مقالات وآراء
اللغة العربية حياة وهُويَّة..
د. أماني فؤاد
حرصًا على اللغة العربية، ودعمًا لتعزيز حضورها، وألَّا تُصبح مهجورة بين أهلها، أو يشعر أطفالها وشبابها بصعوبتها وجمودها، فيتركونها – للُغات أخرى لا تجسِّد هُوَيَّتَهم – بكل عناصرها التاريخية والمعاصرة، عَقَدَ «مركز أبوظبى للُّغة العربية» بالقاهرة – برئاسة د. على بن تميم، وحضور د. صلاح فضل، رئيس المجمع اللغوى المصرى، وعدد كبير من المتخصصين والعلماء والإعلاميين المصريين والإماراتيين والعرب – النسخةَ الثانية من «الخلوة الثقافية للُّغة العربية»، ضمن أنشطة مركز أبوظبى الثقافية والتعليمية المتعددة، سعيًا لازدهار العربية، وإثراء محتواها، وبحْث كيفية دعْم تواجُدها الناصع فى مجالات متعددة، تناقَش أعضاء طاولات الخلوة – التى انقسمت إلى سِتِّ مجموعات من المتخصصين فى مجالاتهم – فى عصْف ذِهنى للخروج بتوصياتهم، حيث أُعِدت المَحاوِر على النحو التالى: اللغة العربية على جناح الإبداع والفنون، العربية فى التعليم، العربية فى المحتوى والنشر، العربية والبحث العلمى والمستقبل، العربية فى الخطاب الإعلامى التقليدى والجديد، وكانت الحلقة السادسة بعنوان إرث عميد الأدب العربى.
ومنذ تمَّ اختيارى للمشاركة فى حلقة «اللغة العربية فى التعليم»، دوَّنتُ مجموعة من المقترَحات والتوصيات، التى أعتقد أنها تسهم فى عودة العربية حيويةً، مقدَّرة بين أهلها والناطقين بها:
– أقترِح إنشاء صندوق عربى لرعاية اللغة العربية، باعتبارها أول عناصر الهُوَيَّة وأهمها، بحيث ينفتح على التبرعات من كل الدول العربية، لرعاية اللغة فى التعليم، وغيره من مَحاوِر، وخِدمتها على أصعدة مختلفة: رقمنتها، ومَدِّها بأحدث الوسائل التعليمية: بداية من الكتب ذات المحتوى المميَّز، واقتراح نصوص أدبية بالفصحى الميسَّرة، تقدّم فى فنون المسرح، والسينما، وإعداد مواد فيلمية وثائقية مشوِّقة بالعربية، وأفلام كرتون فى إطار الثقافة العربية، على أن تنتَج بالفصحى الميسَّرة، وإعداد برامج ميسِّرة للقواعد، تتخفَّف من الشاذِّ والمتروك، لتعليم العربية للناطقين بها، وبرامج أكثر مرونة لغير الناطقين بها، وتطوير تلك البرامج بكل الوسائل التقنية الحديثة، وأن تشرِف مجامع اللغة العربية على هذه الإعدادات ومحتواها ضمن فعاليات مؤتمرها السنوى.
– يكون من مَهام هذا الصندوق العربى دعْمُ مدرِّسى اللغة العربية، وزيادة مرتباتهم، واستكمال دراساتهم لشهادة الماجستير والدكتوراة، وإرسالهم فى بعثات لدراسات منفتِحة على اللغات الأخرى، والعلوم الإنسانية، لتلقِّى تأهيل عِلمى وثقافى يستهدف فتْح آفاقهم الذِّهنية المعرفية والثقافية.
كما يتعيَّن الحِرص على أن يجسَّد ويصوَّر مدرِّس اللغة العربية – فى الدراما: سينما وتليفزيون – على نحو إنسانى لائق، يوضِّح دورَه الرفيع، فهو من يقوم بمَهمَّة جليلة وفارهة المقاصد، تختلف عن مَهمَّة باقى المدرِّسين فى المواد الأخرى، فمدرِّس العربية – بجانب تدريسه لموضوعاتها – يدرِّس الحياة، ويعرض لها، لأن اللغة فى حقيقة الأمْر هى الحاضنة، التى بداخلها نصوغ أفكارنا ومشاعرنا، نفكر ونتذوق الحياة، فمدرِّس العربية يسهم فى صميم التكوين العقلى والوجدانى للطالب.
ولذا يتعيَّن التأهيل والإعداد الجيد لطلبة اللغة العربية فى المرحلة الجامعية، وإعادة التأهيل للمدرِّسين الموجودين بالمدارس بالفعل، فى مراحل التعليم كافة، وسبق أن أعددتُ ورقة – يمكن البناء عليها – لمقترحات حول كيفية إعادة التأهيل الثقافى للمدرِّسين العاملين بالفِعل.
كما يمكن إنشاء مجلس قومى عربى، لوضْع استراتيجية شاملة لكيفية النهوض باللغة العربية الفصحى فى التعليم وكل المَحاوِر الأخرى، على أن يتضمَّن هذا المجلسُ شخصياتٍ متعدِّدةَ التخصُّصات، فى الأدب واللغة والفنون والعلوم الإنسانية والعلمية التجريبية، وحبذا لو حظيت مقترحاتهم بدعْم مباشر، ورعاية من القيادات السياسية والحكام، لتُصبح موضِعَ التنفيذ.
– إعادة النظر فى استراتيجيات طرُق التعليم للُّغة العربية وتطويرها، مع مراعاة طرُق تعليم اللغات الأخرى فى البلدان الأجنبية، فلقد أثبتت التجارب والدراسات لعِلم نفْس التعليم أن تعليم اللغات – ومنها العربية – يكون أيسرَ لو أنه بدأ بقراءة القصص المشوِّقة للأطفال بالفصحى الميسَّرة، منذ مرحلة رياض الأطفال وأول سنوات الدراسة، أى أن الطفل سينجذب لها، ولن ينفُر منها، لو أنه تعلَّمها، وارتبط بها من خلال حكايات وموضوعات يحبها، تداعِب مخيِّلَتَه، وتجيب عن بعض أسئلته.
ولذا أقترحُ تكوين لجنة متخصِّصة لإعداد كتاب يتضمَّن قصص أطفال كلاسيكية وحديثة، يُقرأ منها للأطفال فى سنواتهم الأولى من التعليم، إلى أن يتمكَّنوا من القراءة بأنفسهم. وتشجيع القراءة خارج المقرَّرات الدراسية، وإقامة المسابقات، وتحديد بعض الجوائز، وكنت اقترحت – منذ سنوات – تشكيل لجنة من وزارة الثقافة من المبدعين والنقاد، وإعداد كتاب يتضمن نماذج حيوية وشيِّقة من أفضل إبداعات كُتَّاب الأدب فى الثقافة العربية المعاصرة، وأن نبتعد – فى السنوات الأولى من التعليم – عن النماذج الأدبية التى تتضمن صعوبة فى المفردات، ويتبدى فيها اختلاف الحياة فى مراحل تاريخية بعيدة مضَت، على أن تُترك دراسة هذه المراحل التاريخية لسنوات الدراسة الأعلى.
– التركيز على العربية فى السنوات الأولى، وليس تَرْكها تمامًا، أو تهميشها، كما يحدث فى بعض المدارس الدولية، ولقد أثبت الباحثون أنَّ تعلُم أكثر من لغة أمرٌ يسهُل على الطلبة منذ مراحل التعليم الابتدائى، كما يتعيَّن تحفيز الأُسر على العناية بالعربية، وألَّا يتركوا تربية أطفالهم للخَدَم، الذين يتحدثون غير العربية، وإرشادهم إلى الحرص على الحديث والحوار بالعربية، وتعظيم شأنها، وليس الإقلال منها، وتكرار أنها ليست اللغة المطلوبة فى سوق العمل والوظائف.
على مقرراتنا أن تستهدف تعليمًا يغيِّر البنية الثقافية العميقة والوعى الجمعى، والعادات والتقاليد الاجتماعية، وشمولية النظرة للمرأة، وأن تكون العربية هى المعبِّرة والمحفِّزة على إثارة مشاكلنا، والبحث عن حلول لها، أعنى أن تكون هى طريقة تفكيرنا الإيجابى والموضوعى فى الحياة، وليست مجرد مجموعة محفوظات وألعاب بلاغية.
كما يتعيَّن إدراك أن لكل بلد بيئاتٍ وطبقات مختلِفةً، فلكل فئة – من الشرائح التى تتلقَّى التعليم – احتياجاتٌ، كما تختلف البلاد العربية من حيث طبيعة المشكلات التى تواجِه اللغة العربية، تختلف مشاكل العربية فى السودان عن الإمارات، وفى مصر عن الجزائر وهكذا، لذا يجب أن تَتَّسِم طريقة المعالجات بالمرونة، ومراعاة مشاكل كل بلد عربى على حِدَة.
كما لا يمكن أن نشتغل على محور اللغة العربية فى التعليم بمفرده، دون أن نشتغل على المَحاوِر الأخرى التى تسهم فى تنمية اللغة التى نملكها، كما كان القدماء يملكونها، أى علينا إيجاد الحلول الناجعة، لتظَلَّ لُغتنا حيويةً، لُغة للمعارف والعلوم الطبيعية والإنسانية، لُغة تواكِب العصر، ولا يشعر الناطقون بها بصعوبتها، إنه أمْر يخصُّنا، ولا ينبغى التخوُّف منه.
يرتبط الإنسان بالموجودات التى تعبِّر عنه، وتلبِّى احتياجاتِه الوجدانيةَ والمعرفية، لا الأشياء المحنَّطة الجامدة، واللغة هى أول تلك الموجودات.