استمرار المظاهرات في جرادة بالمغرب بعد مقتل اثنين من عمال المناجم
تواصلت الثلاثاء لليوم الثالث على التوالي الاحتجاجات على مصرع اثنين من العاملين في المناجم غير القانونية في مدينة جرادة المغربية، إذ خرج الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات تندد بما وصفوه بالـ”تهميش” الذي تعاني منه منطقتهم.
ويخاطر المئات من عمال المناجم في المنطقة بحياتهم في البلدة الفقيرة الواقعة شمال المغرب لاستخراج الفحم الحجري في الخفاء، فقبل عدة أيام، نجا عامل يدعى عبد الرزاق الديوي من الموت بأعجوبة لكن الحظ لم يحالف اثنين من رفاقه.
وردد المتظاهرون، الذين طغى عليهم عنصر الشباب ورفع كثيرون منهم العلم المغربي، هتافات تطالب بالتنمية الاقتصادية لمنطقتهم ومنها “الشعب يريد بديلا اقتصاديا”، مشددين على الطابع “السلمي” لتحركهم الاحتجاجي.
ولم تخل الهتافات التي رددها المتظاهرون بعضا من شعارات “الحراك”، حركة الاحتجاج التي هزت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2016 منطقة الريف في شمال المملكة للمطالبة بتنميتها وتطويرها، كما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس.
ويطلق السكان على هذه المواقع تسمية “مناجم الموت” في بلدة التعدين القديمة حيث ما لا يقل عن ألف شخص يغامرون يوميا في المناجم المهجورة بعد نحو عقدين من إغلاقها، دون أي تدابير للوقاية رغم ما يشكله ذلك من خطر على حياتهم.
ولقي حسين وجدوان، وهما شقيقان يبلغان من العمر 23 و30 عاما، حتفهما الجمعة في حادث وقع في سرداب منجم.
وعم الغضب إثر وفاتهما بين السكان الذين يدعون أنهم “مهمشون” ويتظاهرون منذ الأحد ضد السلطات التي يتهمونها بأنها “تخلت” عنهم.
وكان عبد الرزاق الديوي (22 عاما)، مع الشقيقين حين وقع الحادث.
وقال الشاب لوكالة فرانس برس “نزلنا إلى عمق 85 مترا تحت سطح الأرض، كان حسين وجدوان تحتي مباشرة، وكان أحدهما يحفر أفقيا فأصاب بئرا للماء التي غمرتنا. تمكنت من الإمساك بالحبل للصعود مجددا.
عمل خطير
يسكن عبد الرزاق منزلا متواضعا غير مكتمل البناء في حالة من البؤس. ويقول إنه يعيل والده البالغ من العمر 80 عاما، وهو عامل منجم سابق، وستة أشقاء بالإضافة إلى زوجته وابنته.
وأضاف بتعاسة “ليس هناك بديل، لا يوجد عمل آخر، وهذا هو السبب وراء مخاطرتي بحياتي، أكسب بين 100 و150 درهم يوميا (بين 9 و 13 يورو)”.
وأكد عبد الرزاق أنه يتوجه إلى المنجم “منذ ثلاث أو أربع سنوات” مشيرا إلى أنه “يشرب الكثير من الحليب” لتخفيف آثار الغبار الذي يستنشقه، وفق اعتقاد شعبي شائع.
وقبل إغلاق المنجم أواخر التسعينيات، بعد أن باتت كلفته مرتفعة وفق السلطات، كان نحو 9000 يعملون في جرادة في مجال التعدين الذي كان يشكل مصدر الدخل الرئيسي للسكان.
ومنذ قرار الإغلاق، تراجع عدد السكان من 60 ألف نسمة إلى أقل من 45 ألفا.
ورغم الإغلاق الرسمي للمناجم، يواصل شباب المدينة المغامرة في هذه الآبار لاستخراج الفحم يدويا بغرض بيعه للتجار المحليين.
وأكد عبد الرزاق أن “الحوادث المميتة شائعة” في هذه المناجم، مشيرا إلى أنه شهد وفاة عمه وشابين من عائلته.
وكان من الواضح أن وفاة الشقيقين هي ما جعل الكيل يطفح.
وتعتبر جرادة من أفقر أقاليم المغرب، وفقا للبيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، وهي جهاز الإحصاء المغربي.
وتقع جرادة على بعد 60 كلم من مدينة وجدة كبرى مدن شرق المغرب.
وقال سعيد زروال، المسؤول المحلي في الرابطة المغربية لحقوق الإنسان إن الدولة قامت بطبيعة الحال بتنفيذ مشاريع اقتصادية بعد إغلاق نشاط التعدين، لكنها كانت “غير كافية”.
وأضاف “أن البلدة ليس لديها موارد أخرى، ولا توجد وظائف، أو مصانع، ويعيش الناس وسط ظروف لا تخلو من البؤس”.
“تشجيع الاستثمار”
والثلاثاء قال وزير الطاقة والمناجم عزيز الرباح إن “الدولة بصدد بناء وحدة لإنتاج الكهرباء من الفحم الحجري المستخرج من جرادة قدرتها 350 ميغاواط”، مشيرا إلى أن هذا المعمل الحراري “سيدخل الخدمة قريبا وسيوظف 500 شخص، غالبيتهم من أبناء المنطقة”.
وأضاف “سوف نجري كذلك دراسة معمقة للغاية من أجل تحديد القدرات المنجمية للمنطقة وتشجيع المستثمرين على المجيء إليها”.
من جهته أعلن رئيس الوزراء سعد الدين العثماني أنه مستعد “لاستقبال نواب من المنطقة هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل لبحث المشاكل” في جرادة.
وكانت نتيجة 80 عاما من استخراج الفحم في جرادة إرثا صعبا بالنسبة لعمال المناجم.
وتبدو الأمراض الرئوية الناجمة عن استنشاق غبار الفحم، مثل السحار، شائعة بين عمال المناجم، وفقا لشهادات تم جمعها في المكان.
عند مدخل جرادة، يصل نحو عشرين مريضا معظمهم من المتقاعدين من عمال المناجم، إلى “وحدة أمراض الرئة والسحار” في مستشفى المدينة لمعاينة طبية.
وقال الستيني محمد البركاني الذي عمل في المناجم طوال 23 عاما “لقد تم إنشاء هذا المركز خصيصا لعمال المناجم المصابين بمرض السحار”.
وأضاف أن “عمال المناجم يواصلون السعال بسبب المرض حتى وفاتهم. لذا، فإنهم يعطوننا أدوية لتخفيف الألم”.
وفي إتجاه آخر ورغم الجهود الحثيثة لنشطاء الحراك الاحتجاجي في مدينة جرادة، الذي انطلق منذ يوم الأربعاء الماضي باحتجاجات على غلاء الفواتير، وتأجج بمصرع شابين غرقا في بئر للفحم الحجري، للنأي بحراكهم عن التيارات السياسية، إلا أن أحداث “جرادة” فتحت شهية الأحزاب.
عبد النبي بيوي، رئيس جهة الشرق، لم يعرف من قبل بين ساكنة المدينة، إلا أن تفاقم الأوضاع وتزايد الاحتجاجات، أجبره للنزول إلى أرض المعتصم، منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين، أمام مستودع الأموات الذي كانت ترقد فيه جثث “شهيدي الفحم”، لإقناعهم بفك اعتصامهم والتراجع عن احتجاجاتهم.
لم تتوقف جهود القيادي البامي لامتصاص غضب أهالي جرادة عند هذا الحد، بل خاض جهود حثيثة لإقناع عائلات الضحايا بالسماح بدفن رفات أبنائهم، انتهت باتفاق بين الطرفين، يقضي بضمان تعويض مادي لأرامل الضحايا.
بعد تدخلات “البام” الميدانية في جرادة، سارع البرلماني عن جرادة باسم حزب الاستقلال، ياسين دغو، لمراسلة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، اليوم الإثنين، طالبا منه تحديد موعد عاجل للقائه لمدراسة الأزمة التي تعيشها المنطقة، كما رفع سؤالا كتابيا لوزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة عزيز الرباح، حول استراتيجيات الحكومة لضمان بدائل اقتصادية لأبناء المنطقة.
العدالة والتنمية، رغم قيادته للائتلاف الحكومي، لم يخرج عن نسق الأحزاب التي أثار الحراك في جرادة شهيتها للتدخل، فإلى جانب التدخل في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في البرلمان بإثارة موضوع معاناة أهالي جرادة، يتجه لدراسة إمكانية نزول عدد من برلمانيي الحزب ميدانيا لجرادة، حسب ما كشف عنه قياديون للاحتجاجات في المدينة.