مقالات وآراء
صابون الميزان وحلاوة زمان
أ.د.صلاح سلام
دائما الناس تقول…زمان كان الشتا شتا..والصيف صيف..بمعنى أنه كان هناك محددات معروفة وواضحة وتسلسل زمني ومناخي بتوقيتات يعرفها آبائنا واجدادنا فهذه طوبة والقادم امشير وهذه مطرة الصليب وتلك نوة الغطاس وهكذا ولكننا نعيش الان زمن مختلف اصبحنا نسمع فيه عن التغيرات المناخية والمنخفضات الجوية والاحتباس الحراري..ومصطلحات مجعلصة….والحصيلة انك تصحو على موسم الشتاء ثم تخفف ملابسك ظهرا لان الدنيا ربيع والجو بديع وقفلي على كل المواضيع..فينشط الهواء بالاتربة عصرا فتدخل في الخريف …ثم يصبح الهواء باردا ليلا فتعود ترتدي ماتبقى في الدولاب وخاصة لو كان عملك يقتضي أن تتأخر ليلا..وربما تصحو في اليوم التالي على شمس ساطعة تنذر بقرب فصل الصيف…وهكذا نعيش فصول السنة في الاربع وعشرون ساعة فأنت لست محروما من شئ…في ذلك الزمان عندما كنا صغارا كان الشتاء ربما يستمر اسبوعا كاملا بامطار حقيقية ربما تهدم بعض البيوت المتنوعة من الطوب اللبن وموجة برد تجعل من ارنبة انفك جليد متحجر..ربما لان بيتنا في مدينتي التي لاتختلف كثيرا عن بيوت معظم صعيد وريف مصر..فهي دار مكشوفة بها بعض الغرف البحرية وامامها غرف الخزين القبلية فإذا هطل المطر قامت امي الحاجة وهيبة “ياسمين” بوضع البراميل تحت المزاريب لتجمع مياه الأمطار لتستخدمها في الغسيل لأن ماء الحنفية في بلدتي كان يميل إلى الملوحة فلسنا من وادي النيل فسيناء كلها تعتمد على مياه الآبار…وصابون الميزان الذي نصرفه من التموين غير قابل للرغي معه فلم يكن اختراع الرابسو والتايد والايريال قد ظهر …بل وربما يضيفون اليه بعض الرماد من مخلفات حرق جذوع الأشجار والذي كنا نشتريه من بعض سيدات البادية بالمقايضة مع الدقيق حيث يعمل على تنقية المياه من الرواسب والاملاح فتصبح اكثر نعومة في الاستخدام… أما الصيف فحدث ولاحرج فحصيرة الصيف واسعة فاينما تحل فأنت مرحبا بك فثقلك على الأرض فإذا غالبني النعاس عند بيت عمي او اي من الجيران فلامانع أن انام واذا كانت إحدى زميلات اختي تسهر لتذاكر معها فلا ضير أن تبيت معها وهكذا يمتد الوصل ليس فقط في صلة الرحم ولكن أيضا في جسر الود المدود مع كل الجيران في طبق الملوخية الشهي من الحاجة روزة والذي يعود بأحلى رائحة لخلطة السبانخ بالحمص وقعدة العصاري في بيت الحاجة ام سمير الواسع العامر مع فنجان القهوة وكباية الشاي بالنعناع الطازج الذي يترعرع أمام ناظريك تحت شجرة الزيتون الكبيرة…أما خبيز الصيف فله مذاق اخر فالفرن الذي يتم احمائه لايخفت حتى ينجز كل عجين الشارع ومن لم يشارك في الخبيز لابد أن يشارك في اكل العيش الطازج… علشان كدة كانت حصيرة الصيف واسعة لأنها تجمع كل الاحباب وتتسع للضيف والمحلي ..واذكرك ونفسي بأننا في الصيف نلبس اخف مايكون فالغني والفقير مستور لكن الشتاء…هو فقط للاغنياء فهو بالنسبة لهم موسم الأبهه..ولكنه صعب على الفقير في الشكل والمضمون…ونحن مازلنا ننتظر أن تهل بشاير الصيف واهلا بالضيف فالحصيرة تتسع لكل الاحباب