مقالات وآراء

أذن بحجم العالم: دور الموساد في فضيحة التجسس الأميركية

لم تسمع “الأذن” الأميركية صراخ الاحتجاجات الأوروبية على فضيحة التجسس الالكتروني العالمية، التي وإن أحرجت البيت الأبيض، إلا أنها لم
تدفع وكالة الأمن القومي إلى إطفاء أزرار التنصت على الحلفاء والأعداء.

يثير كشف المعلومات عن برامج المراقبة الواسعة لوكالة الامن القومي – التي تشمل مواطنين اميركيين وقادة دول اجنبية على حد سواء – القلق في الولايات المتحدة بشأن دور وكالة يعتقد البعض انها اصبحت خارجة عن السيطرة.

فمنذ حزيران (يونيو) ادت تسريبات ادوارد سنودن المستشار السابق في الوكالة المكلفة مراقبة الاتصالات والتي كشفت تسجيل معطيات هاتفية لمواطنين اميركيين ومراقبة مكالمات ملايين الفرنسيين والتنصت على الهاتف الجوال للمستشارة الالمانية… الى فتح الباب امام كل الاحتمالات ووضعت ادارة الرئيس باراك اوباما في موقع الدفاع.

على الصعيد الداخلي اضطرت الادارة للاخذ بالاعتبار المخاوف المتعلقة باحترام الحياة الخاصة. اما في الخارج فقد اضعف الكشف عن هذه المعلومات موقف اوباما ازاء حلفائه الاوروبيين والبرازيل والمكسيك ما حدا بالادارة الى ان تتساءل حول الضرورة التي يشدد عليها مسؤولو الاستخبارات لجمع هذا الكم من المعطيات تحت مسمى مكافحة الارهاب.

يقول المراقبون أن كل شيء تبدل منذ اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 وصدور القانون الوطني (باتريوت اكت).

وشبهت مجلة “فورين بوليسي” الجنرال كيث الكسندر رئيس وكالة الامن القومي بـ”رعاة البقر” (كاوبوي) ونقلت عن مسؤول سابق في الاستخبارات ان الجنرال لا يأبه كثيرا بالتقيد بالقانون بقدر ما يهمه انجاز العمل.

ورأى غريغ نجيم من مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، وهو مركز ناشط من اجل حرية الانترنت انه “بالرغم من كل الاليات التي وضعت لحماية الحياة الخاصة، الحقيقة هي ان المراقبة لا تنجح”. واضاف “ان احد الاسباب الرئيسية لهذا الفشل هو ان مسؤولي الاستخبارات خدعوا الكونغرس والشعب” بشأن ضخامة جمعهم للمعلومات. “حتى انهم ضللوا” المحكمة الفدرالية المكلفة مراقبة انشطة الاستخبارات.

أين إسرائيل؟

هل كان يحتاج الأمر إلى إدوارد سنودن لكشف مستنقع التجسس الأميركي؟ ربما، على الأقل بالنسبة لـ 35 رئيساً حول العالم، معظمهم حلفاء استراتيجيون لـ”الأخ الأكبر”.

لكن ما لم يقله إدوارد سنودن صراحة، نقلته صحيفة (لوموند) الفرنسية عنه في تقرير لها كاشفة أن جهاز (الموساد) الإسرائيلي متورط بالتجسس على الاتصالات وانه تنصت على أكثر من 70 مليون اتصالاً هاتفياً ورسالة نصية في الشهر الواحد.

وأضافت الصحيفة ان الاتهامات كانت في البداية موجهة نحو وكالة الأمن القومي الأميركية بأنها وراء التجسس على الاتصالات الفرنسية خلال الحملة الانتخابية للرئيس السابق نيكولا ساركوزي ولكنها قالت ان ما لديها من وثائق تشير الى تورط الموساد.

وقالت الصحيفة ان كاتب التقرير وهو الصحافي الأميركي غلين غرينوالد الذي على اتصال دائم مع الموظف السابق في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن اللاجىء حاليا في روسيا أكد أن الموساد الإسرائيلي وراء عمليات التجسس.

يشار إلى أن اتهام إسرائيل بالتورط في التجسس على الاتصالات ليس هو الأول من نوعه، فقد كانت صحيفة (لوموند ديبوماتيك) الشهرية نشرت في كانون الثاني (يناير) 2012 تقريرا عن وجود محطة تجسس إسرائيلية في صحراء النقب للتنصت على المنطقة، وهي الأكبر والأضخم في العالم.

وذكرت الصحيفة أن مهمة محطة التجسس تتمثل في اعتراض المكالمات الهاتفية والرسائل والبيانات الإلكترونية التي يتم إرسالها عبر الأقمار الاصطناعية وكابلات الاتصالات البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط.

وحينها استند معد التقرير للصحيفة إلى مجندة بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الكشف عن أكبر وأضخم قاعدة من نوعها في العالم، والتي تتمثل مهمتها في اعتراض المكالمات التليفونية والرسائل والبيانات الإلكترونية، التي يتم إرسالها عبر الأقمار الصناعية وكابلات الاتصالات البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، كما أن لديها القدرة على جمع المعلومات الإلكترونية، ورصد اتصالات الحكومات والمنظمات والشركات والأفراد على حد سواء.

ونقل عن المجندة السابقة بوحدة 8200 التابعة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، دون أن يكشف عن اسمها، أن القاعدة تتجسس على عدد من الدول من بينها دول معادية لإسرائيل وأخرى تعتبر صديقة لها، وذكرت أن القاعدة التي تقع بمنطقة (أوريم) بجنوب إسرائيل على بعد 30 كيلومترا من سجن مدينة بئر السبع، تعترض الاتصالات الصادرة من الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وآسيا، وتشرف على تشغيلها وحدة 8200.

وقالت (لوموند ديبولماتيك) إن المعلومات التي تجمعها القاعدة ترسل للوحدة 8200، وإن القاعدة تخضع لحماية أمنية مشددة، فتبدو أسوارها عالية، وبواباتها كبيرة ومحمية بالعديد من كلاب الحراسة، معتبرةً أن أهم الإنجازات التي قامت بها الوحدة المسؤولة عن تلك القاعدة هو اعتراض الاتصال الهاتفي بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك الأردني الراحل الملك حسين خلال اليوم الأول من حرب حزيران 1967، واعتراض الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات و بين المجموعة التي اختطفت السفينة (اكيلي لاورو) في العام 1995.

العرب أيضاً

وبعد القنبلة التي فجرها سنودن، وتحولت إلى “كرة ثلج” آخذة في التدحرج من عاصمة إلى أخرى، وسط معلومات عن أن التجسس لم يكن فقط على حلفاء الولايات المتحدة الغربيين بل شمل الحلفاء العرب، يكشف تريستان آش، وهو ضابط متقاعد في جهاز مكافحة الإرهاب، عن خفايا العالم السري لعمليات التجسس.

ويوضح تريستان أن “جميع بلدان الشرق الاوسط، من رؤسائها وقادتها وأحزابها، هي على لائحة التنصت اليومي، ومن دون تمييز بين عدوّ وصديق”، لافتاً الى أن “الحزب الوحيد الذي لا يملك بصمة الكترونية تتيح التجسس عليه هو حزب الله ، الذي يستخدم النظام السلكي وليس اللاسلكي”. ويوضح الضابط أنه “من المستحيل مراقبة جميع الخطوط في الشرق الاوسط دون التواطؤ مع السلطات المحلية التي تقوم في اغلبها بتسهيل المهمة علينا”.

وبؤكد آش في مقابلة مع صحيفة “الرأي”، أنه “بعد عملية القاعدة في 9/11 أُعطيت الاوامر بجعل وتحويل كل سفارة في العالم الى مركز تنصت معزَّز، وتم تزويد البعثات الديبلوماسية بأجهزة تنصت عالية الدقة حتى اصبحْتَ ترى داخل كل سفارة قاعدة شبيهة بمحطة الناسا الفضائية. ولهذا بات لكل سفارة دور مهم بالمراقبة والتنصت، وكذلك السفن الحربية العسكرية المتمركزة قبالة الشواطئ المستهدفة، والتي سهلت عملية الاستقبال والتجسس الالكتروني على كل رئيس دولة أو مسؤول سياسي أو عسكري، وعلى عائلات هؤلاء، فأصبحوا جميعاً تحت المراقبة الايجابية بغرض حمايتهم، أو سلبية بغرض التجسس عليهم وجمع المعلومات لتحديد نقاط الضعف وأفضل طرق التعامل معهم. وهذه الخريطة الشخصية تساعد أجهزة المخابرات المتخصصة لمعرفة ماذا يكره هذا الرئيس، وما المشاكل العائلية التي يتعرض لها؟ هل يزور الطبيب، ولماذا؟ هل أحد من افراد عائلته بحاجة للعلاج؟ هل يحتاج الى ارسال اولاده أو اقربائه للتعليم في الخارج أم لايجاد فرص عمل معينة في بلد معين؟ هل لديه عشيقة سرية واحدة أو اكثر؟ وماذا تفعل هذه العشيقة ومدى تأثيرها عليه؟ هل لديه معلومات مهمة في اجهزة الهاتف المحمول أم في اجهزة الحاسوب؟ هل يحب الترف أم يحب الالبسة الحديثة من ماركة معينة؟ هل يحاول تخفيف وزنه ولا ينجح في ذلك؟ كل هذه الاسئلة وغيرها تساعد على بناء ملف كامل عن كل شخص ليحللها الضابط المختص ويخرج بتوصيات وبخلاصة عن نقاط الضعف ونقاط القوة عن كل شخصية مستهدفة سلباً أم ايجاباً”.

ويتابع الضابط : كل الاجهزة المتوافرة اليوم تُعتبر غير موثوقة، أي يستطيع المراقب تشغيل الجهاز والكاميرا والميكروفون حتى ولو كان مغلقاً، والمضحك في الأمر أن اكثر المسؤولين لا يحتفظون بأجهزة الهاتف الخاصة بهم بل يسلّمونها الى المرافق ويبدّلون أجهزتهم باستمرار. فيكفي أن تراقب الكترونياً حركة المرافق الشخصي أو الأرقام التي يتصل بها أو تتصل بهذا المسؤول باستمرار، حتى تعاد رسم الخريطة الالكترونية من جديد للشخص الهدف”.

ويشرح ضابط المخابرات السابق أن “اوستراليا، كندا، نيوزيلندا، بريطانيا والولايات المتحدة أنشأت وحدة اسمها العيون الخمس، ولديها أجهزة اتصال في كل أنحاء العالم وحول العالم تلتقط منها كل ذبابة تحلق في السماء بغض النظر عن صاحبها. وهذه الوحدة هي مجموعة أجهزة أمنية في كل من البلدان الخمسة متخصصة بالتنصت الالكتروني، وهي GCHQ البريطانية، NSA الاميركية، CSE الكندية، DSD الاسترالية، GCSB النيوزلندية. وهذه الاجهزة المخابراتية تتعاون في ما بينها وتتبادل المعلومات وتجتمع دورياً لتطوّر نفسها وتشرح ما لديها”. ويضيف الضابط الرفيع السابق في مكافحة الارهاب أن «اجهزة أخرى صديقة تتعامل مع العيوان الخمس، ومنها الوحدة الاسرائيلية المسماة بيهودا سموني يتاييم أو وحدة الـ8200. وهي وحدة موجودة اساساً في صحراء النقب ولديها قدرة تفوق قدرة التنصت للقاعدة البريطانية الموجودة في آيوس نيكولايس في فامأغوستا في قبرص”.

ويقول الضابط إن التنصت الالكتروني لا يقتصر على التنصت لأغراض عسكرية أو لمنع عمليات ارهابية قبل حدوثها، بل يذهب الى التجسس الصناعي ايضاً “فقد استُخدمت التكنولوجيا لمعرفة نوايا العرب بما يتعلق بالاقتصاد والنفط وشراء المعدات الحربية، والتي تُعتبر اساسية للغرب ولاقتصاده”.
المصدر : كريم الخطيب:جريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى