مقالات وآراء

الطيبون يرحلون مبكرا

دائما نتحدث عن الفراق الابدي في وداع حبيب او صديق وتدور رحى الأحداث بحديث متصل عن مناقبه ولاشك أن من غادرنا قد استراح من دنياه وواجه نهايته وقابل ربه وعرف خيره من شره ولكن الفجيعة في الأحياء الذين قد تقتلهم الصدمة او تدمي قلوبهم وتشل تفكيرهم احيانا .كلنا موقنون اننا يوما راحلون ولكن ،حتى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال ان القلب ليحزن وان العين لتدمع ،فهي الطبيعة البشرية،ولاشك انه عندما يرحل عزيز تحس ان جزءا منك قد رحل وتتوالى الأجزاء تلو كل رحيل حتى يرحل الجسد كله فالارواح معلقة ببعضها في سلسلة ما ،من تأالف منها اقترب وماتنافر منها اختلف وابتعد سواء في المحيا او الممات،فكم عاصرنا رحيل صديق بعد خليله او اب بعد ابنه او ام بعد ولدها،فهكذا تنفطر القلوب فلا تتحمل فتستأذن في الرحيل،ولكن الظاهرة التي تسجلها ذاكرتي عبر السنين ان الطيبون هم من يرحلون مبكرا،شاب يعمل مع اقرانه في مدينة قريبة من مسكنه ينهي عمله ويجتمع عماله ورجاله للعودة قبل مغرب يوم رمضاني وقبل ان يغادرون يدعوهم لصلاة العصر في جماعة ويركبون حافلتهم وعلى مشارف مدينتهم يصطدمون بكرفان ثابت وينجو السائق ومن معه ويموت الامام،زوجة تخرج للعمل بعد أن اقعد المرض زوجها الطبيب وهي في بلاد الغربة وترعاه وطفلتيها التوأم فتصطدم سيارتها بأخرى وهي على سرعة بسيطة وبدلا من ان تحميها الوسادة الهوائية تنفجر فيها فتذهب في غيبوبة ثم ترحل صائمة غريبة وتترك خلفها مأساة ،كلما اسمع قصص الجنود والضباط الذين رحلوا اسمع قصص هي أقرب إلى الخيال كيف ودعهم اخر مرة ،ماذا قال ،ماذا فعل ،ماهي أخلاقه ،كيف يعامل زملاءه،في اكثر من لقاء مع زوجات وامهات واصدقاء الشهداء في صالون طلعت حرب الثقافي او في تكريم مؤسسة مصر امانه لأسر الشهداء او في الأندية اسمع القصص باهتمام واناقش واتحدث مع أهالي الراحلين،فاسمع قصص غريبة ربما لاتصدقها لو سمعت الرواية عن بعد ولكن الصدق تراه في عيون الراوي وقسمات وجهه تتجسد فيها الشفافية فيدخل قلبك بلا استئذان ،ترى هل يختار الله منا عباده الطيبون ويصطفيهم ليرحلوا مبكرا حتى ينقيهم ويمنع عنهم ذنوبا قد تثقلهم لو امتدت بهم الحياة؟من فضل الله على عباده ان مصيبة الموت تبدأ كبيرة وتتضائل مع الايام ومن فضله أيضا انه يدبر الأمر للأحياء،”وليخش الذين لو تركوا خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” صدق الله العظيم،نعم سوف تلهو بنا الحياة وتسخر ،لنتمسك ببعضنا البعض ويكون الحب اكثر،فاحبب من شئت فأنك مفارقه يوما،فتريث قليلا وفكر كثيرا وعلى طريقة افلام السينما اطلق العنان لفلاش باك وفتش في أصدقائك او في أقاربك او زملائك ستجد ان الطبيب الشاب الذي كان يحرث المستشفى ذهابا وايابا ويداعب مرضاه ويسهر معهم وينام في وسطهم في مستشفيات الغلابة خلد للنوم ساعات فأيقظوه فلم يرد..كم من مرة حدث ذلك،الصديق الذي كان معينك وقت الشدة وظهرك وقت الجد وسميرك وقت الضيق،قد رحل مبكرا،وهكذا تمر الأيام بحلاوة مرارتها او بمرارة حلاوتها لتقول ان الحياة دقائق وثوان ،فكم من مرة ضاقت بك الدنيا وجاء الفرج من حيث لاتدري وعلى النقيض كم من مرة أحسنت الظن وخاب ظنك،انها الاقدار،فتقدرون فتضحك الاقدار،كل سوف يمضي إلى حال سبيله يوما إلى قدر محتوم ،ولكن بات من شبه المؤكد أن الطيبون يرحلون اولا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى