التعليم الألكتروني ما قبل كورونا وما بعده— ألواح سومرية معاصرة

مقتبس: “لقد خاض تحديث التعليم معارك شرسة ضد العقلية المحافظة المتزمتة، وهو اليوم يجابه معارك استثنائية أخرى تظل بحاجة لقرار شجاع ينسجم والمتغيرات التي فرضتها كورونا. لعل خير إجابة حاسمة لها، سنجدها في التعليم الألكتروني، فهل نتخذ القرار؟”..
لا مجال هنا لقراءات ضيقة الأفق ولا لولوج ميدان اتّجر به (بعضهم) ولكننا نتحدث عن فلسفة نظمنا المجتمعية وانعكاسها بنظامنا التعليمي وتحديثه توكيداً لمنطق الانتماء إلى العصر أو استسلامنا للخروج منه! ولكننا بجميع الأحوال نحن التنويريين سنواصل كفاحنا من أجل تلبية الهدف الأسمى في اختيار التعليم الألكتروني ليس لمجرد الاضطرار ولكن لتطابق بين الغاية والوسيلة في جهودنا حيث اشتغال الطاقة الإنسانية اشتغالا منتجاً بعيداً عن التلقين والسلبية التي فرضت وتفرض استلاب الشخصية ففي عصر الحداثة الذي قرّبته كورونا وأزمتها العالمية سيكون علينا تفهم تبني قرار جمعي ملزم وحتمي في خيار التعليم الألكتروني فلسفة ومنهجا فمرحى بالرواد ممن عملنا معهم سويا ومرحى بمن التحق بالخيار ومرحى بمنطق تأمين المسار بعيدا عن الاتجار
مدخل أولي في تحديث التناول والمعالجة:
مازال مجتمعُ التعليم بعامة، بعيداً عن الاستقرار على تعريفات جامدة أو متوقفة عن المتغيرات ومستقرة على مفردات توصيف وقوالب متكلّسة لمناهجه ومحاور نُظُمه التعليمية بخاصة منها الجديدة.. وإذا كانت حداثة التعامل مع النُظُم الجديدة ومن ثمَّ عدم توافر الخبرات المطلوبة لاستكمال شروط التعريف الدقيق، سبباً موضوعياً لعدم الاستقرار إياه فإنّه يبقى الدافع لاقتراب (تدريجي حذر) من التعريف، للتأكد من السمات الجوهرية للنظام، مثلما جرى ويجري مع أيّ نظام وإشكالية علمية جديدة، فإذا كان ذلك (الحذر) صائباً فإنَّ أموراً أخرى قد ضغطت باتجاه إثارة الالتباس مرة والضبابية في أخرى وذلك بخلفيات إدلاء بعضهم برؤاهم وهم بعيدون عن التجربة الفعلية أو أنهم فعلوا ذلك وهم لا يدركون الحقائق بدقة علمية أو ربما بمنحى (آخر) تقصَّدوا إثارة معلومات مشوشة بقصد التضليل والوقوف بوجه النُظُم التعليمية الحديثة انطلاقاً من مواقف مؤدلجة مسبقة مخصوصة بهم..
لقد حاول نظام التعليم التقليدي وحُماته فرض منطق عمله بأسس تتمسك بـ(نهج قديم) يستجيب والهوية (المحافظة) لإداراته، في محاولة ضمنية لإدامة العمل التقليدي بلوائحه ومفردات إنجازه بما يجمّد المناهج والمقررات وآليات اشتغالها، بصورة ((ماضوية الفكر والمنهج)) وهو المستهدَف عندهم؛ محاولين بذلك دحر حركة التجديد والتحديث ووأدها في مهدها. فاستغلوا دائماً سطوة وجودهم على رأس الإدارات من جهة وشيوع نهجهم واستسهال العمل به في ظروف معروفة.. وكان من أبرز النتائج تنحِّي التعليم الألكتروني بوصفه منظومة تحديث متكاملة لصالح حالات الجمود والتخلف ولا نقول فقط طابع الروح المحافظ فقط..
إنّ ذلك يدفعنا لعمل على وضع بعض تعريفات اصطلاحية نريد بها من جهة، إبعاد الفهم المغلوط للنهج الجديد ومن جهة أخرى، للتمكن من إطلاق حوار موضوعي بشأن التحديث وفعالياته في الإطار التعليمي برمته.
وعليه وباختصار يمكننا أن نثبِّتَ هنا بعض مقترحات للمتابعة في التناول، في تعريفات لمصطلحات أصبحت تكوينية بين نُظُم التعليم وتعززت يبُل وجودها واستثمارها، في ظروف الأزمة العالمية الجارية بالإشارة لأزمة كورونا ونهج الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي المفروض وما منحه من فتح حوارات جديدة وقبول بالتعليم الألكتروني ومجمل نظام التعليم عن بُعد…
أما تلك المصطلحات فهي كالآتي: التعليم الألكتروني(E-Learning)، التعليم عن بُعد(The Distance Learning)، التعليم عبر الأنترنت(Online Learning)، التعليم المفتوح(Open learning)، التعليم المدمج(Blended Learning)…
التعليم الإلكتروني في ضوء قراءات موجزة لنظم التعليم الأخرى؟
أما التعليم الإلكتروني (E-Learning)، فهو نظام من نظم التعليم التي تتخذ منهجاً ينتمي للمتغيرات الأحدث في بيئة الإنسان المعاصرة ووسائل نقل المعرفة بين الأجيال. انطلق بدءاً من مرحلة دعم نظم التعليم التقليدية أو التعليم المنتظم بمبانٍ وفضاءات أو أبنية مخصوصة.. واستطاع كسر نهج التلقين والكتاتيبية الملائية لينتقل به إلى نهج خلَّاق مبدع يقوم على التفاعلات المفتوحة والاستناد إلى نهج تنمية المهارات والخبرات في تشكيل العقل المتعلّم…
إنَّ التعليم الإلكتروني يجمع أشكال التعليم والتعلّم الإلكترونية كافة، باعتماد أجهزة الكومبيوتر ووسائط التخزين وشبكاتها بانفتاح جسورها على كل أشكال التحديث في التكنولوجيا، مستمرة التغير. على أنَّ هذا النظام التعليمي اشترط تفعيلا مبدئياً جوهرياً للتحول بالمتعلِّم من مجرد خزان معلوماتي للحفظ والتلقين إلى ترسيخ التعليم الفردي المستقل أو الذاتي حيث قدرات الفعل والإدارك والتفاعل على وفق القدرة أو الطاقة الفردية ومن ثمّ بحدود الخبرات والمهارات وإمكانات تجاوز العقبات…
و تضم تطبيقات التعليم الإلكتروني وسائل وأدوات منها: التعلم عبر الوب (Web) والتعلّم بالكومبيوتر حيث غرف افتراضية للتعليم والتدريس تقابل الفصول الدراسية من حيث الشكل للتعليم التقليدي المنتظم.. كما يستفيد هذا النظام التعليمي من شبكة الإنترنت في تبادل محتويات الدروس سواء الأشرطة السمعية أم البصرية \ الفيديو أو استثمار منظومة الأقراص المدمجة (CD’s).
أما فلسفة التعليم الإلكترونى، فتنبني على إزالة حواجز الفصول التقليدية للتعليم، ولا نقصد هنا جدران الفصل في المبنى حصراً حسب بل كل الحواجز التي تؤطّر العقل وربما تصادره ليكون خزَّاناً للتلقي السلبي محجوبا عن أيّ قدرات تفاعل إيجابي، وهنا ينفتح المتعلم على عوالم وفضاءات متسعة تمكنه من تبادل التأثير والتأثر مع المعلومة التي يحصل عليها؛ فيشارك في صنعها بما يستجيب للواقع الجديد الذي يحياه…
من هنا يمكننا القول: إنَّ التعليم الإلكتروني هو نمط من أنماط التعليم عن بُعد (Distance Learning) وهذا يعني أنهما ليسا متماثلين متطابقين (هندسياً) في المفهوم ولكن لتوكيد وجود الرفوق نشير إلى أنَّ الأشمل هو الأصل الذي بدأ بنظام التعليم بالمراسلة.
فالتعليم عن بُعد طريقة تعليم حديثة نسبياً تتعامل مع المتعلم ذاتاً فردياً مستقلاً، يوجد [المتعلم] بمكان مختلف عن مصدر تعليمه، الذي قد يكون معلِّماً أو كتاباً أو مجموعة دارسين معه، إذ يجري تناقل (البرنامج التعليمي) المستهدف بين المعلم والمتعلم من حرم المؤسسة التعليمية إلى أماكن وجود المتعلم \ المتعلمين في ميادين جغرافية مختلفة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه في التعليم عن بُعد ينمو دور المتعلم فيه ويكاد يكون أساسياً، بسبب ما يفرضه هذا النظام من واجبات وأشكال أداء، لكنه هو الآخر كما النظام التقليدي يتلقى المعلومة من دون فعل تأسيسي للمتعلم مع المادة، بخلاف التعليم الإلكتروني الذي يفرض على المتعلم دور الإيجاب في التفاعل و\أو تبادل التأثير في صنع المعلومة بمعنى ممارسة الدور التأسيسي في صنع المعلومة وتحليلها والوصول إلى مخرجاتها..
فإنْ أردنا تلمس الفروق بين النظام المؤسِّس والمحدَث الفرع عليه أقصد بين التعليم عن بُعد والتعليم الألكتروني فسيتأكد لدينا أنّ الأول (التعليم عن بُعد) جوهرياً يصف الجهود المبذولة لأجل إيصال التعليم إلى أولئك الموجودين جغرافياً بمناطق بعيدة مختلفة عن وجود مصدر التعليم فيما الثاني (التعليم الإلكتروني) يعبر عن مطابقة مع بعض أبعاد التعليم عبر الإنترنت (Online Learning)..
وإذ يشير الأول لاستثمار شبكات الإنترنت، فإنهما معاً بخاصة مع دخول التعلم عبر النت، إنما يتحولان للإشارة إلى اعتماد شبكات النت الداخلية والعالمية فضلا عن الملفات السمعية البصرية وتوظيف البث الإذاعي والمتلفز وبجميع الأحوال تقريباً نتجه في تحديد مصطلحاتنا ومفاهيمها إلى أدواتها من جهة وإلى منهجها وفلسفتها من جهة أخرى..