المنظمة العربية

نبتدي منين الحكاية

أ.د. صلاح سلام

ماشي في طريق من كام سنة ماشي في طريق تعب الطريق ماتعبت انا تعب الطريق…وبصبر نفسي وبدون على يأسي وبزود حيرتي مع طلعت شمسي هذه هي الكلمات التي تعبر عن فارسنا اليوم كما قالت ابنتاه دينا ودعاء… شاعر الألفي اغنية والذي تفوق على نفسه فأصبحت كلماته وعباراته أشهر منه فمن منا لم يردد اؤمر ياقمر امرك ماشي..او حاول تفتكرني…وهية دي حكايتي مع الزمان.. او تكون سحرته”العيون السود” او سافر حالما في بلاد الله سواح…من منا لم تدمع عيناه و انقبض قلبه عندما يكون في الغربة ويسمع “ياحبيبتي يامصر”او حتى وهو يعيش فيها عند الفرح نتغنى بها وعند المحن نقوى بها…انه محمد حمزة الكاتب الصحفي في مجلة روزاليوسف الذي تفوق على قرينه مرسي جميل عزيز شاعر الألف اغنية في العدد ولكنه لم يفز باي منها لتغنيها ام كلثوم وان كان العندليب قد غنى له حوالي ٣٧ اغنية وكلها من تلحين بليغ بل نصف مؤلفاته اضطلع بها قرينه بليغ حمدي وهو الذي قدمه لعبد الحليم حافظ حيث دخل عليه يوما أثناء بروفة في معهد الموسيقى وعلق على لحن الاغنية التي كانوا يعدونها تعليقا آثار جدلا مع محمد حمزة وامتع قليلا… فرد بليغ أن لديه مشروع لتطوير الاغنية المصرية وفي نفس الجلسة طلب من محمد حمزة كلمات ليغنيها عبد الحليم..فاعتبر محمد حمزة هذا نوعا من المبالغة والملائكة لتحسين الاجواء ومع ذلك عرض عليه أكثر من اغنية فلم تعجبه ثم عرض عليه مشروع اغنية لم تكتمل وكان المذهب سواح وانا ماشي في حالي سواح…فاعجبه لدرجة انه لحنه وسمعه لحليم في نفس اليوم فطلب منه أن يحضر اليه ومعه هذا الشاب في نفس اليوم…وباغته حليم أن كلماته لفايزة احمد اؤمر ياقمر كانت جميلة ليوحي اليه انه قد سمع عنه ويكسر الحاجز النفسي فارتاح اليه حمزة وظل هذا الارتياح إلى أن غادر حليم دنيانا وما أن أفضى اليه باعجابه بمذهب الاغنية واستأذن منه ليكمل بروفة مع بليغ وتركه وكأنه يقول له أكمل…وقد فعل..وكتب ياعيوني اه ياعيوني ايه جرالك فين انت وبتعمل ايه..واكمل وخرجت إلى النور..ولا اكون مبالغا اذا قلت انه كان يعبر عن كل مايجيش في صدر حليم بل كان يفتخر انه يقوم بتفصيل الأغاني على مقاس العندليب وحدث ذلك اكثر من مرة بتحويل قصص من حياة حليم الواقعية إلى اغاني يحافظ فيها على المشهد في طيات الكلام…فقد قال له حليم يوما”حتى الكوارث تستغلها ياحمزة” عندما كتب وخدتني ومشينا والفرح يضمنا ونسينا ياحبيبي مين انت ومين انا ..حسيت انا هوانا هيعيش مليون سنة وبقيت وانت معايا الدنيا ملك ايديا. ليصل إلى وفي عز الكلام سكت الكلام واتاريني ماسك الهوى بايديا..وهي تجربة عاطفية عاشها حليم وانتهت بزواج حبيبته من احد أقاربها…فكانت زي الهوى.. ولاشك أن حليم أوحى له بفكرة..من الليالي الليالي من بعدك واللي جرالي سهرني الشوق دوقني الشوق طعم الحرمان من الليالي..ياما أيام ضاعت ياسلام في عذاب والام سهران مابنام..قضيت الليل مع قمر الليل ونجوم الليل نحكي في كلام…ياما قلت عنك وغلبت شكوى منك وحياة الغالي عندك. ابقى افتكرني…..حيث غناها لتوأم روحه التي لم تفارق قلبه سعاد حسني..وبرغم أن حمزة أصدر اول ديوان له ١٩٦٣ بالفصحى ألا انه استطاع أن يصيغ الفصحى في صور عامية قريبة من أذان الجمهور..عاشقة وغلبانة ..وزي العسل لصباح..وسامحتك سامحتك لاصالة وعالرملة ومتى اشوفك لمحمد رشدي وعيون بهية لمحمد العزبي وهوة اللي اختار لهاني شاكر..وكتب إلى زوجته اغنية شدت بها وردة..كل غنوة عالفرح كانت عالحب كانت كتبتها وقلتها كانت عشانك.. الاعلامية فاطمة مختار عندما كانت تعاني من مشاكل في القلب وهي على فراش المرض..ولاشك أن الحدوتة كانت هي البطل الرئيسي في اعماله وكان لايؤمن بالفرق بين الرومانسي والوطني ويرى انه على الشاعر الاجادة في كل الحالات الإنسانية او الاجتماعية فالاغتية عنده مشهد سينمائي مكون من زمن وقصة وابطال واحداث وحركة..فبرغم أن اغنية جانا الهوى كانت قبل فيلم ابي فوق الشجرة الا ان الفيلم جاء معبرا عن مضمون هذه الاغنية وأضاف باقي أغنيات الفيلم وكذلك حكايتي مع الزمان في اه ياليل يازمن و”ليلة بكى فيها القمر” والحب الضائع…فهو لايدخل في تفاصيل الحالة والمشاعر وإنما يهتم بالاطار بعيدا عن الوجودية والسفسطة..ولان معظم الاشياء الجميلة في حياتنا تأتي صدفة فقد عرف محمد حمزة فايزة احمد صدفة عندما كان يبحث عن تاكسي ليصل ماسبيرو ورفيقه في المكتب اتأكد الفني ناصر حسين ذاهب للقاء فايزة احمد فلم يجدا بعد طول انتظار الا تاكسي واحد فقال له نروح سوى لفايزة وبعدين نروح ماسبيرو انا كمان عندي شغل هناك…فيقدمه لها كشاعر فتسمع منه أكثر من اغنية وتعجبها اؤمر ياقمر امرك ماشي وتكون بداية الانطلاق للشاعر الغنائي الذي حطم قلوبنا في رائعته موعود عندما عاد حليم بعد عام من أخبار النزف واشاعات بوفاته وقد كان مقررا أن يغني مداح القمر..فقال لحمزة معقول واحد بعد ماكان بيموت هيجي يغني ياشعر ليل وفارد ضفيرك عالقمر.. فكتب موعود معايا بالعذاب موعود ياقلبي… موعود ودايما بالجراح موعود ياقلبي..فكان الجمهور بين فرحة العودة والبكاء مع الكلمات ١٩٧١ ومازالت تعيش معنا بعد نصف قرن ودائما كان حليم يستثمر كل حدث بذكاء شديد وبعد رحلة علاج طويلة عاد ليغني اي دمعة حزن لا والتي كتبها في ٣ أيام وتعثر في آخر كوبليه ٦ شهور إلى أن أعطاه حليم مفتاح شقته في لندن وحجز له طيران ليمكث اسبوعين ويعود بها كاملة… في جامعة القاهرة ١٩٧٤ بعد مقدمة موسيقية فريدة عجز الإبداع نفسه أن يستوعبها للعبقري بليغ حمدي..ويحكي حمزة أن الموسيقار عبد الوهاب طلب منه تغيير عبارة “حلو القمر حلو..بس احلى من القمر لو نخلي عمرنا يوم ندوق الحب فيه”في اغنية نبتدي منين الحكاية ١٩٧٥ خوفا من أن الرقابة قد تعترض عليها وانه حاول لمدة اسبوع تغيير العبارة ولم يستطع..شوف يامؤمن العبارة التي توجس منها عبد الوهاب خيفة..وقارن بينها وبين مانعيشه من خيبة.. ولاشك انه كان يدين بالفعل دائما لحليم فقال يوما انني سافرت معاه نصف العالم وزرت لندن قبل أن أزور اسكندرية وانا الصعيدي ابن حي الخليفة وجار عادل امام في السكن..وجار صلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي في المكتب برغم انني لم أكن احلم بأن اسلم عليهما يوما … ويقول إن نصف مكتبتي هدية من عبد الحليم فقد كان دائما يشتري من كل كتاب نسختين ويحملها اليه خاصة بعد نكسة ١٩٦٧ حيث كانت كل دور النشر في بيروت…وان حليم كان جزءا من تفكيره ووجدانه وظل يكتب له حتى آخر دقيقة في عمره وكانت اخر كلمات له اغنية احلى طريق في دنيتي التي غنتها فايزة احمد فيما بعد..هل كنت مخطئا عندما قلت أن عباراته وكلماته كانت أشهر منه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى