أخبار

مهمة مستحيلة في غزة.. الكفاح من أجل كسرة خبز وشربة ماء

غزة- “الروتين اليومي أصبح مهمة مستحيلة”، هكذا أصبحت حياة سكان قطاع غزة بسبب تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي، حيث بات الحصول على المستلزمات الأساسية البسيطة من ضروب المستحيل.

وتعكس ذلك حالة المواطن محمد أبو خلف، الذي يئس من العثور على لتر بنزين واحد لتشغيل مولّد كهربائي صغير، يمكنه من رفع المياه إلى خزان فوق سطح منزله بمخيم الشابورة للاجئين بمدينة رفح، فيضطر أخيرا لاستعارته من جاره.

يضطر أبو خلف وأبناؤه إلى الوقوف في طابور طويل لأكثر من ساعتين، لتعبئة المياه من بئر خاصة، ويقول للجزيرة نت “رغم الألم والمعاناة إلا أننا أفضل حالا من غيرنا، فلدينا في المنطقة بئر خاصة نشتري منها المياه، وهناك آلاف المنازل بلا أي مصدر للمياه”

وأصبح معتادا رؤية هذه الطوابير أمام القليل من محطات المياه والمخابز التي لا تزال تعمل بما تبقى لديها من وقود، أو تلك التي تعمل بواسطة الطاقة الشمسية، وفي محال تجارية ما ينفد لديها من سلع لا بديل له، فضلا عن مظاهر تولّدت مع الحرب والحصار كوصلات الشحن المجانية في الشوارع للبطاريات والهواتف النقالة.

ولم يسلم ما تبقى من تلك المرافق الخدمية من الاستهداف الجوي الإسرائيلي، حيث نالت غارات الاحتلال من مخابز كانت مزدحمة بطوابير الباحثين عن الخبز وفي الأسواق والمحال التجارية، وارتقى بسببها مئات الشهداء والجرحى.

في حين قالت بلديات في جنوب القطاع إن الاحتلال الذي يزعم أن “المناطق الجنوبية آمنة” ويدفع سكان غزة وشمالها للنزوح إليها، يستهدف ويدمر آبار المياه فيها.

وتجربة أبو خلف ليست استثنائية بالنسبة لأكثر من مليوني فلسطيني، يواجهون تعقيدات جمة تمس تفاصيل حياتهم اليومية، منذ بدء عدوان الاحتلال والذي رافقه حصار مطبق تمنع بموجبه إسرائيل كافة سبل الحياة عن القطاع الذي يدفع به الاحتلال عشرات السنين إلى الوراء.

” alt=”” aria-hidden=”true” />أصلحت السلطات المصرية الأضرار الناجمة عن القصف الاسرائيلي للجانب الفلسطيني من المعبر لتمكين قافلة المساعدات من المرور-رائد موسى-الجزيرة نت
القاهرة أصلحت الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي لمعبر رفح لتمكين المساعدات من المرور (الجزيرة)

شهيد بلا دماء

دفع أبو أنس (من عائلة “أبو حمرة”) حياته ثمنا للتعقيدات الناجمة عن الحرب والحصار، ووفق حديث أسرته للجزيرة نت فقد توفي قبل نحو أسبوع، بعدما ظل يعاني طوال الليل من أعراض جلطة أصابته، ولم تفلح محاولات زوجته وبناته في التواصل مع سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى.

في ساعات الصباح وصلت سيارة الإسعاف، لكن القدر عاجل الرجلَ في طريقه إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، التي نزح منها مضطرا، بعد اتصال شخصي من ضابط إسرائيلي طالبه بإخلاء منزله في حي الرمال الجنوبي، وهو أحد أحياء المدينة التي تغيرت معالمها بفعل ما تلقته من غارات جوية مكثفة.

وتؤمن أسرة أبي أنس والمقربون منه أنه “شهيد” وإن لم ينزف دما جراء صواريخ الاحتلال وقذائفه، فقد نزف “أوجاعا ومعاناة”، وكأنه لم يحتمل مآسي أيام قليلة قضاها نازحا في مخيم النصيرات للاجئين.

هذا الرجل السبعيني -بحسب أسرته وأصدقائه- عمل لسنوات مهندسا في دولة خليجية، وعاد إلى غزة ليعمل في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكان يرفض على الدوام إخلاء منزله، وتمسك منذ الحرب الأولى على غزة عام 2008 وما تبعها من حروب، بالبقاء في البرج المقيم به والمكون من 14 طابقا، ولم يتأثر بنزوح جيرانه، حتى كان آخر النازحين مجبرا.

مساعدات شحيحة

ربما كان أبو أنس بحاجة إلى سيارة إسعاف توقفت بفعل نفاد الوقود، وغيره يموتون أيضا في منازلهم أو تحت أنقاضها وفي المستشفيات، لأسباب متشابهة، نتيجة تمسك الاحتلال برفض إدخال الوقود ضمن المساعدات، التي سمحت بدخولها عبر معبر رفح البري مع مصر، وبكثير من “القيود والاشتراطات”.

وحتى لتر الوقود الذي كان يبحث عنه أبو خلف، احتاج من وزارة الصحة إطلاق “مناشدة عاجلة” لكل مواطن يمتلك مثله أن يتوجه به إلى مستشفى الشفاء، كبرى مستشفيات القطاع التي تتحمل عبء الحرب الأكبر، لضمان استمرارية عملها، وسط تحذيرات من أنها دخلت “مرحلة العد التنازلي” للخروج عن الخدمة.

في هذا السياق، وصف المدير العام لوزارة الصحة الدكتور منير البرش للجزيرة نت، المساعدات الطبية التي وصلت القطاع بأنها “نقطة في بحر احتياجاتنا”، وتشمل بضع شاحنات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، ومنظمة الصحة العالمية.

واحتاجت “يونيسف -بحسب البرش- إلى تنسيق خاص ومراقبة تقنية لخط سير شاحنات المساعدات الخاصة بها، لتمكينها من الوصول إلى مستشفى الشفاء حصرا، وليس إلى مستودعات وزارة الصحة، في حين باقي المساعدات الشحيحة يقتصر توزيعها على مناطق جنوب القطاع.

وبموجب الاتفاق الثلاثي المصري الأميركي الإسرائيلي، دخلت القطاع -عبر معبر رفح- 291 شاحنة مساعدات، من بينها 10 شاحنات فقط لوزارة الصحة، اشتملت على “أكفان للرجال والنساء والأطفال”، إضافة إلى ضمادات من الشاش الطبي والقطن، وفقا لتأكيد البرش.

وتساءل باستغراب شديد “هل هذه أولوياتنا واحتياجاتنا الأساسية في ظل الظروف الطارئة؟”، ويجيب البرش على نفسه، بالقول “نحن بحاجة ماسة لمواد التخدير، وأجهزة تنفس صناعي، وغرف عمليات، وأدوات لجراحة العظام والأعصاب، وغيرها الكثير من الأجهزة والأدوية للتعامل مع ضحايا الحرب الإسرائيلية الدموية على غزة”.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى