عادل عبد العزيز .. رئيس التحرير

د. صلاح سلا م يكتب: جددت حبك ليه .. بين الشاعر أحمد رامي وسيدة الشرق أم كلثوم

كتب الصحفي اللبناني سليم نصيب رواية بالفرنسية عن أحمد رامي سماها ” أم” نسبة إلى أم كلثوم وترجمها الشاعر اللبناني بسام حجار واختار لها اسم “كان صرحا من خيال” وهي ليست من كلمات رامي و وهو الذي أهداها ١٣٧ أغنية لم يتقاضى عنها أجرا، ومنذ أن تعرف عليها وهي تغني كلماته “الصب تفضحه عيونه” ١٩٢٤والتي أهداها إلى الشيخ أبو العلا محمد وهو راعي صوت أم كلثوم الأول وتعرف عليها واحس أنها تنطق بما يجيش في صدره والتأمت الصداقة بينهما وظلت بين الشد والجذب.

وقد أجاد رامي اللغة العربية من قراءته للقرآن وهو خريج كلية المعلمين العليا وقد حصل عل دبلوم في نظم الوثائق من السوربون ١٩٢٥ واتقن الفرنسية والفارسية حيث ترجم رباعيات الخيام والتي أهداها إلى روح أخيه الذي مات في السودان، وقد كان ابن السيدة زينب ابن للطبيب رامي الكريتلي والذي مات في وهج شبابه وجده الأميرالاي حسن بك الكريتلي وتعود أصوله إلى تركيا وعاش طفولته في اليونان بحكم عمل أبيه وربته عمته التي ارتبط بها بعد وفاة والده وقد كان أمينا لدار الكتب ثم أمين مكتبة عصبة الأمم في جنيف.

وعاد إلى مصر مستشارا للإذاعة ثم مديرا لدار الكتب بعد أن حصل على شهادة أخرى من السوربون، كتب أول قصائده في سن الخامسة عشر في المدرسة الخديوية والغريب انه بدأ حياته مدرسا للجغرافيا، وبرغم عشقه لام كلثوم حيث قال يوما في تصريح صحفي كنت أبكي وأنا اكتب أغانيها إلا انه رفض أن يكون كاتبا خاصا بها فكتب للآخرين وابرزهم محمد عبد الوهاب برغم ما كان بين عبد الوهاب وبينها من نار تحت الرماد.

لقد احب رامي أم كلثوم حبا عذريا من طرف واحد أو قل عنه العشق الصوفي فقد جاء في الرواية التي انتهجها سليم نصيب مثلما فعل الكاتب النمساوي ستيدفان زفامغ مع ماري انطوانيت والسياسي جوزيف فوشيه وكما كتب هو ذاته “العشيق الفلسطيني” والتي تدور حول علاقة غرامية بين المسيحي البير فرعون الفلسطيني وجولدا مائير القيادية الإسرائيلية وما جاد به الزمان من مراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة والتي وقع في حبها الكثير من رواد صالونه الأدبي فاراد أن يصير العلاقة في صورة رواية بطلها أحمد رامي ولكن رامي كان له رأي آخر في حب أم كلثوم حيث يقول انه احبها كما احب الهرم او النيل.

برغم انه كان له يوم مقدس يحترمه كليهما وهو يوم الاثنين فهي تقول انه يوم رامي وهي تقول انه يوم أم كلثوم وقد تأثرت أم كلثوم به حيث كان يقرئها الشعر ويتجاذب معها صفحات من المعلقات وشرح وتفسير وهو خريج كلية المعلمين.

وقد حكى لي صديقي الدكتور أحمد رامي الأستاذ بطب عين شمس وهو حفيد شاعرنا العظيم أن جده الذي التصق به بعض الوقت نظرا لكثرة سفر والده الطبيب للدراسات في انجلترا، انه ذات يوم خصم له مدرس الفصل درجة لأنه كتب ” القارس” بالسين فعاد إلى جده واشتكى له انه علمها له هكذا فقال له أذهب إلى المدرس غدا اخبره أن جدي الشاعر أحمد رامي يستسمحك أن تفتح المختار الصحاح صفحة كذا لترى أنها تكتب بالسين والصاد وقد كان فأعاد المدرس له درجته.

وانه درس له كتاب كليلة ودمنة ولا شك أن عمله في المكتبات أتاح له قراءة العديد من الكتب بلغات مختلفة كان يجيدها فكتب السيناريو إلى جانب الشعر والمسرحيات واشهرها “غرام الشعراء” وترجم ” سمير اميس” وقد احتفظ رامي بمقعده الدائم في حفلات أم كلثوم في الصف الأول ولكنه يوم وفاتها جلس في الصف الأخير في العزاء حزينا يتكئ على احد الأصدقاء وقد احتفظ بخاتمها الذهبي المرصع بحجر كريم في أصبعه طيلة حياته وهو الذي أهداها لها احد أمراء العراق إبان الحكم الملكي ومازال يحتفظ به حفيده د.احمد رامي.

وقد حكى لي أن جدته كانت تستمع لحفلة أم كلثوم وهي تغني “جددت حبك ليه” ومعها أمها وعندما انسابت الكلمات العذبة زمجرت وأقنعت جدته انه لابد أن يكون زوجها قد جدد الوصال وربما يكون قد تزوجها وعندما عاد جده إلى البيت فوجدها مكروبة والنار مشتعلة وصارحته بما حدث من أمها وأنها أغلقت الراديو ضجرا ولكنه كان حكيما واقنعها انه مجرد شيطان الشعر فقد احسن عشرتها طيلة حياته وقد كانت هناك قطيعة فعلا بينه وبين ثومة ولكنها أجرت جراحة استئصال الزائدة الدودية وقد أجراها لها د.ابراهيم بدران رحمه الله فذهب لزيارته وعندما تعافت جاءت لزيارته فكتب قصيدته جددت حبك ليه وهكذا كانت أشعاره تنساب بعد كل مناسبة أو خلاف فيبدع “عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك”.

وقد رأها شاحبة الوجه بعد قطيعة بينهما وبرغم أن رامي ترجم رباعيات الخيام في ١٩٢٥ إلا أن ام كلثوم لم تغنيها لأنها كانت ترى أن عمر الخيام شاعر ماجن ولكنها بعد أكثر من عقدين حيث نضجت فاقتنعت وغنتها فأبدعت… ولا شك أن أحمد رامي قد احب أم كلثوم من وجهة نظري ولكن ليس جسدا وإنما كيان وصوت يعبر بصوت عالي وبتردد هو الأعلى بين أصوات زمانها وربما إلى الآن يشرح ويهدي إلى كل المحبين والعاشقين شعره محمولا عبر موجات الأثير فضمن أن يظل يعيش في قلوب الناس “فضلت أعيش في قلوب الناس وكل عاشق قلبي معاه” وعندما تشيح عنه وتبتعد يكتب ” حيرت قلبي معاك وأنا بداري واخبي” وعندما يعود محبا يكتب “عودت عيني على رؤياك” فكان رأيه أنها صوت من الجنة فظلت ملهمته.

ولم يكتب بعد أن توفت ١٩٧٥ حتى لاقى ربه في ١٩٨١فقد خبا وهج شعلة الإلهام وسيطر عليه الحزن وهجر القلم وقد كرمته الدولة بجائزة الدولة التقديرية والدكتوراه الفخرية وقد قال في رثائها أمام الرئيس السادات في حفل تأبينها ماجال بخاطري أني سأرثيها بعد الذي صغت من أشجى أغانيها قد كنت اسمعها تشدو فتطربني .. واليوم اسمعني أبكي وابكيها.

رحلت أم كلثوم ورحل أحمد رامي جسدا والذي لقب بشاعر الشباب وبقى الشعر واللحن والصوت والجمال يصدح في سماء الوطن العربي كله بل في شتى أنحاء العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى