المنظمة العربية

الرِّيف المصرى.. رؤية جديدة

د. أماني فؤاد
فى ظِل مشروع مصر الأهم بتطوير الرِّيف المصري على مستويات البنية التحتية والسكن، وتطوير البيئة المحيطة بمواطني القرى، وتوفير الخدمات الرئيسة من تعليم وصحة، وتنمية الفرص الاقتصادية بما يتسق مع طبيعة كل قرية؛ أقترح أن تقوم وزارَتَا الشباب والرياضة، والثقافة بتطوير استراتيجية عملهما وتوسيعها؛ لتواكب مبادرة تطوير الرِّيف؛ وذلك من خلال مجموعة من الفعاليات تبدأ بدمج الشباب من خلال أكبر قاعدة انتشار فى الجمهورية 4264 مركزا، وأكثر من 600 قصر ثقافة، وتحويل تلك المراكز والقصور إلى ما يشبه جمعيات المجتمع المدني (مراكز لخدمة المجتمع)؛ فتحفز شباب كل قرية ومدينة على المشاركة في تخطيط قُراهم وتطويرها وتجميلها بزراعة شوارعها، وطلاء مبانيها الصالحة، وتقديم خدمات تعليمية للقضاء على أمية الكبار ممن تعدَّوا سِن الالتحاق بالمدارس، وتقديم الخِدمات التوعوية، وحثِّهم على ابتكار وسائل إقناع غير تقليدية لمواجهة قضية الانفجار السكاني، وتوعية المرأة ومحو أميتها، ومواجهة ثقافة الخرافة، وهو ما يصب في خدمة أهداف مصر التنموية للرِّيف، ويُشعر الشباب – فى الوقت ذاته – بانتمائه للمكان والوطن، ويجعله حريصًا على تطويره المستمر، فكل نشاط يمارسه الفرد في الوطن يرسِّخ ولاءً له.
ماذا لو استثمرت الوزارات – التي تقوم بعملية التطوير والتنمية – الشباب والمبدعين في المجالات المختلفة بمكافآت رمزية، وحفزتهم للعمل تحت إشراف المتخصصين، أو إشراف مهندسي الهيئة الهندسية بالجيش، وهيئة الشؤون المعنوية، أو تحت إشراف مهندسي الأحياء في كل محافظة؟!؛ وقتها سيشعر الشباب أنهم جنود التطوير والتنوير، فكل من يبنى لا يمكن أن يلقى قنبلة ليهدم ما شيَّده.
كما يمكن إعداد حملات ثقافية من المتخصصين لتغطى برنامجًا سنويًا تفعَّل فيه كلُّ أشكال التواصل الثقافي بطرق غير تقليدية، تساهم فيه النُّخَب المصرية الثقافية بكل تخصصاتها، كما يساهم فيه الشباب، شريطة أن نشعره بالثقة في قدراته؛ وهو ما يحقق نتائج مبهرة حال حدوثه، فمن خلال عروض حية تجسِّد ألوان الفنون: الشِّعر والموسيقى والرقص الإيقاعي والفنون التشكيلية، وندوات وحوارات مفتوحة لسماعهم ومناقشة القضايا التي تشغلهم، والنزول للناس في الجامعات والميادين والساحات والمولات، وكسْر حاجز الانقطاع، وطَىّ الهُوَّة القائمة منذ فترة بين المثقفين والجماهير بطرْح موضوعات حيوية تعيد انتماء المصري لثقافته المعتدلة، وتعيد هُوَّيَّته السمحة المتقبِّلة للآخَر، المثمِّنة للفنون، المربية للذائقة، والمطوِّرة لها.
توفير ميزانيات لإقامة الأنشطة الثقافية والفنية سيدفع بدماء شابة جديدة مبدعة من أقاليم ومحافظات مصر كلها، كوادر فنية تُزهر المسرح الجاد مرَّة أخرى، والموسيقى وفنون التشكيل والأنواع الأدبية، كما يمكن إعادة تأهيل وتدريب العاملين بمراكز الشباب وقصور الثقافة؛ لإعادة تشغيل المسارح ودور السينما، أو بناء مسرح وسينما في المدن التي يحيطها عدد من القرى؛ لتخدم مواطنيها والقرى الصغيرة من حولها.
كما يمكن أن تتم إقامة معارض للفنون التشكيلية بطرق مبتكرة في قصور الثقافة ومراكز الشباب، يتم فيها تجسيد بعض اللوحات الموجودة بالمعرض، فتمثل وتحاكى الصراع الذى تتضمنه من خلال الشباب؛ لتزيد شغف المتلقين.
لقد تم تغييب التاريخ المصري من المقررات الدراسية طويلا؛ فماذا لو أن الشباب الموهوب جسَّد تمثيلا بعض اللوحات من هذا التاريخ في ساحات الميادين أو الملاعب التي تمتلكها مراكز الشباب والرياضة، أو في قصور الثقافة التى تحوى أماكن عرْض، فانتقينا لحظات توتُّر وتحولات حقيقية منه منذ بداية التاريخ الفرعوني مرورًا بمراحل الحضارات المصرية بطرُق فنية بسيطة، ثم استكملنا هذه اللوحات التي تُجسَّد بشباب الممثلين الموجودين بكل محافظات مصر بالحكي الموقَّع المصاحب للموسيقى، واستعنا بشباب الموهوبين من كل محافظة؟!؛ هذا المنهج سيدعم المواهب فى الأقاليم والمحافظات، ولن يتكلف موازنات مالية ضخمة، كما سيقضى على مركزية صناعة الفنون وعرْضها في العاصمة والمدن الكبرى فقط بمصر.
ويمكن أيضا – بالتبادل مع عروض المَشاهِد التاريخية – أن نؤلِّف مشاهد مسرحية تجسِّد الحلم، وماذا نريد للمستقبل، بعض المظاهر التي ننتقدها وكيف نأمل أن تكون؛ وهو ما يُطلِق خيال الشباب ويجعله يبدع أحلامه، حيث بداية الحقيقة خيال حالم بواقع أفضل.
كما تراعَى فى الاستراتيجية إعادة تدريب أصحاب الحِرَف اليدوية على الصناعات الزخرفية والتراثية الفلكلورية. ويمكن – لإعادة إحياء هذه الحِرَف وبعْث قيمتها الجمالية – أن نستعين بنماذج من هؤلاء الصناع، يشتغلون بالفعل أمام الجمهور؛ وهو ما يقرِّب هذه الفنون من الناس، ويجعلهم يتمثلونها، ويمكن أن تمثل بعض المشروعات الصغيرة التي تطوِّر دخْل الأفراد.
يستهدف مشروع النهضة الثقافية – من خلال مراكز الشباب والرياضة وقصور الثقافة أيضا – إقامة حفلات موسيقية على نطاق فِرَق محدودة العدد فى الأماكن المتاحة من الميادين أو مراكز الشباب، أو قصور الثقافة، وفيها نعيد بعْث أغانينا الراقية، مستعينين بمواهب كل محافظة من الأصوات الجيدة، لنحارب الرداءة والإسفاف في الألحان والكلمات بإعادة كلاسيكيات الأغنيات المصرية الراقية، الكلمة واللحن والأداء، إلى أن نعيد تربية الذوق، وتعتاد الأذن الرقى والفن غير المبتذل المخاطِب لغرائز الإنسان فقط، المتضمن لإيحاءات لفظية غير مهذبة.
ماذا لو أصدرت كل محافظة قرارًا بالتخلص من المهملات المكدسة والمخزنة أعلى أسطح البيوت والمصالح العامة في القرى والمدن، على أن يشمل القرار طلاء هذه الأسطح والمباني وتنظيفها وتشجيرها؟!، من شأن هذا القرار لو صدر أن يُدِرَّ رِبْحًا من خلال بيْع كل هذه المخلفات المهمَلة، بالإضافة إلى العائد من التشجير وزراعة الخضراوات، التي يحتاجها أفراد كل منزل، كما من شأنه أيضا تنقية الهواء والأجواء المحيطة بالبَشر. تجميل أسطح المباني يخلصنا من كراكيب تصيب المكان بالقبح وعدم النظام والنظافة.
توسيع أنشطة مراكز الشباب والرياضة وقصور الثقافة واشتغالها على خدمة المجتمع الريفي ثقافيًّا وتوعويًّا سيعمل على إلغاء اغتراب الشباب عن وطنه، وسيدفعهم إلى الشعور بمشاكله، وإيجاد حلول لها؛ وهو ما سيؤسِّس لإعادة الانتماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى