عالم فلكي : بابا نويل إماماً للأوقاف .. والأزهر سفينة للحب !!
انتبهت ‘الجزيرة’ متأخرة إلى فيلم ‘البريء’، وقدمته في نشرة إخبارية حتى تذكَر ‘بفضائل’ الاستبداد الأصيل، والتي كانت ترتكب خلال هذه الحقبة الطويلة. للفيلم قصة في الإنتاج والإخراج والموافقة الرقابية العسيرة، فقد أجبر مخرجه عاطف الطيب على إبدال نهايته ‘الإخوانية’ إلى نهاية صوتية.
هاني رسلان ومجدي حمدان وياسر الهواري ممثلو الانقلاب في ‘الجزيرة’ ماهرون في تحويل الحبال إلى ثعابين، فهي مهنة مصرية من أيام فرعون موسى، وقد ردّ هاني طرزان بجواب حاذق على عبد الصمد، وهو أنّ فيلم البريء لا يمثل مصر، إنما تمثله أفلام أخرى مثل فيلم ‘الإرهابي’ وفيلم ‘الكباريه’.
في فيلم ‘الإرهابي’ يهتدي عادل إمام من ‘ظلمات’ السلفية الإرهابية الإسلامية إلى نور العلمانية المبين على يد عائلة غنية. الفيلم الثاني أقل استئصالية، ويقف موقفاً أقل جذرية، ويرصد تحولات المجتمع المصري، وينتصر لما يسمى بالتدين الشعبي، الذي يمثله أحمد بدير، وهو نادل تقي لا تفوته صلاة في الكباريه! أحمد بدير يجسد مقولة ‘الدين لله والكباريه للجميع′! يكون الناجي الوحيد من التفجير الانتحاري لأنه الجامع بين الدنيا والآخرة!
الأفلام الثلاثة رؤى بشر، لهم أهواؤهم وعقائدهم، وتبين بعض تحولات وآراء الكتاب والفنانين في المجتمع المصري، فيلم ‘الإرهابي’ لم يعان من رقابة أبداً، ولا فيلم ‘الكباريه’ طبعاً، والدولة الموقرة كانت تشجع نوعاً من الفن، فليس الدين وحده أفيون الشعوب، مهما يكن فصندوق الاقتراع، الذي كفنوا فيه جثة الديمقراطية كان لازماً أن يكون.. الحَكَم والفيصل. الانقلاب قتل لاعبي الفريق الآخر وغدر بالحَكَم بتهمة أكل العشب.. مش خرفان.
مذيعو ‘المكاغاة’!
أحيانا يبدو الأسى والغيظ على محيا عبد الناصر عبد الصمد، وبدرجة أقل على عثمان آي فرح، ليس بسبب الإكثار من أكل السمك والكافيار، الأسى والغيظ يكادان يتحولان إلى حمى. محمد كريشان أكثر ترويضاً لأعصابه، ربما يتعاطى عقاراً طبياً من صيدلية الحِلم، فلا يستحلف أحداً بالله، كما فعل عبد الناصر مرة مع المفتي أحمد حسون عندما سأله عن المظاهرة وحكمها. ضبط الأعصاب مع أمهر بهلوانات الكلام والحيل اللفظية، نكران عاطفة الغيرة على الحق.. كلها اسمها في أعراف الإعلام: قواعد المهنة.
يخشى المشاهد الذي من طينتي ودفعتي على أعصاب جمال ريان عندما يحاور أحد شبيحة الانقلاب المصري، وأضع يدي على قلبي خوفاً على جنوح السفينة وتمزق الأشرعة، فهو سائق ضعيف المهارة إلا في الأتوسترادات الدولية، لكنهم جميعاً يحافظون على قواعد المهنة، ويشكرون الضيف الشبيح على حسن دفاعه عن الجريمة ودجله وافترائه، ومساواته بين أعمال السيادة وجرائم البيادة وقلب الحق باطلاً.
يسأل عبد الصمد ممثل حزب ‘الكرامة’ عبد العزيز الحسيني عن سحل فتاة من قبل جرافات الداخلية البشرية، فينكر أنه شاهدها مع أنها مرفقة بصرياً بالتقرير! لا يدعي أنها مفبركة أو أنها لو صحت لصام عشرين يوما! يحاول المذيع جاهداً إيقاظ ضمير ضيفه الانقلابي واللحاق بالبوق لباب الدار عملاً بالمثل الشهير.. لكن ليس للكذاب دار. عنده مفاتيح كل الدور. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِم وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ..
في العدوة الأخرى، يتهم الانقلاب الإخوان بخلط الدين والسياسية، ثم يخرج بعد ساعة على فضائية أخرى متهماً الإخوان بأنهم طلاب منصب؛ ‘فلم يذكروا آية قرآنية واحدة في أحاديثهم الفضائية’، يتهم الإخوان أيضاً باضطهاد الحريم وحبسهن في البيوت، ثم بعد دقائق يتهم الانقلابيين بإخراج المرأة من البيت للمظاهرات في وجه أجهزة الأمن، التي تضطر الى سحلها في الوقت الذي يجب أن تلزم المرأة المصرية دارها كما أمر الله!
يبالغ المذيع المصري أحمد موسى في إظهار أقوى عواطفه، وهي دموع التماسيح الحنونة، أو دموع البصل الدرامية، يبكي كأن عنزة قد نطحته، مذيعة أخرى تحمل الكفن، مذيعة مصرية انقلابية ثالثة تهيم بالسيسي حباً كما هامت ليلى بقيس.. أيها القارئ: ما اسم أقدم مهنة في التاريخ؟ !
أنصار بيت السيسي
أغلب الظن أن أنصار بيت المقدس كومبارس كلفوا بتصوير المشهد، ولا يمكن التحقق من مصدر الفيلم ولا من شخصياته، فهم ملثمون. في السياق نفسه، يقول أحد الضباط الذين استضافتهم فضائية ‘الحوار’ انهم إبان أحداث الجزائر لبسوا لحى في الجزائر وقتلوا سبعة مدنيين، وكتبت الصحف وقالت الإذاعات انهم إرهابيون إسلاميون. ‘الإرهاب الإسلامي’ تهمة لها أدلة جنائية مثل اللحية، التوحيد، زبيبة الصلاة!! يستغرب المشاهدون الذين هم من طينتي ودفعتي استغاثة الفنان الكوميدي محمد صبحي بالسيسي لإغلاق مصر وقتل كل الإرهابيين. عادل إمام، في مكالمة طلب الشيء نفسه. لم يطالب فنان واحد حتى الآن بإجراء تحقيق نزيه حول رابعة، أو تفجير المنصورة!
فضائيات ‘بابا نويل’
‘الشيطان يعظ’ على فضائيات الانقلاب وينشد مثقفوها وإعلاميوها ونخبتها أغنية وهي أنّ مصر تشبه أمريكا، ويطالبون السيسي بأن يقتدي بالقائد المظفر والأسوة الحسنة جورج بوش، وأن يعتقل لمدة ستة أشهر من غير محاكمة، وأن يحوّل مصر إلى تورا بورا وقد فعل.
النشيد الثاني هو أن حرائر الإخوان يشبهن ‘ريا وسكنية’، وأن رولا خرسا ولميس الحديدي تشبهان رابعة العدوية والماما تيريزا ، وأن الهام شاهين أطهر نساء العالمين!
وفي الحالتين لا يقدمون دليلاً، فالبرجان اللذان ضربا في مصر هما برج رابعة وبرج الديمقراطية. السيد مجدي حمدان يكرر جملة ثابتة وهي ‘صحيح القانون’، وقد ذكرني هذا بقول شهير لصدام حسين عندما تقدم إليه مواطن عراقي نصف أعمى متشفعاً طالباً منه شهادة سياقة سيارة حرم منها بعلة ضعف نظره فأخذ الورقة ووقع عليها وقال: ما هو القانون، القانون ورقة يوقع عليها صدام حسين !
وكان لطيفاً أن يشير حاتم عزام أن الانقلاب يقتدي بأسوأ ما عند الأمريكان، وفيهم فضائل كثيرة، احداها أن جورج بوش هجم على الأفغان لا على واشنطن!
الحرب على القرضاوي
‘صدى البلد’، أطلق استفتاء، استبق نتائجه متوقعا أن أسوأ شخصية في مصر ستكون من نصيب القرضاوي! في استفتاء آخر تبين أن وزير الداخلية وزير ناجح، وأن هشام قنديل سيىء، الاستفتاء يدغدع مشاعر المشاهد، فقد أقرّ بأنّ الببلاوي رئيس وزراء فاشل! استفتاءات فضائيات الانقلاب تشبه استمارات تمرد!
فضائيات الانقلاب كلها أغان ورقص. و’بابا نويل’، يتجول بين الكواكب وينزل من السماء على أجنحة الوعول الطائرة حاملاً التبرعات لخير أجناد الأرض. الشيخ مظهر شاهين يطالب بإدراج آية حد الحرابة في ‘صحيح القانون’ وتطبيقها على الاخوان، وعالم فلكي كبير يتوقع أن يتحول الأزهر إلى ‘سفينة الحب’ ، وأن تقطع حسناوات مصر أيديهن حباً وغراماً بالجنرال الذي أوتي شطر الحسن.
الحقوه لباب الدار، التي لها سبعة آلاف باب، إن استطعتم!
عن القدس العربي