المنظمة العربية

طالبان كابول

د.عادل عامر

منذ بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001 عقب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، أنفقت الولايات المتحدة 83 مليار دولار لبناء جيش يعكس صورة واشنطن ويحقق هدف العملية العسكرية في البلاد، مع التركيز بشكل كبير على الدعم الجوي وشبكة الاتصالات، علما بأن 30 بالمئة فقط من سكانه يتمتعون بشبكة الكهرباء على مدار اليوم.

طائرات، مروحيات، طائرات مسيّرة، سيارات مدرعة ونظارات الرؤية الليلية، لم تتوان الولايات المتحدة عن تجهيز الجيش الأفغاني أبدا. كما سلمته مؤخرا طائرات هليكوبتر حديثة من طراز “بلاك هوك”. جرى توفير كل هذا الإمداد الهائل مع تجاهل الأمريكيين لحقيقة أن غالبية الجنود الأفغان أميون، مع افتقار البلاد إلى البنية التحتية اللازمة لصيانة مثل هذه المعدات والتكنولوجيات

سيطرت حركة طالبان على أفغانستان، بعد ما يقرب من 20 عاماً على الإطاحة بها من قبل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة. وشجعهم انسحاب القوات الأمريكية على التقدم بوتيرة أسرع، وهم الآن يسيطرون على جميع المدن الرئيسية، بما في ذلك العاصمة كابل.

وسيطر مقاتلو طالبان في وقت متأخر من يوم السبت 14 أغسطس على مزار شريف، آخر معقل للحكومة الأفغانية في شمال أفغانستان التي كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة. وفي 15 أغسطس سيطروا على مدينة جلال أباد شرقي كابل لتنضم إلى المدن الرئيسية الأخرى الخاضعة لسيطرة طالبان مثل قندهار وهرات.

تشمل المناطق التي تتمتع فيها الحركة بالنفوذ معاقلها التقليدية في جنوب البلاد والجنوب الغربي، مثل أقاليم شمال هلمند وقندهار وأروزغان وزابول. ولكن أيضاً في التلال الواقعة في جنوب فارياب في الشمال الغربي وجبال بدخشان في الشمال الشرقي.

وأظهر مسح أجرته بي بي سي في عام 2017 ، أن حركة طالبان كانت تسيطر بشكل كامل على عدد من المناطق. لكن البحث أظهر أيضاً أنها كانت تنشط في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد وشنّ مسلحوها هجمات منتظمة بشكل أسبوعي أو شهري في بعض المناطق، مما يشير إلى أن قدراتها كانت أكبر بكثير من التقديرات السابقة. وتفيد التقارير أن حوالي 15 مليون شخص، أي نصف عدد سكان أفغانستان، يعيشون في مناطق إما تسيطر عليها طالبان أو حيث للحركة وجود علني وتشن هجمات منتظمة فيها على القوات الحكومية.

ويأتي هجوم كابول وتهديدات طالبان بالعنف خلال الانتخابات بعد أيام قليلة فقط من الجولة الأخيرة من محادثات السلام بين طالبان وممثلي الولايات المتحدة التي عقدت في قطر خلال عطلة نهاية الأسبوع. وأفادت التقارير بأن كلا الجانبين قد أعلنا عن إحراز تقدم نحو اتفاق من شأنه أن يشهد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان – في مقابل الحصول على ضمانات من طالبان لوقف عمل القوات المعادية للولايات المتحدة داخل البلاد – والبدء في التفاوض مع الحكومة الأفغانية على وقف إطلاق النار في نهاية المطاف. وكانت “طالبان” قد سيطرت في الأيام الماضية على معابر حدودية استراتيجية مع دول الجوار. وبعد سيطرتها الشهر الماضي على معبر شيرخان الاستراتيجي الحدودي مع طاجيكستان، تمكّن مقاتلوها من السيطرة على معبر تورغوندي الحدودي مع تركمانستان، ومعبر إسلام قلعة الحدودي، أكبر معبر تجاري مع إيران. وتعهّدت “طالبان” بأنّ تبقى كل الحدود الواقعة تحت سيطرتها مفتوحة وعاملة، وزارت وفود من الحركة إيران وروسيا التي تملك وجودا عسكريا في طاجيكستان لطمأنتهما. نشرت الحكومة الأمريكية على مدار أعوام تقارير مفصلة عن حجم الفساد المستشري داخل صفوف قوات الأمن الأفغانية. وكيف كان القادة يقدمون بشكل منتظم على نهب الأموال المخصصة لقواتهم، وقيامهم حتى ببيع الأسلحة في السوق السوداء، وأيضا الكذب فيما يتعلق بعديد الجنود. واعتبرت صحيفة واشنطن بوست ههنا، بأن حركة طالبان قد استفادت بشكل مباشر من هذا الفساد.

وحتى قبل شنهم هجومهم في نهاية مايو/أيار 2021، مارست طالبان بشكل ممنهج عملية تهدف إلى تقويض السلطة في المناطق الريفية عبر البلاد. حتى إنهم أبرموا صفقات قدمت على أنها وقف لإطلاق النار، مع سلسلة من الأفراد تتراوح بين الجنود والمسؤولين المحليين وصولا إلى المحافظين. كما أقدم المقاتلون الإسلاميون على عرض المال مقابل تسليم القوات الحكومية السلاح، ثم في مقابل الاستسلام السريع وعدم مقاومة زحفهم.

كل هذه الظروف منحت طالبان أرضا خصبة، خصوصا في أوساط الجنود الحكوميين، الذين وبعد أن كانوا يتلقون رواتبهم لسنوات من قبل البنتاغون، شرع الجيش الأمريكي منذ الإعلان عن نيته الانسحاب في منتصف أبريل/نيسان، في دفع تلك الأموال إلى الحكومة في كابول. وأدى ذلك حسب ما ورد في العديد من الشهادات التي نشرها جنود أفغان على منصات التواصل الاجتماعي، إلى عدم تسلمهم رواتبهم منذ أشهر عدة، وحتى إنهم لم يتلقوا الطعام أو الذخيرة.

يضاف إلى كل هذا، إدارة أشخاص مدنيين للقصر الرئاسي ليس لديهم خبرة عسكرية، وجنرالات مسنين متورطين في صراعات سياسية لا طائل منها، عوض عن المساهمة في خوض الحرب.

ويشرح فريديريك غار “لقد شكل إعلان الانسحاب أثرا غير محفز لتعبئة” الجنود. مضيفا أن “احتمالية القتال من أجل حكومة فقدوا كل الثقة فيها، لم يكن مشجعا لهم للغاية. لقد سقطت معظم المدن بدون قتال“.ويفسر غياب حافز التعبئة للقوات وتفشي الفساد، نجاح مقاتلي طالبان في السيطرة على أفغانستان بدون أن يقاتلوا، وخصوصا سقوط القصر الرئاسي في كابول، الذي دخله المتمردون في 15 أغسطس/آب بدون أي قتال، بعد أن اختار الرئيس الأفغاني أشرف غني الفرار من البلاد.

استلم الملا هيبة الله أخوند زاده قيادة حركة طالبان في أيار/مايو 2016 أثناء انتقال سريع للسلطة بعد أيام على وفاة سلفه أختر محمد منصور الذي قُتل في غارة لطائرة أمريكية مسيرة في باكستان. قبل تعيينه، لم يكن يُعرف سوى القليل عن أخوند زاده الذي كان اهتمامه منصبا حتى ذلك الحين على المسائل القضائية والدينية أكثر من فن الحرب.

ويتمتع عالم الدين هذا بنفوذ كبير داخل حركة التمرد التي قاد الجهاز القضائي فيها، لكن محللين يرون أن دوره على رأس طالبان سيكون رمزيا أكثر منه عمليا. وأخوند زاده هو نجل عالم دين وأصله من قندهار قلب منطقة البشتون في جنوب أفغانستان ومهد طالبان. وقد بايعه على الفور أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة. وقد أطلق عليه المصري لقب “أمير المؤمنين” الذي سمح له بإثبات مصداقيته في أوساط الجهاديين. تولى أخوند زاده المهمة الحساسة المتمثلة بتوحيد طالبان التي مزقها صراع عنيف على السلطة بعد وفاة الملا منصور وكشف عن إخفائها لسنوات وفاة مؤسسها الملا محمد عمر.

وتمكن من تحقيق وحدة الجماعة وكان يميل إلى التحفظ مكتفيا ببث رسائل سنوية نادرة في الأعياد الإسلامية. نشأ عبد الغني برادر في ولاية أرزغان في قندهار. وهو أحد مؤسسي حركة طالبان مع الملا عمر الذي توفي في 2013 لكن لم يكشف موته إلا بعد سنتين. على غرار العديد من الأفغان، تغيرت حياته بسبب الغزو السوفياتي في 1979 وأصبح مجاهدا ويُعتقد أنه قاتل إلى جانب الملا عمر.

عقب التدخل الأمريكي وسقوط نظام طالبان عام 2001، قيل إنه كان جزءا من مجموعة صغيرة من المتمردين المستعدين لاتفاق يعترفون فيه بإدارة كابول. لكن هذه المبادرة باءت بالفشل.

وشغل الملا برادر منصب القائد العسكري لطالبان عندما اعتقل في 2010 في مدينة كراتشي الباكستانية. وقد أطلق سراحه في 2018 تحت ضغط من واشنطن خصوصا. ويلقى برادر احتراما لدى مختلف فصائل طالبان ثم تم تعيينه رئيسا لمكتبهم السياسي في العاصمة القطرية الدوحة.

من هناك، قاد المفاوضات مع الأمريكيين التي أدت إلى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان ثم محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي لم تسفر عن شيء. سراج الدين حقاني هو نجل أحد أشهر قادة الجهاد ضد السوفيات جلال الدين حقاني. وهو الرجل الثاني في طالبان وزعيم الشبكة القوية التي تحمل اسم عائلته.

تصنف واشنطن شبكة حقاني التي أسسها والده إرهابية وواحدة من أخطر الفصائل التي تقاتل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في العقدين الماضيين في أفغانستان. وشبكة حقاني معروفة باستخدامها العمليات الانتحارية، ويُنسب إليها عدد من أعنف الهجمات في أفغانستان في السنوات الأخيرة.

وقد اتهم أيضا باغتيال بعض كبار المسؤولين الأفغان واحتجاز غربيين رهائن قبل الإفراج عنهم مقابل فدية أو مقابل سجناء مثل الجندي الأمريكي بو برغدال الذي أطلق سراحه في 2014 مقابل خمسة معتقلين أفغان من سجن غوانتانامو. ومقاتلو حقاني المعروفون باستقلاليتهم ومهاراتهم القتالية وتجارتهم المربحة، هم المسؤولون على ما يبدو عن عمليات طالبان في المناطق الجبلية في شرق أفغانستان، ويعتقد أن تأثيرهم قوي على قرارات الحركة.

الملا يعقوب هو نجل الملا محمد عمر ورئيس اللجنة العسكرية التي تتمتع بنفوذ كبير في طالبان حيث تقرر التوجهات الاستراتيجية للحرب ضد الحكومة الأفغانية. ويشكل ارتباطه بوالده الذي كان مقاتلو الحركة يبجلونه كزعيم لحركتهم، عامل توحيد لحركة واسعة ومتنوعة إلى هذا الحد

 مع ذلك، ما زال الدور الذي يلعبه داخل الحركة موضع تكهنات. ويعتقد بعض المحللين أن تعيينه رئيسا لهذه اللجنة في 2020 كان مجرد إجراء رمزي. ومن بين ما يقرب من 145 مليار دولار أنفقتها الحكومة الأميركية على محاولة إعادة بناء أفغانستان، تم تخصيص حوالي 83 مليار دولار لتطوير ودعم قوات الجيش والشرطة، وفقا لمكتب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، وهو جهاز رقابي أنشأه الكونغرس وتتبع الحرب. وبالإضافة لمبلغ 145 مليار دولار، أنفقت أميركا 837 مليار دولار في خوض الحرب في أفغانستان، التي بدأت بغزو في أكتوبر 2001  ويعتبر مبلغ 83 مليار دولار المستثمر في القوات الأفغانية على مدى 20 عاما، هو ما يقرب من ضعف ميزانية العام الماضي لكامل مشاة البحرية الأميركية، وهو أكثر بقليل مما خصصته واشنطن العام الماضي لمساعدة قسائم الطعام لنحو 40 مليون أمريكي خلال أزمة كورونا.

وفي نهاية الأمر، استثمار عشرات المليارات، سيصب في صالح حركة طالبان، التي ستستفيد من كل الأسلحة والطائرات والمراكز والتجهيزات، لترسم فصلا جديدا “مرعبا” في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى