أخبارمقالات وآراء
بئر الخيانة


بقلم ا.د. صلاح سلام
لم تعد الاساليب القديمة في الجاسوسية تستخدم فليس هناك حبر سري الان ولا حتى اجهزة الموريس التي كانت تستخدم في التصنت على الطرف المطلوب ولاداعي لارسال الرسائل المشفرة فالنقلة كبيرة بعد ان امتلأت السماء بالاقمار الصناعية التي تلتقط صورا للنملة داخل الصخرة والاخرى التي تنقل المعلومة قبل ان يرتد اليك طرفك ولكن كل المطلوب هو زرع اشخاص في الوطن المستهدف يقومون بمهامهم الطبيعية ولكن وفق اجندة خاصة لها منتج نهائي تم اعداده وفق سيناريوهات مختلفة مثل الدفع بشخص محدود الافق ليكون في الصف الاول يقود الجموع بعد اعداده جيدا وامداده بمعلومات تخدم الهدف المطلوب من معاونيه الذين تم تجنيدهم ايضا ….وضع طبيب فاشل في الصدارة كافي لهدم المنظومة الطبية بحيث تكون لديه القدرة على تسويق مايفعله على انه اعجاز فهذا نوع من هدم اركان الدولة …او مهندس يخطط فيصب ميزانية الدولة في مشروعات لاتجدي نفعا وحوله من يدعي انه ملهم وان مايفعله يدخل دائرة العبقرية…واعتلاء منظومة التعليم لذوي الافكار الرجعية والترويج لها انها احدث النظم كاف لهدم اهم مؤسسة تنتج اجيالا مفترض ان يكونوا هم وقود الدولة المستقبلي في البناء والتقدم… واعلامي مأجور او باع ضميره او تخلى عن وطنيته بدعوى انها موضة قديمة… بشرط ان يتحلى بالقدرة على الاقناع ليبث السم في العسل فيوحي الى مستمعيه انه عالم ببواطن الامور وان مصادره هي الاقوى على الاطلاق فهذا يكفي لتضليل الملايين بعد ان يلبس الباطل غلالة من الحق فتبدوا تسر الناظرين…ان هدم الرموز الوطنية خيانة للوطن والضمير وتزييف للتاريخ وجريمة في حق الأجيال الحاضرة واللاحقة يتشارك فيها كل من كتب بقلمه وهو يعلم انه يكتب من اجل المال وليس من اجل الحق والعدل والفضيلة وأخر فنان رسم بفرشته او بلحنه او بموهبته عبر المسرح أو السينما فقدم مضمونا يفت في عضد ثوابت راسخة هي كالجبال الراسية وان اهتزت تكاد الارض ان تميد بساكنيها فالزعيم جمال عبد الناصر له اخطاؤه ولكن التركيز عليها وترك ايجابياته التي شهد بها اعدائه قبل اصدقائه هو هدم ممنهج للتاريخ وقد دأب على ذلك ثلة من الكتاب واقنعوا الحيل الجظيد انه سبب مشاكل العرب… ونقد الشيخ الشعرواي ومحاولة تصدير فتاوى لم تواكب التقدم الحضاري او الطبي كزرع الكلى مثلا هو تقليل من قيمة الرجل وغزير علمه وفقهه فليس من المنطق دحض الاف الاطروحات الايجابية امام فتوى واحدة او اكثر لم يكونوا على مستوى الحدث علما بأن الامام الشافعي غير اكثر من نصف ماتضمنه كتاب الرسالة بعد ان هبك مصر وتأثر بفقه الليث ابن سعد الفقيه المصري الذي خذله تلامذته فلم يسجلوا تراثه وعلمه علما بأن الشافعي كان تلميذ الامام مالك وقت اقامته في المدينة المنورة… ومحاولة تصوير ان صلاح الدين لم يكن بطلا ولم يحرر القدس هو تشويه لموروث تاريخي علق في ذهن الاجيال كابر عن كابر… وتصوير احمد عرابي على انه سبب الاحتلال الانجليزي لمصر واغفال ماكتبه المؤرخ ميخائيل شاروبيم الذي عاصر الثورة العرابية هو هدم للثوابت الوطنية حتى العامة كانوا يقولون لولا الولس”الخيانة” لنجحت ثورة عرابي…والقول بأن سعد زغلول كان يلعب القمار ونترك كفاحه ونفيه وقيادته لثورة فتحت لمصر نافذة على الاستقلال بعد عقود من الاحتلال وتوجت كفاح اجيال وصولا الى وضع اول دستور لمصر فتح الطريق لتحرر وطني كامل فيما بعد… ولاشك ان كل صاحب قلم يعرف الغث والسمين ولكن ايضا هناك من يعرف من اين تؤكل الكتف… بيد أن التاريخ لم يخلد احد منهم فلم يكن تولستوي ولا تشيخوف ولا شكسبير ولا نجيب محفوظ ولا يوسف ادريس ولا توفيق الحكيم ولايحى حقي اي منهم مأجورا او يكتب لصالح كائن من كان ….فكل كان يكتب باسم ضميره متصالحا مع ذاته ووطنه فكل من باع الوطن خائن والبيع له اشكال والوان شتى بضميره او بلسانه او بموهبته او حتى بسكوته وهو اضعف الايمان …ذكر التاريخ عمر المختار ولا احد يعرف من اعدموه ولامن عذب البطلة جميلة بو حريد …اذا اردت ان تهدم وطن فقلل من قيمة رموزه وشكك في اي قدوة اتخذتها الاجيال نموذجا ..اضرب كيان الاسرة في هيكلها …اجعل التعليم في مؤخرة الاهتمامات ..تسليط الضوء على كل ماهو تافه ليكون هو نجم نجوم المجتمع وسخر له من يروج لذلك من حملة المباخر…وهذا هو ملخص كتاب صناعة التفاهة للكاتب الكندي آلان دونو الذي فند كيف يتم تصدير كل السفاسف وصناعة الوهم انها الروعة بجنود مجندة من اجل هذا الهدف فتصبح هي غاية المنى للاجيال فيضمحل الهدف وتسطح الافكار … واخيرا اقول ان الولايات المتحدة لم تحتاج لقنابل نووية ولا صواريخ عابرة للقارات لهدم الاتحاد السوفيتي ولكن فقط ساعدت الرجل الذي جندته ان يصل الى قمة السلطة “جور باتشوف” بعد ان زرعت في كل مؤسسة جورباتشوف صغير فانهارت اركان الامبراطورية التي كانت تقف لامريكا بالمرصاد وتحافظ على التوازن العالمي لدرجة ان المنتجات النووية اصبحت تباع على قارعة الطريق كسلال البرتقال وتفككت الى دول صغيرة وانفض حلف وارسو الذي كان ندا لحلف الناتو ولولا ان جاء بوتين ليلملم ماتبعثر ويحافظ على روسيا وهي اقل ماتبقى من المعسكر الشرقي لبيعت الرجال في سوق النخاسة بعد ان استبيحت النساء واصبحوا تجارة رائجة في بلاد الغرب بل حتى في دول العالم الثالث….ان الضمير الانساني والوطني اذا كان حيا فلا ولن يقبل ان يستباح اي من رموزه ولا آثاره ولا حتى طقوسه فالقادح خاسر فلن يضيف ولن يفيد وبئس مافعل وإن تعددت اشكال الخيانة ومهما تقاضى من اموال…فالسقوط هو المصير…المال لايصنع مجد ولايغسل العار…وفي البئر متسع لكل هؤلاء .



