو على علم به فربما هي فرصة لاستعادة ما يحق التذكر الآن، أما لمن لم يكن على علم بها أو بجوانب منها، فإننا أمام فرصة لوضعه أمام أصل الأمور، والتي يلقى كل ما دونها مجرد عوارض لا تستحق الذكر أو حتى الوقوف عندها، ويبقى المؤكد تاريخيا وحاضرا، أنه متى الموقف جادًا فإن من حقهم علينا ألا يتوقعوا منا إلا كل خير، مثلما نحن لا نتوقع من أهلنا هناك متى كنا في موقف جاد إلا كل ما هو خير.
 
وهذه هي الجزائر التي نحبها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى