مقالات وآراء

كيف تبدو العبودية أمرا طبيعيا؟!

د.أماني فؤاد
تتبدى خطورة الخطابات المقدمة حول المرأة فى مجتمعاتنا، والتى نرجو القطيعة معها، فى أنها تجعل النساء ذاتهن متورطات فى استنبات تلك الثقافة الذكورية وتوريثها، فهن منغمسات فى خطاباتها غير العادلة قلباً وقالباً، وكأن تلك  قد انتقلت إلى تكوينهن الجينى وليس الثقافى العميق فحسب، فهن بلا وعى يقمن بحراسة تلك الثقافة، وهن أكثر ضراوة فى الدفاع عنها من الرجل نفسه، أو بالأحرى يجعلهن الرجل فى صدارة من يقاوم أى تغيير فى المنظومة الاجتماعية التى تهدف صالحهن.
إن تعميم التصور الذكورى النفعى للمرأة قد أصاب كيانها الإنسانى الحر فى مقتل، فقد صدقت- مع الوقت- ادعاءات الرجل وقزّمت وجودها وفق ما يقول، وبالتالى فقد جعلت إرادته واختياراته قبل إرادتها واختيارها، لقد سلب الرجل من المرأة ولايتها على جسدها وروحها أولا، فجعل مجمل كيانها على التقريب عورة، متصورا أنه بهذا يحافظ على ما يملك فى الظل، فرض «الحجاب والنقاب، وعورة الصوت، ضرورة تغطية الجسد والوجه لدى بعضهم، التعتيم عليها بلا عمل» حتى أوشك أن يحصر علاقته بها فى منطقة الملكية الخاصة لا الشراكة، ثم أضفى على ما فرض ادعاء مسحة القداسة، ثانيًا عضد خطاباته بدعوى الحفاظ عليها وصونها، ثم جاءت تفسيرات الفقهاء الرجال لتكمل منظومة التعتيم، واستندوا إلى المرويات الضعيفة الموضوعة غالبا، لتوطد هيمنة الذكورية. لقد ربى المجتمع المرأة على أن عبوديتها أمر طبيعى، بل إن بعضهن ترى أن غطرسة الرجل وتحكمه فيها جزء من جاذبيته، فنجد بعضهن يقبلن بالضرب أو الإهانة والسخرية ويعتبرن هذا نوعا من العلاقات الطبيعية ولا يجدن فيها غضاضة. ويجدر بالنساء إدراك أن الحقوق لا تُمنح، وأن الرجل لن يتنازل عن مكاسبه التى أخذها ظلمًا مهما ادعى التنوير، فلا تكونى رهنا لعطاياه وما يمنحه لك من حقوق تفضلاً. على المرأة أن تحافظ على كيانها الحر، أن تقدرى ذاتك وتحترميها، أن تأتى أفعالك لتتسق مع اقتناعاتك وعواطفك دون أمر أو إرغام، تحررى اقتصاديا، ولا تتنازلى عن عملك تحت أى ضغط، كيانك الإنسانى مُكرّم ولا يمكن أن تكونى عورة على الإطلاق، يعد مظهر المرأة جزءاً مكملاً لشخصيتها وتكوينها العقلى والنفسى، فلتكونى أنت نفسك. ولتدركى أن كل ما يتعلق بالعمل فى المنزل وتربية الأولاد هو مسؤولية مشتركة بين طرفى العلاقة، فليس من المقبول أن تعودا معا من العمل لتبدأ رحلتك مع المعاناة فى خدمة البيت والأولاد، ليجلس هو على الإنترنت مع أصدقائه. على كل سيدة أن تدرك أن المرأة تمثل جانبا من حياة الرجل ضمن جوانب أخرى متعددة، مثل: تحققه فى عمله وطموحات نجاحه، حياته الاجتماعية: أسرته وأنشطته، اهتمامه بالقضايا العامة. وحين يشعر الرجل والمجتمع ككل أن المرأة فى المقابل قد وضعت الرجل بحياتها فى الحيز والمساحة المتوازنة دون استحواذه على كل مساحات اهتماماتها لصارت العلاقة أكثر توازنًا، ولغادرت منطقة أن يكون أحد الطرفين منسحقًا يلهث وراء رضاء الآخر، ويوقف عالمه فى حدوده، ولصارت الحياة شراكة بينهما، ولسوف يتضح تهافت وخطأ مقولات وخطابات كثيرة رسّخت فى اللاوعى الجمعى مكانة متضخمة للرجل. حيث شكلت تلك المقولات خطاب استعلاء رسخته الثقافة الذكورية غير العادلة. هيمنت قوة الرجل العضلية، ثم وهبه الدين برسالاته وكهنته من الرجال سمت القداسة حتى وصل إلى اقتران مدى رضا الرب أو غضبه عن المرأة بمدى طاعتها للرجل، ووضعها فى مرتبة الخادم لكل أهوائه، حتى لو بات غاضبًا عليها فسوف تغضب السموات والأرض لغضبه. وتلك خطابات لا يمكن أن تصدر من الله، فهى غير عادلة، ولا تتضمن أى نوع من المساواة فى العلاقة، بل تجعلها علاقة خادم ومخدوم، ويتنزه الرب بالقطع أن يصدر عنه هذا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى