الأمية الرقمية
أن الفجوة الرقمية في الوطن ، وليدة التخلف والفقر ،اللذين تفاعلا فيما بينهما ، لتوسيع دائرة الفجوة الرقمية فيما بين الدول العربية والدول المتقدمة ، إلا إن جهود المنظمات الدولية حثيثة في ردم هذه الفجوة ، والعمل على إيصال منجزات تقنية المعلومات والاتصالات ،إلى كافة الدول المشتركة في المنظمات التي تأخذ على عاتقها هذه المهمة،
وإن محو الأمية عنصر مهم لإلغاء الفجوة الرقمية ، التي تتطلب أن يكون الأفراد والمؤسسات مؤهلين تأهيلاُ كافياً ، لاستيعاب واستخدام التقنيات الحديثة ، ونظراً للتطورات السريعة في الاقتصاد الرقمي ، فإن أي تأخير يسجل في هذا المجال يزيد الفجوة الرقمية عمقاً ، وبما ان الدول العربية لم تصل بعد الى مرحلة الاقتصاد الصناعي التي تسبق مرحلة الاقتصاد الرقمي ،
بالرغم من إمتلاكها لمؤشراته ، وذلك لأنها تستخدم هذه المؤشرات في جوانب إستهلاكية وليس إنتاجية ، وتزداد هذه المؤشرات في دول مجلس التعاون العربي أكثر من بقية الدول ، أي انها تتباين في حجمها ما بين الدول العربية ، فهي منخفضة في دول مجلس التعاون العربي ومرتفعة في باقي الدول ولاسيما في كل من العراق واليمن وموريتانيا والسودان وان اعمقها يتمثل في جانب فجوة الجودة وفجوة الإستخدام ،
وعليه لابد من الإنفتاح على التقدم العلمي والتقني في مجال المعلوماتية دونما تردد أو مزاجية ، لذا فإن الإستثمار المكثف في البحث والتطوير وفي تكوين الموارد البشرية على جميع المستويات ، يشكّل شرطاً ضرورياً لدخول الوطن العربي في حقل المعلوماتية ، وبما أن تقنية المعلومات والإتصالات هي أحد مخرجات البحث والتطوير ، لذا لابد من التركيز على البحث والتطوير التقني لغرض تضييق الفجوة الرقمية .
الأمية ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السلبية والمنتشرة في العديد من المجتمعات، وتكثر هذه الظاهرة في الوطن العربي وفي الكثير من الدول النامية، وهي عبارة عن عدم قدرة الإنسان القيام بالعديد من المهارات الخاصة بالقراءة والكتابة، والتي تمكّنه من ممارسة الكثير من المجالات الحياتية التي تعتمد على القراءة والكتابة، خاصة في الوقت الحاضر،
والذي رافقه حدوث كبير في التطورات التكنولوجيا العلمية، والتي لا يستطيع أي شخص ليس لديه القدرة على الكتابة والقراءة من مجاراتها والتعامل معها، ويختلف العمر الخاص بالأمية من بلد إلى أخرى، ففي البلدان العربية يُعد الشخص الذي يصل إلى سن الثانية عشرة ولا يستطيع القراءة والكتابة هو شخص أميّ، أما في دول متقدمة وكبيرة كاليابان يعد الشخص الذي لم يحصل على المستوى العلمي الذي يؤهله لفهم واستيعاب جميع التعليمات الكتابية في الأمور المتعلّقة بالتقنيات الخاصة بعمله بأنّه شخص أُمي، بالرغم من حصوله على العديد من الشهادات العلمية.
ما يزيد الأمور تخلفاً في العالم العربي، أن أمية الإنترنت تتآزر فيه مع الأمّية الألف بائية، كما تصيب الأميّة الإلكترونية كثيراً من أفراد الطبقات المتعلمة ممن استعصى عليهم فهم الثورة الرقمية وفك رموزها الإلكترونية.
وتعود بواعث أمّية الإنترنت أساساً، إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتربوية والسياسية، وغياب استراتيجية عربية لتأسيس بنى تحتية تكنولوجية معاصرة. وعدم توافر ثقافة إلكترونية شاملة وأنظمة تعليمية توائم بين العلم والحياة من أجل بناء نظام معرفي جديد يوفق بين من يعرفون ومن لا يعرفون، وإلى عدم توافر ما يلزم من موازنات لإنشاء شبكة إلكترونية عربية على غرار الشبكات العالمية.
لحل مشكلة الأميّة الإلكترونية في العالم العربي، هناك نصائح مهمة تطرحها العديد من المواقع المتخصصة، نستطيع أن نقتطف منها النصائح التالي:
– 1.إقامة دورات تدريبية على مدار السنة للمثقفين والموظفين وغيرهم، بغية تعريفهم بألف باء الكمبيوتر والإنترنت.
– 2. استحداث فصول لتعليم اللغة الإنجليزية، كونها إحدى اللغات المهمة على الشبكة الإلكترونية الدولية، مع العلم أن 70 في المائة من محتويات الإنترنت هي بتلك اللغة.
– 3. توفير الإطار التنظيمي والقانوني الذي يضمن حق المواطن في الحصول على خدمة الإنترنت وبأسعار منطقية.
4. – تحسين مستوى دخل الفرد، والحد من تفاقم البطالة، وتوفير أجهزة حاسوب بأسعار تشجيعية، وتزويد المكتبات العامة والمدارس والجامعات بخطوط تصلها بشبكة الإنترنت بأسعار معقولة، ما يساهم في كسر احتكار الوصول إلى الإنترنت.
5. – إصدار دوريات سنوية لمعرفة مدى التقدم في تحقيق النتائج المتوخاة، إذ تلجأ بعض الحكومات العربية إلى إخفاء الإحصاءات الحقيقية خشية امتناع بعض الهيئات الدولية عن تزويدها بمعونات ومساعدات وقروض وتقنيات.
6.- تخصيص يوم عربي لمكافحة أمية الإنترنت، تقرره جامعة الدول العربية على غرار يوم محو الأمية التقليدية المُقرر منذ عام 1970.
“مصر خالية من الأمية في 2030” شعار رفعته الدولة هادفة منه إنهاء الأمية في مصر وفقًا لخطتها في 2030، لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تعتبر الأمية ظلام قاتم قد غطى على وعي وثقافة الإنسان، وأعاقت دول في عملية نهضتها ورقيها، لذلك تبذل مصر عدة جهود لإنهاء الأمية وما لها من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية، من خلال إنشاء برامج محو الأمية.
لا يقتصر مفهوم الأمية على عدم معرفة القراءة والكتابة، ففي عالم تنتشر فيه التكنولوجيا فإن الشخص الجاهل بالأمور التكنولوجية البسيطة يعتبر شخصًا أميًا، لذلك تعمل الدولة دائما على تطوير أساليب التعلم باستخدام التكنولوجية خاصة بعد جائحة كورونا، وتتوقع الدولة أن تنخفض نسبة الأمية هذا العام .
مخاطر الأمية الجديدة:
لعل الأمية الحضارية باتت أهم الأخطار التي تواجهنا في الفترة الأخيرة وقد قفزت معضلاتها مؤخرا على الساحة الفكرية والعملية والاقتصادية والأمية وهنا ليست المعنية الأمية الهجائية كما يطرأ على الذهن وإنما هي هذه الثقافة القابعة المتمددة في عقول الكثير من المتعلمين والمثقفين فليس هؤلاء من أصحاب الأمية الهجائية.
فعلى الرغم من أن الأمية الهجائية تمتد لتحتل مساحات شاسعة من العقل العربي (تزيد على 40%) فان الأمية الثقافية تمتد في مساحات أكثر شراسة وأشرس وضعا في العقل العربي المعاصر إلى مسافات بعيدة . إنهم أصحاب الأمية الثقافية التي ابتلى بها الكثير من المتعلمين فضلا عن العديد ممن ينتمون إلى أفكار(داعش) وغيرها من التنظيمات الإرهابية مدعين الفهم الأخير. وهؤلاء ينتشرون في المدارس والمراكز الإعلامية والثقافية بالقدر الذي نجده في انتشار (الإسلاموفوبيا) لدى العديد من المدعين والخارجين عن المألوف الثقافي والحضاري العربي .
ولا نحتاج إلى نظرة عامة في وسائل الإعلام لنلاحظ أن الخطر التقليدي كما نعرفه يتضاءل إلى جانب هذا الخطر الآخر فالخطر الذي لا نعرفه الذي يمتد في المساحة الشاسعة في العقل العربي إلى حد بعيد. ولا نحتاج الخروج الجغرافي من هذا البلد أو ذك في الشرق حتى نلاحظ أن هذا الخطر هو الأمية الثقافية تمتد في الشرق الأوسط من إيران شرقا إلى موريتانيا غربا ومن عدن جنوبا إلى اسطنبول شمالا . ويبدو أن أصحاب هذه العقول الرمادية ليسوا بين الأميين فقط أو حتى المتعلمين وإنما هذه الجماعات التي تنتمي إلى التخلف أكثر منها إلى الوعي بطبيعة العصر وآلاته وتمتد المساحات الشاسعة البعيدة من الجغرافيا إلى الغياب الفكري من النظرات التفريقية إلى النعرات العرقية وبدلا من انتباه الشعوب العربية والعمل على قضايا المعاصرة والوعي مع إيقاع الألفية الثالثة إذا بها تغيب بين التفريق بين الفئات المتناحرة بالمنطقة وعلى مدى البصر يخرج بين الجغرافيا والتاريخ ما يمكن أن يعرف عبر الميديا الاجتماعية بالتشتت الجيوساسي حيث يعاود الخط البيانى حركته المهيمنة في صعود متواتر إلى الدوائر البعيدة في الجغرافيا العربية.
تجاذبات مرفوضة:
لعل هناك تجاذبات ومصادمات تحدث دائما بين الافتراضيين أو الفضائيين (الانترنتيين) الذين ينتشرون كالفطر على الساحة العربية تقود أحيانا نحو أفكار هدامة للتنمية العربية حتى لو كانت واقعا ملموسا . فالخط البياني لدرجة الوعي بين المثقفين العرب في هبوط متوال في الميديا الاجتماعية خاصة في هذه الحسابات الشخصية التي يمكن العثور عليها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيث نعثر في شبكات الإعلام الاجتماعي ملايين الأصوات على الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وقد غابوا في أغلبهم في حوارات وهمية وقضايا عامة عن مكنون الملفات والمشكلات الماسة التي تحتاج للتصدي لها وعلاجها بالمنطقة العربية .
لقد أصبحت هذه الوسائل بعد أن لعبت دورا ايجابيا هائلا في قيام نماذج عربية مضيئة سياسيا واقتصاديا تهتم بأشياء أخرى لم يعرفها الشباب الواعي المستنير بالمنطقة فإذا عبرنا من وسائل ثورة التقنية المتقدمة والروبوتات الآلية وفضاءات هذا العالم الافتراضي والثورة الرقمية إلى غير ذلك لوصلنا إلى فضاء معاصر آخر فإنه يستبدل بالخطاب الافتراضي أو الفضائي الإيجابي عالما مغايرا يشغل بقضايا وهمية ليس لها مكان في الواقع العربي المعاصر الذي يشهد ضغوطا عاتية من الداخل والخارج في آن واحد.
يتمثل هذا التجاوز في تجاوز الوعي الجمعي إلى الانشغال عبر حسابات شخصية وصفحات التواصل التي لا تغادر القضايا الشخصية والمهاترات الموجعة . لقد تغيرت الاهتمامات بالهوية الرقمية وويلاتها في الألفية الثالثة إلى نقل هذا الخبر المهمش أو ذاك مما لا يرتبط بالعقل الجمعي ولا ما تواجهه الأمة في زمن التحديات والنظرة العامة على مساحة الميديا الاجتماعية العربية اليوم يرينا انشغال أصحابها بالحسابات الشخصية والأفكار الغائمة التي تؤكد غياب الوعي العربي في عالم تشغله أخطار عنيفة في الداخل والخارج.
الخلاصة:
إن معظم المواطنين العرب من العامة على شبكات التوصل الاجتماعي دخلوا في نفق أمية الميديا اليوم فهم أمام عبارات عامة تتبع لايك وشير بشكل مستمر حتى أنه يمكن القول أن الأمية الرقمية وصلت إلى أقصاها. لقد استبدلت غالبية المجتمعات العربية المثقف الواعي بآخر يمارس هوايته الرمادية عبر التغريد والتتويت والهاشتاج وكأن بلاد المنطقة لا يهددها الخطر الداخلي المخيف والخطر الغربي الإمبريالي العنيف. لقد تحول غالبية الشباب العربي من الافتراضيين الايجابيين إلى الأميين التكنولوجيين في الأهداف والرؤي فهم أميين يصيحون ويرددون هذه الألفاظ العنيفة ويغيب بعضهم في موسيقى الراب الصاخبة التي تعلو حتى يغيب عن الصورة أي وعى إيجابي يدفع إليه الواقع العربي الخطر في الألفية الثالثة .