مقالات وآراء

الرئيس الأميركي باراك أوباما… كلام القاهرة يمحوه كلام إسرائيل

وحدهم الفلسطينيون خارج الحسابات الأميركية، كما كان متوقّعاً، لم تسفر الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما لإسرائيل عن كثير من النتائج العملية، وانتهت الى نوع من التمنّيات أكثر منها خطوطاً لسياسة واضحة، لا سيما في الشأن الفلسطيني. فمن الواضح أن أوباما لم يرد أن يعكّر مزاج بنيامين نتنياهو، عبر إطلاق الدعوة مجدّداً الى معاودة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، لذلك بقي الكلام على إيران هو المساحة التي تخلق راحة نفسيّة لنتنياهو وشركائه في الحكومة الجديدة الذين يشاركون رئيس الوزراء نظرته الى إيران، باعتبارها تهديداً وجوديّاً لإسرائيل.
لم تخفّف زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى الأراضي المحتلّة من مشاعر الاحتقان لدى الفلسطينيين، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس سمع كلاماً جميلاً من أوباما، حين وصف المستوطنات بغير شرعيّة وغير قانونية. لكن عباس لم يسمع الكلمة التي كان يود سماعها، وهي أن يطلب أوباما من نتنياهو تجميد الاستيطان من أجل معاودة المفاوضات. وقال أوباما كلاماً جميلاً عن حلّ الدولتين، وعن حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم على أرضهم، لكنه تفادى التطرّق لا من قريب لا من بعيد الى الحدود التي يجب أن تقوم عليها هذه الدولة، لعلمه علم اليقين الحساسية التي تولّدها عبارة حدود 4 حزيران (يونيو) للعام 1967. وحتى عندما تحدّث أوباما أمام نتنياهو عن الدولة الفلسطينية قارب ذلك، من زاوية أن أمن إسرائيل يستلزم إنشاء دولة فلسطينية، وليس لأن للفلسطينيين الحق في دولة على أرضهم.
وإذا ما أجريت مقارنة للخطابات التي ألقاها أوباما في إسرائيل، وتلك التي ألقاها في جامعة القاهرة في العام 2009 في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، يتبيّـن حجم التغيير الذي طرأ على الرئيس الأميركي في الأعوام الأربعة الماضية، بصرف النظر عن الأسباب التي أدّت به الى تغيير رأيه. فقبل أربعة أعوام كان الرجل حازماً في مقاربته الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إذ قال ما حرفيّته إنه يجب إيجاد دولة فلسطينية من أجل إنهاء مأساة عمرها ستون سنة، واعتبر أن عدم حلّ هذه القضية يساهم في الاساءة الى صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، ويغذّي المتطرّفين الإسلاميين في العالم. أما اليوم، فإن الحماسة قد فارقت أوباما عند الحديث عن ضرورة تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ليخلص الى نتيجة فضفاضة تنطوي على عوامل يأس أكثر منها على عوامل أمل، عندما يقول إن تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل عملية «صعبة لكنها ممكنة». ورغم دعوته في الكلمة التي ألقاها أمام طلاب إسرائيليين في القدس، إلى جهود منسّـقة لضمان إقامة دولة فلسطينية، لم ير المسؤولون الفلسطينيون أي علامة على استعداد أوباما لتبنّي نهج صارم تجاه إسرائيل، وهو ما يمثّـل تراجعاً عن موقفه الذي أبداه في كلمته في القاهرة، والتي اعتبرت ضغطاً منه على إسرائيل في شأن المستوطنات.
ومن الطبيعي أن لا يكون الفلسطينيون ينتظرون المزيد من الكلام الأميركي الفضفاض، والتوصيف لقضية عمرها أكثر من ستين عاماً. لذلك لم يحرّك أوباما مشاعرهم كما حرّكها قبل أربعة أعوام كي لا يصابوا بالاحباط مرّتين. ولم يكن في وسع الرئيس الفلسطيني العمل أكثر من إبلاغ أوباما أن لا عودة الى المفاوضات من دون المرور بتجميد الاستيطان، الأمر الذي يبدو مستحيلاً بوجود حكومة تضمّ أحزاباً أسّست قاعدتها الأيديولوجية، على الدعوة الى تعزيز الاستيطان الذي تراه أنه الطريق الى تحقيق أمن إسرائيل، وليس عبر إقامة دولة فلسطينية مهما كان شكل هذه الدولة، والضمانات التي ستقدّمها أميركا لإسرائيل من أجل القبول بذلك.
وفي مجال الحديث عن الأمن، لم يترك نتنياهو المجال واسعاً أمام أوباما كي يوسّع الدائرة ويستفيض بالعوامل التي تحقّق أمن إسرائيل. فكان رئيس الوزراء الإسرائيلي حاسماً في القول، إن القوّة التي تتمتّع بها إسرائيل هي التي تحقّق لها الأمن، وليس الاعتماد على وسائل أخرى. ولذلك لا يشارك نتنياهو أوباما رأيه القائل بأن الدولة الفلسطينية يمكن أن تعزّز أمن إسرائيل. وسبق له أن قال في وجه الرئيس الأميركي في أيار (مايو) من العام 2010، إنه قبل حرب العام 1967 كان عرض إسرائيل لا يتجاوز 14 كيلومتراً، وهي المسافة بين البحر المتوسط والقدس الغربية. وأتى هذا الكلام ردّاً على الكلام الذي يطالب إسرائيل بالعودة الى حدود العام 1967.
ولا يبدو أن الرئيس عباس في وارد إصدار أحكام قبل معرفة خطط وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أوكل إليه أوباما مهمّة البحث عن نقطة بداية جديدة لتحريك العملية السلميّة، ومعرفة مستوى الدعم من الرئيس الأميركي للعملية برمّتها، خصوصاً وأنه تراجع عن مواقف مهمّة في ولايته الأولى. ويرى مراقبون أن خطط كيري لمعاودة المفاوضات لا تزال في مرحلة الاستكشاف. ومعلوم أن الفلسطينيين رفضوا سابقاً طلبه الموافقة على تعديل عنصرين في المبادرة العربية يتعلّقان بتبادل الأراضي، وفتح الأجواء العربية أمام رحلات شركة الطيران الإسرائيلية الى الشرق الأقصى.
وفي الأعوام الأربعة الماضية، تمكّن نتنياهو من إزاحة التركيز الأميركي على القضية الفلسطينية وتحويله الى إيران ومن ثم الى الربيع العربي، علماً بأنه كان بالأحرى أن يكون الفلسطينيون هم الأكثر إفادة من الربيع وليس العكس، وأن تهمّش قضيّتهم ولا تبقى في صدارة جدول الأعمال الدولي.
ولا يقع الموضوع الإيراني خارج دائرة التركيز الإسرائيلي على الأمن التي تبحث عنها إسرائيل؛ فالحملة الإسرائيلية على إيران تنطلق من خوف إسرائيل على أمنها، في حال حصلت إيران على القنبلة النوويّة. ولذلك كان نتنياهو حاسماً في القول أمام أوباما إن الديبلوماسية وحدها لا تكفي، من أجل إقناع طهران بالعدول عن تخصيب اليورانيوم، وأنه يجب إقران ذلك بالتهديد باستخدام القوّة. وكان أوباما سبّاقاً الى الطلب من نتنياهو عبر مقابلات مع وسائل إعلام إسرائيلية قبل الزيارة، أن يمنحه مزيداً من الوقت قبل أن يقرّر مهاجمة إيران. وبحسب ما نقلت وسائل الاعلام الإسرائيلية عن أوباما، فإن إيران لا تزال تحتاج الى عام من أجل مراكمة وقود نووي يمكّنها من صنع سلاح نووي.
ومناخ التوتّر الذي خيّم على العلاقات بين أوباما ونتنياهو في الأعوام الأربعة الأخيرة انعكس على الإسرائيليين العاديين، بحيث أظهر استطلاع للرأي أن 53 في المئة من الإسرائيليين لا يعوّلون على أوباما. لكن الاستطلاع أظهر بعض التحسّن مقارنة بالمعطيات التي نشرت في الماضي، ولكن لا يزال 53.5 في المئة من الإسرائيليين غير مستعدّين لأن يعتمدوا على أوباما، في مقابل 45 في المئة بالذات يعطون الرئيس الثقة، ويعوّلون عليه في أن يأخذ في الحسبان مصالح إسرائيل ويحافظ عليها. وإدراكاً منه لهذه الناحية، بذل أوباما جهداً كبيراً من أجل إظهار التزامه المطلق أمن إسرائيل، وكرّر في كل خطبه على شرعيّة وجود إسرائيل وعلى التقاء المصالح بين الدولتين. لكن لا يبدو أن الأثر الذي تركته تطمينات أوباما قد فعل فعله الإيجابي لدى الإسرائيليين. وهذا هو عضو تكتّل «ليكود» الحاكم تساهي هانيغبي، المقـرّب من نتنياهو، يشكّك، على رغم كل تأكيدات أوباما، بعزم واشنطن على منع إيران من الحصول على القنبلة النوويّة. يقول هانيغبي ذلك على رغم أن الرئيس الأميركي لم يلوّح في كلّ تصريحاته ومواقفه التي أدلى بها في إسرائيل، بأنه ينوي ليّ ذراع تل أبيب في حال كانت مصمّمة على مهاجمة إيران، أو شدّد على ضرورة العودة الى واشنطن في حال اتّخذ قرار الهجوم. وها هي مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تلحظ تقارباً في وجهات نظر أوباما ونتنياهو حول البرنامج النووي الإيراني أكثر من ذي قبل، بالاشارة إلى حديثهما في المؤتمر الصحافي المشترك، حيث أوضح أوباما تفهّمه لموقف إسرائيل المتخوّف والداعي إلى اتّخاذ إجراء عسكري بشكل عاجل ضد طهران، وهو ما اعتبرته المجلّة بمثابة تهديد لإيران من أن أميركا لن تمنع إسرائيل عن اتّخاذ مثل هذا الاجراء. وذكَرت أنه حتى وقت قريب، كان حديث أوباما متمحوراً حول الحيلولة دون حيازة إيران لسلاح نووي، كما لو كان يسمح بتجميع إيران للعناصر اللازمة لذلك، طالما أنها لن تقدم فعليّاً على صنع هذا السلاح، مشيرة إلى حالة الاحباط التي أصابت نتنياهو من إصرار الأميركيين على إعطاء العقوبات والديبلوماسية مزيداً من الفرص والوقت. ورأت أن ثمّة أسباباً عدة وراء هذا التقارب في وجهات النظر بين القيادتين، منها استخدام إيران لجيل جديد من أجهزة الطرد المركزي، القادرة على تخصيب اليورانيوم على نحو أسرع من 4 ـ 5 أمثال الجيل القديم، وكذلك تقارب تقييمي الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن المراحل التي وصلت إليها إيران الآن في صنع القنبلة.
وفي خطوة لا تخلو من دلالات، وضع أوباما ثقله من أجل ترميم العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وذلك من المنظور الاستراتيجي القائم على أن كلاً من إسرائيل وتركيا حليفتان مهمّتان للولايات المتحدة في المنطقة، وأن تدهور العلاقات بين الدولتين كان يضرّ بالمصالح الأميركية. وهكذا تمكّن أوباما من إقناع نتنياهو بتقديم اعتذار الى رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، الذي قبل الاعتذار، لا سيما بعد قبول إسرائيل بدفع تعويضات لأسر الضحايا التسعة، الذين سقطوا برصاص الكوماندوس الإسرائيلي على متن السفينة التركية «مافي مرمرة»، التي كانت تقود أسطول الحرّيّة لفكّ الحصار الاقتصادي عن قطاع غزّة، في 31 أيار (مايو) من العام 2010. وتعتبر إعادة العلاقات الديبلوماسية بين تل أبيب وأنقرة نجاحاً للديبلوماسية الأميركية، ولا سيما لوزير الخارجية جون كيري الذي لعب دوراً بارزاً في هذه العمليّة التي تقلق الولايات المتحدة. وتحتاج واشنطن في هذا الوقت بالذات، الى تعاون عسكري واسع مع تركيا ومع إسرائيل، لا سيما بسبب التغييرات العاصفة التي تضرب الشرق الأرسط، وقيام أميركا بدرس جملة من الخيارات التي يجب أن تعتمدها لمواجهة أزمات المنطقة، ولا سيما الحرب في سورية. ويضغط الكونغرس الأميركي بقوّة على أوباما من أجل سياسة أكثر انخراطاً في الملف السوري، قبل أن يسيطر الجهاديّون على سورية بالكامل وتصير معها مهمّة بناء سورية ديمقراطية عملية صعبة.
والنجاح الذي لقيه أوباما في إعادة ترميم العلاقات بين إسرائيل وتركيا، دليل على أن واشنطن إذا أرادت أن تمارس ضغوطاً جدّيّة في قضية من القضايا فإنه يمكنها ذلك. ولهذه الأسباب، ربما يزداد إحباط الفلسطينيين الذين يبدون أن وحدهم كانوا الخاسرين في جولة الرئيس الأميركي، لأنهم لم يتمكّنوا من تحقيق أي مكسب سياسي فعلي، باستثناء الطلب منهم التحلّي بمزيد من الانتظار.
ويخرج المحلّلون بانطباع مفاده أن أوباما خرج من زيارته الأراضي الفلسطينية وإسرائيل بنتيجة واحدة، وهي أن الرئيس الأميركي قصد من خلال تخصيص إسرائيل بالزيارة الأولى التي يقوم بها الى الخارج في ولايته الثانية، أن يكسر حال الفتور مع الدولة العبرية، وفتح صفحة جديدة مع نتنياهو خالية من التوتّر. لكن كلّ ذلك يتمّ ولا شك على حساب القضية الفلسطينية. لكن الى متى؟ (جراسا)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى