إنتخبوا بوتفليقة حيا وميتا .. انتخابات مزورة وجنازة مؤجلة !!
لا اهمية للزمن في زماننا. فالعرب اكثر شعوب الارض قاطبة شراءً للساعات وولعاً باقتنائها،واقلهم احتراماً للوقت حتى ضُرب المثل في قلة التزامهم ،فكان “عرقوب” مثلاً ومثالاً للاستخفاف بالمواعيد. الحياة بمجملها اهم ما في الوجود تقاس بالثواني ونبضات القلب.لذلك فان السياسي الحكيم هو القادر على ادارة الوقت و الازمات واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.وللأسف فاللعبة السياسية عند العرب ملهاة، بلا قواعد ولا حدود. لا يحكمها زمن و لا يظبطها توقيت.فالجميع يلعب ضد الجميع،والجميع يبحث عن مشيخة وزعامة حتى لو كان “قفة” من عظام و”حاوية” للامراض .
*** لغياب البرامج و الاحزاب والتخطيط و الادارة الحكيمة،وتفاقم عوامل الفقر والجهل والحروب الاهلية ،وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية،و انعدام الحرية والديمقراطية،واستئثار القلة بالسلطة والثروة حتى الماء سرقوه،ولو كان بالامكان سرقة الهواء لم يوفروه. لهذه الاسباب وغيرها،اصبح العالم العربي جهنماً لا يطاق،و اسوأ مكانا للحياة.كل هذه العوامل الضاغطة،شكلت بواعث قوية دفعت الشباب للدخول في محرقة الموت،بالانتساب للتنظيمات المسلحة التي توفر لهم المال و الاحساس بالمعنى،بمعنى انه كائن حي له دوره في الحياة. فاندفع بعضهم للقتال في سوريا والعراق،وقبل ذلك في افغانستان،فيما ركب آخرون قوارب الموت للهجرة ،الا ان معظهم ابتلعهم البحر،و بعضهم الاخر قتل “في ساحات الوغى” ولم يعد لاهله ملفوفا بخرقة لا كفن.ومن بقي في وطنه قتله الياس او انزلق في المخدرات ليصنع لنفسه عالما من وهم. ففي حالة الضعف الانساني يبحث الانسان عن قشة يتعلق فيها،او كذبة يتمسك بها لشعوره انه بلا مستقبل.
*** مهزلة الانتخابات الجزائرية، التي تُجسد واقعنا العربي برمته.اذ ان نجاح بوتفليقة صفعة للنظام العربي.فكيف ينجح عجوز لا يصلح الا للدفن بالتربع على سدة دولة عظيمة مترامية الاطراف،دخلها النفطي بالمليارات،و تعدادها ينوف على الاربعين مليون بني آدم. فالتبريرات التي ساقها العسكر وسوّقها الحرس القديم عن صحة الرئيس اقبح من القبح ذاته.ونجاحه كان مفضوحاً،حيث خسرت الجزائر،وفاز رئيس مريض خذلته ساقاه،لا يستطيع التحكم بمخرجاته الطبيعية، ولا يقوى على ارتداء سرواله الا بمساعدة صديق.مهزلة تصلح لان تكون مادة حية لمسرحية ساخرة،وليس لرئاسة جمهورية.فاي كذبة مكشوفة هذه.
*** من المسلمات في الانتخابات الامريكية اخراج المرشح الرئاسي،اذا ثبت انه غش في امتحان الثانوية العامة،فالذي يخدع الناس بامور صغيرة،يخدعهم في القضايا الكبيرة.هذا ما حدث مع بوتفليقة، ومبارك،وعلي عبدالله صالح وغيرهم.ناهيك عن البرلمانات العربية القائمة على الغش و التزوير منذ خمسينيات القرن الماضي باشراف الاجهزة الامنية ليومنا هذا.الاستبداد السياسي العربي اصل الداء و الفقر فيروس البلاء. يقول سيد الفصاحة والبلاغة سيدنا علي كرّم الله وجهه : “الفقر في الوطن غربة”،فيما ابو حيان التوحيدي يلخص المشهد بان : “اغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه”.فالمواطن العربي يعيش غربة الفقر والاغتراب في وطنه،لانه على الدوام خارج “البرواز”، وفي احسن الاحوال في طرف الصورة للتصفيق و الانتخاب ودفع الضرائب .
*** في اعقاب الحرب العالمية الثانية،ترشح ايزنهاور للانتخابات الرئاسية،حيث جال في الولايات الامريكية اثناء حملته الانتخابية،هدفه كان اقناع الناس انه مدني صالح،وليس عسكريا ناجحا فقط،وبعد فوزه حذره صديق مخلص: ” لقد كنت جنرالاً يطيع اوامره الجميع اما اليوم فانت رئيس يقاومه الجميع”. الاسوأ ما حدث مع تشرشل بطل الحرب العالمية الثانية،حيث اسقطه شعبه في الانتخابات ولم يرد له الجميل.كذلك جرى بطل تحرير فرنسا الجنرال ديغول الذي انسحب الى مسقط راسه وقال قولته الشهيرة :كيف استطيع ان احكم بلداً ياكل اهله اربعين نوعا من الجنبة؟! بينما وصيته الاخيرة: ان تكون جنازته عادية،وفعلاً اقتصرت على بضعة اشخاص.
*** في الوطن العربي الامر مختلف جداً. ” كَمِلْ جمايلك يا سيسي”.وبعد ان بُحت اصوات الجماهير في مناشدته بالترشح،ووضعت البسطار على الرؤوس، تجّمل علينا ـ عبدالفتاح ـ كي لا يجرح مشاعرنا،فخلع بزته العسكرية على مضض،لكنه قفز الى كرسي الرئاسة.الرئيس علي عبدالله صالح لم يغادر الكرسي الا بعد تشويه وجهه.حسني مبارك ضرب اسرائيل بطائرته،ودفع الشعب العربي ثلاثة عقود من الجوع والخيانة والنهب والتزوير وحكم الانجال وصفاقة مدامته سوزان ثمناً لتلك الطلعة، ولم يطلع من كرسيه الا بطلوع الروح، ولولا ثورة الشباب لقاد البلاد على كرسي متحرك ـ مثل ربعه ـ .حكايا مخجلة تذكرنا بـ افلام “الزعيم عادل امام”.
*** الغريب،كيف تقف الامة على اقدامها،وقادتها يسيرون على كراسي متحركة، و يشيلون على ظهورهم انابيب الاوكسجين كرجال المطافىء والغطاسين خوفاً ان تنقطع انفاسهم فجأة؟!. الاغرب ان الرئاسة في البلاد العربية، هي المنصب الوحيد الذي لا يحتاج الى كفاءة وخبرة ،يكفي ان تفك الخط، لانها تأتي طواعية بالوراثة او بقوة العسكر،مثل قفزات الحصان في لعبة الشطرنج، يقفز فوق الجميع،ويسير بطرق ملتوية.لذلك ونتيجة لقصور الحكام ابتدعت بطاناتهم الالقاب الرنانة لهم، كالمعتصم بالله والمتوكل على الله،لكنهم استنبطوا اليوم اسماء تتعارض مع تعاليم رب السماء،ولا تتحملها شياطين الارض:القائد الخالد،ملك ملوك افريقيا،الزعيم الاوحد،القائد الضرورة.اللافت ان ما فعله اصحاب هذه الالقاب الطنانة بالامه لم يفعله التتار ولا الصليبيون رغم وحشيتهم.
*** انتخابات الزعامات العربية،هي اشبه بالطريقة الصوفية التي تدعو للتسليم المطلق لشيخ الطريقة،فالمواطن الصالح يجب ان يكون كالميت بين يدي شيخه يُقلبّه كيف شاء و انى شاء،لان القائد/الشيخ لا ياتيه الباطل.فالقائد محصن بالحق الآلهي،والشيخ مزنر بالعناية الربانية،ومن اعترض عليهما انطرد من الجنة كابليس اللعين.ما حدث في الجزائر ليس انتخابات بل رقصة صوفية،و مراسم جنازة مؤجلة،حيث كان الاجدر ان يُحمل الرئيس على نقالة الموتى الا ان تعليمات المخرج ان يُجر على كرسيٍ متحرك كالمعاقين .
*** مسرحية الانتخابات الجزائرية ستؤدي بالضرورة الى مآلآت دموية على المدى القريب،بسبب انتشار التزوير،الفساد،الرشوة، البطالة ،التباين الطبقي الواسع،واتساع رقعة المعارضة لحكم العسكر الذين يقفون خلف بوتفليقة الفزاعة الذي لا يقوى ان يطرد عن وجهه ذبابة.بسبب هذه القيادات المهترئة، بدأت الدول العربية بالتشقق،كما في العراق،ليبيا،سوريا،السودان،اليمن،لبنان،الصومال.وجميعها مصنفة دولياً بالدول الفاشلة.ما يندى له جبين الانسانية ان الانظمة العربية تتفنن في تجويع اهلها،و لا تتورع عن ذبحهم اذا تمردوا عليها،او طالبوا بحقوقهم ثم تدعي حرصها على الحريات والديمقراطية،وحقوق الانسان .انظمة من مخلفات القرن العشرين،ليس بمقدورها مواكبة القرن الواحد والعشرين.فقد تراجع الوطن العربي حسب الدراسات العالمية 20 درجة في مستويات الحياة الآمنة،وحل في ذيل القائمة الدولية.
*** ليس عبثاً اكتساب مقدمة ابن خلدون اهمية عالمية، واهتماماً اوروبياً وصهيونياً ويابانياً،وصينياً وروسياً.السبب يعود لقدرة ابن خلدون على النفاذ الى اعماق الشخصية العربية مباشرة،وكشف المخبوء منها من دون مواربة.ففي باب الرئاسة يقول حرفياً:” العرب اصحاب “جينات وحشية” وكل واحد منهم يسعى للرئاسة ـ الزعامة ـ. ولا مخرج لهم الا الدين لانه اوامر الله المنزه عن الخطأ،والعرب اهل دين يؤمنون بالله الواحد الاحد”. فيارب:نسألك بقدرتك يا قدير، ان تاخذهم اخذ عزيز مقتدر،فهم اصل الشقاء والبلاء والغلاء،فالغالبية الغالبة من الامة اصبحت لا تملك قوت يومها،وغير آمنة في سربها .فهل يلام المواطن ان خرج شاهراً سيفه على من ظلمه،رافعاً عقيرته بوجه من اغتنى على حساب فقره،وحمل الالقاب والرتب على حساب اذلاله؟!.
مدونة بسام الياسين