أخبارمقالات وآراء
العندليب والملك
كان الملك الحسن الثاني ملك المغرب السابق شغوفا بحبه للموسيقى وقد أتقن العزف على الاكورديون وقد لاحظ والده الملك محمد الخامس ذلك وخيره بأن يكون ملكا او يتفرغ للموسيقى ويكتب التاريخ انه فعل ذلك ويتلقى الملام… فاعاد الرجل حساباته وورث العرش ولكن هذا لم يوقف حبه للموسيقى والغناء فقد كان يختلي ليلا مع هوايته يسمع الموسيقى ويعزف احيانا …وقد احب الملك العندليب الاسمر عبد الحليم إلى حد الصداقة فقد أبدى إعجابه يوما بأغنية حكاية شعب عندما كان يزور مصر مع والده”الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللي ورا السد” وفي الوقت الذي كان فيه الرؤساء العرب يستضيفون فيه العندليب والحب الجم الذي كان يربطه بعبد الناصر إذ كان يعتبره صوت الثورة إلى الحد الذي جعله يزوره في منزله فجأة في يوليو ١٩٦٣ عندما بلغه انه مريض ودخل عليه غرفة نومه وهو في سريره….كانت هناك وشاية تمنع حليم من دخوله المغرب..ولكنه لم يستسلم فقد ارسل خطاب للملك مع احد اصدقائه”البيضاني” يوضح فيه موقفه واقتنع الملك واستوضح الامر واستضافه..فكانت اول اغنية له في عيد الجلوس على العرش”الماء والخضرة والوجه الحسن…عرائس تختال في عيد الحسن” من كلمات مرسي جميل عزيز.. وتوطدت اواصر الصداقة بين الملك والعندليب لدرجة انه أرسله بطائرته الخاصة إلى طبيبه الخاص بباريس عندما حدثت له وعكة وهو يحي احد ليالي المغرب… وعندما حدث انقلاب في المغرب وكان حليم وقتها يسجل في الإذاعة المغربية وحاصر رجال الانقلاب الإذاعة وطلبوا من عبد الحليم إذاعة بيان الانقلاب في الإذاعة المغربية وكان في حيرة من أمره أما ان يموت برصاصهم المصوب إلى رأسه او يتلوا البيان ويكون قد خان الرجل الذي احتضنه وتكفل بعلاجه وأصبح الصديق المقرب منه… فاتقد ذكائه مع افراز الادرينالين وصاح ..كيف تطلبون من مصري أن يذيع بيان انقلاب في المغرب؟ هذا يفقدكم المصداقية..فتراجعوا عن اجباره وحبسوه في غرفة مع اخر ولكن احد الضباط كان موالي للملك فاعطاه نسخة من مفتاح الغرفة وانصرفوا… وذات يوم بعدما اشتد عليه المرض وبات محزونا في صيف ١٩٧٣..تلقى برقية من الملك الحسن يقول فيها..لانريد لك أن تحزن ولانريد دموعا…سوف تعود الى فنك لاسعاد الملايين ولن نذرف دمعة حزن عليك ياحليم…وقد ارسل اليه ليحضر إلى المغرب وكانت الطائرة الملكية تنتظره في الدار البيضاء لتنقله وصديقه الشاعر محمد حمزة إلى الرباط والذي استلهم كلمات اغنية “اي دمعة حزن لا” من كلمات البرقية وما أن وصل إلى مطار الرباط كان قد أنجز مطلعها وبعض مقاطعها وعندما سافروا لاستقبال بليغ حمدي القادم من باريس وذهبوا لاستقباله وعادوا به أيضا من الدار البيضاء إلى الرباط وعرض محمد حمزة عليه الكلمات لم يصل إلى الرباط الا وكان قد أبدع اللحن على عوده على متن الطائرة…ولكن الاغنية تعثرت شهورا ليكتمل المقطع الأخير والذي جادت به قريحة الشاعر محمد حمزة في حديقة الهايد بارك بلندن بعد نصح العندليب له بأن يسافر إلى لندن لعله يستطيع اتمام الاغنية…وقد اتفقوا على تسمية الاغنية “جاي الزمان”وتم الإعلان عنها بالفعل ولكن حليم عاد ليستشير صديقه الكاتب الصحفي الكبير مصطفى امين في الاسم واتفقا على “اي دمعة حزن لا” فقد كان هذا الاسم يميل إلى طبيعة عبد الحليم الذي يقاوم المرض ويتجرع الحزن الكامن في قلبه ليل نهار..فالفرح في حياته سويعات والألم أياما بل شهور وسنين.. حتى انه لم يتزوج المرأة التي احبها ورفض جدها الزواج ولم يراها الا وهي تحتضر وتودع الدنيا…حتى يوم ميلاده كان يرفض الاحتفال به فقد كان يعتقد انه السبب في وفاة امه…وقال ايه جاي الزمان يداوينا..من ايه جاي يازمان تداوينا …جاي ليه يازمن بعد ايه يازمن.. من كام سنة قلبي وانا عايشين هنا ..من كام سنة… وغناها في يوليو ١٩٧٤ في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة..