المنظمة العربيةمقالات وآراء

أكثر من حياة..في السلطة الرابعة

تكتب د. أماني فؤاد
أكثر من حياة..في السلطة الرابعة..
حين رأت يده تتعثَّر في وضْع زجاجة المياه في جَيْب حقيبته؛ امتدت يدها بخِفَّة، ووجَّهت الزجاجة لتستقرَّ في مكانها، مرَّت من أمامه؛ فلم يَرَها، لَاحظت – في ملامحه – تِيْهًا ما. كان رذاذٌ من حولها يندفع ليروي آلاف الشتلات الخضراء، التي تصنع هَرَمًا من النباتات، وحدها نبتة صغيرة لم تَطَلْها الرشَّاشات، ضبطت يدها لتلتقط الزخَّاتِ، وتصوِّبَها نحوها، حلَّقَتْ حين رأت وريقات النبتة الغضَّة تبتسم. تحاول السيدة العجوز ــ التي أمامها ــ ضمّ خصلات شَعرها الأبيض المتناثر، فيفلت الطوق مِرَارًا من يديها المرتعشتين، تحركت أصابعها سريعًا وعقَدته، مرَّرتها من بعيد على تجاعيد اليد المرتعشة، ربما لتُقَبِّلَ طيَّات سنواتها العديدة. حين لمحت السيارة الطائشة تندفع على المنحدر، التقطت الولد من فوق دراجته، التي تهشَّمت إلى مئات القِطَع، وتناثرت في الهواء، ظَلَّ الطفل في صدرها لساعتَين قبل أن تنتظم أنفاسه. ضبَط زاوية الكاميرا ليلتقط هذا الطيف الأرجواني الذي يتبدَّد، دون أن تشعر؛ وجَّهت العدسة لزاوية أخرى، فرأى ابنته على القارِب مع كلبها البُني تتقاذفهما الأمواج، هرول سريعًا من جوارها مُمتنًّا.
يدُها التي دائمًا ما امتدت للوجود، قرَّر أمس الطبيب ضرورة بَتْرِها، قال دون وَجَلٍ إنها يدٌ فاسدة الدماء، مسمَّمة؛ غادرتْه وهي تنظر بحذر إلى السماء! اتجهت نحو هالةٍ عميقة بداخلها؛ واندسَّت فيها، نامت، ربما ليوم أو أكثر، ربما انتقلت لحياة أخرى، حين فتحت عينَيها؛ رأت بجوارها بُقعة سوداءَ، حدَّقت في يدها، تتصاعد منها الأدخنة، حرَّكت أصابعها، فشعرت بغُربة ما ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: