بحر ميت
لا تعلم من أين تبدأ قصتها وإلى أين تصل؟ القصة عادية حدثت وتحدث كل يوم ولكن بالنسبة لها ليست بالعادية لان مشاعرها تحركت بلهفة وبجرأة لم تعتاد عليها أبداً … التحكم في النفس كان من أهم سيمات شخصيتها … لا تبالي لأحد يمكن أن تعجب ولكن بلا اندفاع … يمكن أن تحب شخصاً وتجسد معه قصة حب جميلة خيوطها تتدفق بين عروقها ومشاعر البدايات وإحساس العشق وألم النهايات كله يحدث بينها وبين نفسها ولكن في سرية تامة .. أنها لا تجرؤ حتى أن تناقش نفسها بصوت داخلي حتى لا تخجل ولا ترتجف … كانت القصة تخلق وتموت دائماً بداخلها ولا يعرف عنها أحد … ولكن هذة المرة ما بها … ترتجف من مشاعر الحب التي تجتاح كإعصار يدغدغ شرايين قلبها من اللهفة والشوق …. كما لو كانت رياح عتيه تضرب كل ما تمر به داخلها. …. هل هذا هو شعور الحب الحقيقي أما أنه احتياج …. تستمتع تاره وتحس بالذنب وتستغفر تاره …. تتودد وتتدلل ثم تعود مرة أخرى لتندم …. ماذا بها؟ هل أصبحت هشة من الداخل لهذا الحد .. مع إنها تبدو طول الوقت قوية شامخة منطلقة لا تهاب الحب ولا تريد أن تعرفه أو بالاصح تعتبره درجة دونيه لا ترقى بأن تشعر به إلا بحجم صغير لا يتعدى حدود نفسها ولا تفصح حتى بداخلها عنه … تعيش قصصه ولكن داخل تحكم عقلي ونفسي يجعله يُجهد في بعض الأحيان قبل ما يولد بداخلها … الآن تشعر بالضعف تشعر بالألم وتشعر بالسعادة ولذة الشوق ومتعة النظر للحبيب … تسأل نفسها اليوم من أكون ؟؟ لست أنا هذة الفتاة … أين نفسي؟ أين قوتي وتحكمي في كل ارجاءِ …. تحاول أن تفوق وتستجمع فتات ما تبقى من قلبها لتقوى به بعد أن ذاب وتسرب منها ليذهب بعيداً عن جوفه …. تستقوي نفسها وتقول الآن عدت إلى نفسي وبعد دقائق تشتاق وتلهث لسماع صوته فقط لبضع دقائق لتطمئن أنها بخير لوجوده ولو للحظات في حياتها … تقف أمام مرآتها وتثور على نفسها وتقول بقوة ” لست أنا من يذهب قلبي لرجل . لست أنا من ينساق وراء مشاعره لخطف ثواني من العمر ليتودد ويدلل ويتجمل لأحد “… ثم تعودوا خائبة الرجاء عندما تري اسمه على هاتف تليفونها المحمول … تنظر للاسم وكأن لا يوجد غير هذا الاسم لتزهر حياتها من جديد … “لقد تذكرني واتصل ” هكذا تفرح نفسها وتستمد السعادة وترمي وراء ظهرها كل كلمات القوة والثبات … وترد بلهفة واشتياق وكأن هذة الكلمات التي تسمعها منه خلال الهاتف هي أكسير الحياة … يبعث روحها من جديد … تلمع أعينها ويرتجف جسدها ويهتز كل ما في ارجاءها بنعومة وانسياب … يدوب سمعها من كلماته حتى لو كانت عادية … يتزلزل قلبها من ضحكته حتى لو تعلم في بعض الأحيان أنها ليست من قلبه …. تسمع وتذوب وتسمع وتذوب ولا تريده أن ينهي المكالمة … تريد أن يستمر الحديث حتى يأتي أوانها وترحل بعيداً عن الأرض … ولكن ينتهي الحديث وتنتهي معه أمانيها وأمالها … هو كان واضحاً وصريحاً في بداية تعارفهما .. قال لها ” أنا ليس لدي إلا كلمات لا تنتظري أكثر من ذلك … كلمات تشبه الموسيقى العذبة … تروي ظمأ العطشان … تشعل نار الحب وتوهج مشاعر تحسين بعدها بأنك أمرأة من أجمل نساء الدنيا … هذا كل ما لدي لكي … هل تقبلين” ترددت في البداية ولكن قلبها ونفسها قبلوا ويندم العقل كل لحظة على خيبته في إبطال هذا السحر اللعين الذي قلب الروح إلى هذا الحد المرعب … لقد تغيرت عادتها بسببه تبحث عنه بين عيون الناس في الشارع والعمل والاصدقاء …. تري اسمه أمام عينها في كل لحظة … يعيش معها طول يومها من بدايته وحتى أحلامها في نومها لم تسلم منه … ماذا دهاكِ يا فتاة لكل ذلك …. إنها مجرد كلمات وضحكات …. هل فتت نفسك أربا إلى هذا الحد … أين عقلك من كل هذا … أين وأين وأين ؟ …. لقد ذهبتي بعيداً في بحر ميت … نعم بحرٌ ميت بلا أسماك ولا شعب … بحر تريه أنت وحدك ساحر وما هو بساحر … تكذبين على نفسك كل يوم بقصص و مشاعر وهمية لتبحري بعيداً داخله بلا نتائج ولا أمال …. هل هو احتياج ليس إلا؟ أم مشاعر صادقة تجتاح كيانك .. الحيرة مركب بلا شراع … تسحبها وتشدها الأمواج .. لا تعرف الاستقرار وتسبب العذاب … وهي الآن على مركب الحيرة لا تعلم إلى أين وإلى متى تبحر في بحرٍ ميت. (بقلم الكاتبة هبة الله السيد )