حكومة التنفيذ لدى الاحتلال
دكتور عادل عامر
أن تمادي عصابات المستوطنين باستباحة الأرض الفلسطينية، هو نتيجة مباشرة لسياسة وقرارات حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وقناعتها بأن المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية لا تمارس ضغوطا عليها للجم المستوطنين، ووضع حد لانفلاتهم وتغولهم في الأرض الفلسطينية.
الانتداب البريطاني على فلسطين أو الاحتلال البريطاني لفلسطين هو كيان جيوسياسي سابق نشأ في منطقتي فلسطين وشرق الأردن عام 1920 واستمر لما يزيد عن عقدين ونصف (1920-1948)، وذلك ضمن الحدود التي قررتها بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الدولة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى وبموجب معاهدة سيفر.
في 11 سبتمبر 1922 أقرّت عصبة الأمم الانتداب رسميا، وذلك بإصدار صك يعهد بإدارة فلسطين لبريطانيا؛ وذلك بناء على اتفاق دول الحلفاء على تنفيذ تصريح ملكي بريطاني صدر عام 1917 والمعروف باسم وعد بلفور، وورد في أكثر من موضع في إعلان عصبة الأمم تأكيد على عدم الإتيان بعمل من شانه أن الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للسكان الأصليين لفلسطين وصيانة حقوقهم عطفا على تشجيع التعاون مع الجمعية الصهيونية لتسهيل هجرة اليهود لفلسطين وإكساب الجنسية الفلسطينية لأولئك المهاجرين، ضمانا لإنشاء وطن قومي يهودي لهم، بحسب نص القرار.
عرّف القرار منطقة الانتداب على فلسطين شاملاً معها شرق الأردن، إلا أن المادة 25 منه سمحت بإرجاء أو توقف تطبيق النصوص عليها، وفعلا تم استثنائها من الانتداب في عام 1921 طبقا لمذكرة شرق الأردن، فتمتعت إمارة شرق الأردن بحكم ذاتي ولم تخضع لمبادئ الانتداب أو لوعد بلفور. استقلت إمارة شرق الأردن عن سلطة بريطانيا عام 1946 لتصبح المملكة الأردنية، وبالتالي استثنيت بحكم الواقع من حدود الانتداب على فلسطين، فبقي الانتداب على فلسطين بين نهر الأردن والمتوسط حتى نهاية الانتداب عام 1948، وتلك هي حدود فلسطين التي تقع فيها اليوم كل من دولة إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.
كانت مدينة القدس عاصمة الانتداب حيث سكن الحاكم البريطاني ومؤسسات حكومة الانتداب. عند بداية فترة الانتداب أعلنت بريطانيا هدفا له تحقيق وعد بلفور، أي فتح الباب أمام اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين وإقامة “بيت وطني” يهودي فيها. أما في منتصف ثلاثينات القرن العشرين فغيرت بريطانيا سياستها وحاولت وقف توافد اليهود على فلسطين ومنع شراء الأراضي من قبل اليهود.
استمرت إسرائيل في فرض التمييز المجحف والممنهج في الأنظمة والقوانين ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. ونتيجة لعمليات هدم المنازل وفرض إجراءات قسرية أخرى، تسبّبت بنزوح مئات الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وواصلت القوات الإسرائيلية استخدام القوة المفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وقتلت القوات الإسرائيلية 31 فلسطينياً – بينهم 9 أطفال – في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ قُتل العديد منهم بصورة غير مشروعة، بينما لم يكونوا يشكلون أي خطر وشيك على حياة الآخرين. وأبقت إسرائيل على حصارها غير القانوني لقطاع غزة معرّضةً سكانه لعقاب جماعي، ومفاقمةً بذلك الأزمة الإنسانية هناك.
كما واصلت تقييد حرية تنقل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال نقاط التفتيش وحواجز الطرق.
واعتقلت السلطات الإسرائيلية في إسرائيل تعسفياً آلاف الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، محتجزةً المئات منهم في الاعتقال الإداري بدون تهمة أو محاكمة. وتعرَّض المحتجزون، ومن بينهم أطفال، للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، مع إفلات مرتكبيها من العقاب.
واستخدمت السلطات سلسلة من الإجراءات لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين وغيرهم ممن انتقدوا استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية.
وتَواصَل العنف ضد النساء لاسيما ضد المواطنات الفلسطينيات في إسرائيل. وحرمت السلطات طالبي اللجوء من الحصول على عملية تحديد منصفة أو سريعة لوضعهم كلاجئين. وزُج بالمعترضين على الخدمة العسكرية الإلزامية بوازع الضمير في السجون.
واصلت إسرائيل التمييز المجحف ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين في مجالات التخطيط، وتوزيع الميزانية، والحفاظ على الأمن، والمشاركة السياسية. وبحسب مركز عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، تُبقي إسرائيل على أكثر من 65 قانوناً يميز ضد الفلسطينيين.
وقد أضربت المجالس الفلسطينية المحلية في إسرائيل احتجاجاً على التمييز في توزيع ميزانية الدولة على المجالس المحلية. وتعيش الأغلبية العظمى من الفلسطينيين في إسرائيل – الذين يشكلون أكثر من 20% من مجموع السكان – في قرابة 139 بلدة وقرية. وقد حصلوا على 1,7% فقط من ميزانية الدولة المخصصة للمجالس المحلية.
وفي أغسطس/آب، رفع مركز العدالة والمركز العربي للتخطيط البديل التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية نيابة عن 10 مجالس فلسطينية محلية، والعشرات من مواطني إسرائيل الفلسطينيين ضد سياسة الحكومة التي تمارس التمييز المجحف ضد هذه المجتمعات في توزيع مزايا الإسكان والإنشاء وتطوير الأراضي مقارنة بالمجتمعات اليهودية المجاورة التي تتمتع بمركز اجتماعي – اقتصادي أعلى وتحصل على هذه المزايا.
وواصلت إسرائيل حرمان الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وغزة المتزوجين من مواطني إسرائيل الفلسطينيين من حق الجنسية بتطبيق قانون الدخول إلى إسرائيل القائم على التمييز المجحف.
وفي ديسمبر/كانون الأول، رفضت محكمة الصلح في كريوت بالقرب من حيفا التماسًا لإتاحة التعليم لمواطني إسرائيل الفلسطينيين الذين يعيشون في كرمئيل متذرعة بقانون الدولة القومية القائم على التمييز المجحف. وأفاد القرار بأن إنشاء مدرسة عربية في البلدة أو تمويل وسائل النقل لسكانها الفلسطينيين للدراسة في مدارس عربية في المجتمعات القريبة يقوّض “الطابع اليهودي” للبلدة.
وبدأت وزارة الصحة الإسرائيلية، في ديسمبر/كانون الأول، بتوزيع لقاحات ضد فيروس كوفيد-19، واستبعد هذا التوزيع قرابة 5 ملايين فلسطيني يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد كانت إسرائيل ترغب دائمًا بالتوصل إلى حل الوسط, وكانت الحكومات الإسرائيلية جميعها مستعدة لتقديم التضحيات العظيمة من أجل السلام. على كل حال, يتطلب تحقيق السلام تقديم التنازلات واتخاذ إجراءات لبناء الثقة المتبادلة, من قبل الطرفين. ومثلما تكون إسرائيل مستعدة لأخذ الحقوق والمصالح الفلسطينية بعين الاعتبار, فإن لإسرائيل أيضًا حقوق ومصالح شرعية يجب أخذها بالحسبان. ولا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال المفاوضات الهادفة إلى جسر الفجوات وحل جميع القضايا العالقة.
تعتقد إسرائيل أنها تتمكن من التوصل إلى السلام مع القيادة الفلسطينية المعتدلة التي ترفض الإرهاب. وعندما التقت إسرائيل في الماضي بالزعماء العرب مثل الرئيس المصري أنور السادات وملك الأردن الحسين, اللذين تكلما بلغة السلام وكانا مستعدين لاتخاذ إجراءات فعلية للتوصل إلى التعايش, فقد توصلت إسرائيل إلى معاهدة سلام معهما وبذلك تحقق السلام. إن إسرائيل جاهزة لتحقيق السلام مع جميع الدول المعتدلة في المنطقة.
ولكن لجعل المفاوضات ممكنة ولإتاحة فرصة النجاح لها, يجب وضع الحد للإرهاب وللتحريض الفلسطينيين اللذين تدعمهما بعض الدول مثل إيران وسوريا. فإن العناصر الفلسطينية المتطرفة مثل حركة حماس, غير مستعدة للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود, وهي تستمر في ممارسة العنف ضد إسرائيل, وضد القيادة الفلسطينية المعتدلة وضد مسيرة السلام. فلذلك, لا مكان لهذه الجهات المتطرفة حول مائدة المفاوضات.
إن تفكيك البنية التحتية للإرهاب ليس أول خطوة في خريطة الطريق فحسب, بل أنه يشكل أساسًا لأية مسيرة سلمية. ويتطلب تحقيق السلام خلق جو إيجابي, خالٍ من الإرهاب والتحريض, يشجع على بذل الجهود من أجل التوصل إلى التفاهم. وقد اتخذت إسرائيل, في الكثير من المناسبات, إجراءات لتحسين أسباب المعيشة للفلسطينيين ولإعادة تأهيل الاقتصاد الفلسطيني. إن إسرائيل مستعدة – وستكون مستعدة في المستقبل أيضًا – لأن تقوم بمبادرات حسن النية تجاه المعسكر الفلسطيني المعتدل, مثل تسهيل التحرك من خلال إزالة بعض حواجز الطرق, وتحويل أموال الضرائب, والإفراج عن السجناء. وإسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات مثل هذه, شريطة ألا تمس بأمنها وأن يرفض الفلسطينيون الإرهاب.
أما محاولات يقوم بها الفلسطينيون وبعض الدول العربية لإرغام إسرائيل على الموافقة على المطالب الفلسطينية, لا تقرب الطرفين من السلام. ومن المهم للغاية ألا تؤيد الدول العربية مواقف فلسطينية متشددة, إذ أن ذلك يصعّب على الفلسطينيين أنفسهم قبول حلول الوسط المطلوبة.
ومن الممكن أن تتخذ الدول العربية خطوات إيجابية لتساعد على خلق جو بناء, كما أنها قد تساهم في تنشيط الاتصالات المتعددة الأطراف التي تشجع التعاون الإقليمي. فإن التحرك إلى الأمام والتعاون في مجالات تؤثر على حياة جميع الذين يعيشون في هذه المنطقة سيساهمان, نفسيًا, في مواجهة القضايا السياسية المعقدة التي يجب التعامل معها وحلها.
ويشكل قرارا مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة 242 و-338, المتفق عليهما من قبل جميع الأطراف في المنطقة, خطًا عامًا لإجراء المفاوضات حول التسوية الدائمة. وقد أيدت إسرائيل كذلك تطبيق الإجراءات التي تتضمنها خريطة الطريق. ولكن لن يكون ممكنًا تطبيق خطة خارطة الطريق إلا إذا وفى الفلسطينيون بالتزاماتهم. ولكنهم لم يبدؤوا بذلك حقًا حتى الآن, وخاصة فيما يتعلق بتفكيك البنية التحتية الإرهابية ووضع الحد للتحريض, كما تنص عليه المادة الأولى من خريطة الطريق.
وأخيرًا, إن السلام معناه حل جميع القضايا والتنازل عن جميع الادعاءات ووضع الحد للنزاع. وبعد التوصل إلى معاهدة سلام, يجب فتح صفحة جديدة وتحديد نقطة انطلاق جديدة للعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية وكذلك لعلاقات إسرائيل مع الدول المجاورة لها التي ستتسم بالحوار والتعاون وليس بالعداوة والمواجهة.