مقالات وآراء

فرحة النصر تحت الاحتلال

بقلم الدكتور صلاح سلام

لم يكن يوم 6 اكتوبر 1973 يوما عاديا فى تاريخ الامة العربية عامة وفى تاريخ مصر خاصة… ولكنى اليوم سأتحدث بعقل وقلب من شهد الحدث وهو يعيش فى سيناء تحت الاحتلال الاسرائيلي وكيف انتفضت قلوبنا فرحا واشرأبت رؤسنا تيها ونحن على اعتاب الشباب وانطلقت الزغاريد من الامهات اللاتى اقتطعت من ارحامهم فلذات اكبادهم اما استشهادا او اعتقالا او غربة فاختلطت الدموع بالصيحات…. الله اكبر… الله اكبر… اخيرا سنتخلص من الكابوس اخيرا سنعود الى وطننا نعم سنعود من الأسر فقد طال الانتظار فقد حكى لنا كبارنا انه فى حرب 1956 لم يدم الاحتلال الاسرائيلى لسيناء الا اربعون يوما وخرجوا يجرون اذيال الخيبة… اما هذه المرة فقد طال بنا الانتظار وبرغم المقاومة الشعبية التى امتدت الى سنوات بعد الاحتلال الا ان السنوات طالت وامتدت… ففى عصر هذا اليوم الرمضانى الذى كان السوق فى مدينة العريش يكتظ بالبائعين والصائمين يلتقطون منه ما تيسر ولان منزلنا يقع فى وسط المدينة وتجارة اخوتى فى السوق الرئيسي فقد سجلت ذاكرتى المشهد حيث التصقت اذان البائعين وزبائنهم بالمذياع ولان الصوت كان قريبا من قلوبهم فهو صوت ابن سيناء الراحل حلمى البلك الذى اذاع البيان الاول الى ان جاء البيان الخامس بصوته ايضا فى حوالى الساعة الخامسة مساءا وهو بيان النصر فلم تكن الفرحة فقط ان حرب استرداد الارض قد بدأت ولكن ها هو بيان النصر فقد عبرت قواتنا قناة السويس ودمرت واقتحمت النقاط الحصينة بطول القناة… يا له من حلم طال انتظاره يتحقق ليزيل عن رقابنا نير الاحتلال وهاقد لاحت رايات النصر وقاربت خيوط الفجر تمحق ليل طال… الفرحة لايمكن ان تداريها وبرغم دوريات الاحتلال التى كانت تجوب الشوارع فقد انطلقت الاغانى الوطنية من اجهزة الراديو فى كل المحلات وعلى غير العادة لم تغلق المحلات ساعة المغرب ليعودوا الى منازلهم لتناول الافطار فقد افطر السوق كله بالباعة الجائلين ومن يفترشون الارض يبتاعون نتاج مزارعهم الصغيرة فى افطار جماعى على غير موعد وكما يقول اولاد البلد “على ما قسم “وفى مشهد يستحق ان ترسمه لوحات بيكاسو او تنقشهاصابع دافنشى ترى الراكب قد ترجل والسائر قد توقف وتسمر الجميع وكأن الكون قد توقف عند موجات الاثير من راديو القاهرة…. والغريب فى الامر ان الناس لم تكن تخشى الغد كما تعودنا فى الحروب وخاصة ان النيران ليست بعيدة فهى على ارض سيناء فلم يتكالبوا على تخزين الطعام والشراب بالعكس فقد زادت اللحمة الوطنية والتكاتف والتألف وكأن النصر قد القى بظلاله على النفوس ومرت الساعات والايام تتراقص من نشوة الانتصار الى ان بدا الجسر الجوى الامريكى والانزال على شاطئ العريش والحشد الاسرائيلي وانطلقنا بعقول الصبية نحاول عرقلة مرور السيارات و المدرعات على طريق العريش القنطرة بان نضع الواح خشبية مليئة بالمسامير او بعض جذوع النخيل ومجموعة اخرى كانت تزرع خوازيق حديدية على خطوط الامداد وقد شجعناعلى ذلك حالة الذعر التى كنا نشاهدها على جنود الاحتلال فقد كان منهم من يعطل مركبته ليجلس بجوارها حتى لا يذهب الى الخطوط الامامية وعلى صعيد اخر كان هناك مجموعات تحاول تقديم العون للاسر من المواد الغذائية فى صورةاكياس من الدقيق نقوم بتوصليها على الدراجات لانحاء المدينة ولم نكن نعلم ان اكياس الدقيق التى نحملها على الدراجات لتوصيلها الى منازل معينة بعضها كان بداخله اجهزة لاسلكى… فقد كان هناك مجموعتين على اتصال مباشر بجهاز الاستطلاع والمخابرات الحربية لنقل كل ما يدور من قبل الحرب واثناءها وحتى لا يستطيع العدو الاسرئيلي اكتشاف اماكن الاجهزة من خلال الترددات حيث كانت هناك دوريات راجلة تجوب شوارع العريش فكان لابد من تغير اماكن اجهزة اللاسلكى …. هذا كله لم نعرفه الا لاحقا بعد توقف الحرب والقبض على ابطال الخليتين ثم القبض على مجموعة منا وهذا يحتاج الى سرد اخر فى وقت لاحق انشاء الله…. سلاما على روح الشهداء وتحيه واجبة لابطال النصر وفهود العبور العظيم فى يوم توقف التاريخ له فخرا واجلالا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى