ألمانيا تستنفر لسد العجز في عدد أطباء الأسرة في الريف

يتناقص باستمرار عدد الأطباء الراغبين بالعمل في المناطق الريفية في ألمانيا، وهو ما يؤثر على الرعاية الطبية هناك. كيف تخطط الدولة لسد هذه الثغرة في النظام الصحي الألماني المعروف بجودته وكفاءته؟
“بالنسبة لوالدي كان العمل بالعيادة أكثر من مجرد مهنة وباباً لكسب الرزق”، يقول شتفان ليشتينغهاغن. بقي والده يعمل في عيادته لمدة 32 عاماً في بلدة “مارين هايده” التي يبلغ عدد سكانها 14 ألف نسمة وتبعد 50 كيلومتراً شمال مدينة كولونيا.
قبل نحو عشرين عاماً حين كان والد شتفان يبحث عن طبيب يحل محله في العيادة، قرر شتفان أن يستلم عيادة والده، رغم أنه مختص بالأمراض الداخلية والجهاز الهضمي، وكانت لديه مخططات أخرى فيما يخص مسيرته الطبية.
“كان والدي يعمل من الصباح إلى المساء. كنت أراه قليلاً، ولم أكن أتصور أنني سأمارس هكذا مهنة (الطب). لكن الآن أعمل تقريباً مثلما كان يعمل أبي تماماً” يقول شتفان.
العمل لمدة 50 ساعة في الأسبوع!
في الصباح اكتشف الطبيب شتفان التهاباً في الزائدة لدى مريضة شابة (20 عاماً) أرسلها طبيب الطوارئ إليه بعدما شخص لديها التهاباً في المثانة. وعالج صديقاً من أيام الطفولة يشكو من مشاكل في الجهاز التنفسي.
من خلال معالجته 3300 مريض كل ثلاثة أشهر، يعمل بما لا يقل عن 50 ساعة في الأسبوع. لكن رغم التعب والإرهاق، فإنه ليس نادماً على قراره واختياره هذه المهنة والعمل في عيادة والده. لأنه وقبل كل شيء يعرف علل مرضاه وسير مرضهم عن ظهر قلب، وهكذا يعود الكثير من المرضى إليه حينما يشكون من شيء ما.

نقص في أطباء الأسرة
يدير شتفان العيادة منذ عام 2005 مع زميلة له، ويقول لو أنه لم يبدأ من عيادة والده ربما ما استطاع البدء بمفرده. وعدد الأطباء الشباب الذين يجرؤون اليوم على اتخاذ خطوة شتفان في تراجع مستمر، وحتى عام 2035 سيكون هناك نقص في عدد أطباء الأسرة في ألمانيا بواقع 11 ألف طبيب، حسب دراسة لمعهد روبرت بوش.
وسيكون لذلك عواقب وخيمة: حيث ستصل نسبة نقص أطباء الأسرة في المقاطعات (المناطق الريفية) إلى 40 بالمائة. والخط البياني للنفص في صعود، حيث أن ثلث أطباء الأسرة تجاوزوا الستين من العمر وقريبون من سن التقاعد! والآن يعالج شتفان مرضى يأتونه من مسافة تبعد 25 كيلومتراً من العيادة، ولا يستطيع هو وفريق عيادته استقبال المزيد من المرضى الجدد. ويوضح قائلاً: “لدينا كل يوم حوالي 5 مرضى جدد يريدون القدوم إلينا، لكننا نرفض استقبالهم، فلا نقبل استقبال حتى زوج أو أطفال مرضانا”.
دعم بملايين اليورهات
ألمانيا المعروفة بنظامها الصحي والرعاية التي تقدمها للمواطنين مهددة بأن تعاني من أزمة بسبب النقص الكبير في عدد الأطباء. لذلك تحاول الحكومة يائسة تفادي ذلك وحتى بتوفير مغريات مالية لجذب الأطباء للعمل في المناطق الريفية. وطالب وزير الصحة كارل لاوترباخ بتوفير 5 آلاف مقعد إضافي في كليات الطب بالجامعات الألمانية.
وقد خصصت وزارة الصحة 23 مليون يورو لدعم المشاريع التي تسعى إلى سد النقص في عدد الأطباء في المناطق الريفية. وينص اتفاق تشكيل الائتلاف الحكومي على تقصير فترة الانتظار للحصول على موعد لدى الطبيب وخاصة بالنسبة للأطفال والشبان وفي المناطق الريفية. وتدرس وزارة الصحة مع الجهات المعنية كيفية تحقيق هذا الهدف.