دين

في وداع رمضان .. ماذا تعلمنا من الشهر الفضيل ؟

لقد مضى الكثير ولم يبق إلا القليل من شهر رمضان الفضيل، فهنيئا لمن نال من خيراته وبركاته وما زالت همته عالية في الإقبال على الطاعات ليمضي بها إلى آخره، أما من قصّر فله أن يلوم نفسه ليحثها على الاجتهاد، ولكن ليس له أن يقنط أو ييأس، فما زالت لديه الفرصة سانحة للتعويض عما فات، فأبواب الخير لا تزال مفتَّحة، لا بل إنه في ما تبقى من أيام يزداد الخير وتكثر العطايا وتعظم الجوائز.
ولعل من رحمة الله وكرمه وفضله أن جعل خير أيام رمضان آخرها، في العشر الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخصه بمزيد من الاجتهاد في العبادة، فقد أخبرت عائشة رضي الله عنها “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره” رواه مسلم.
وكيف لا يكون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك الاجتهاد، وقد علم أن في هذه العشر ليلة القدر التي يدرك العابد فيها من الأجر ما لا يدركه في ألف شهر، فما أحرانا أن نستن بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في تحري تلك الليلة المباركة، فنقوم الليالي العشر في صلاة ودعاء واستغفار.
ولئن كانت هناك أقوال في تحديد ليلة القدر إلا أن أيا منها لم يصل إلى حد الجزم، وعلى هذا لا ينبغي لأحدنا أن يقصر قيامه على ليلة واحدة، بل أن يشمل العشر كلها، ليضمن تحصيل ما في تلك الليلة من الخير العظيم.
ثم إننا عندما نقوم العشر الأواخر كاملة سنكون في كل ليلة في واحدة من 3 حالات:
فإما أننا نقوم ليلة القدر، وتلك هي الغاية.
أو أننا في ليلة سابقة لها، فنأمل أن يكون قيامنا تقربا إلى الله رجاء أن يبلغنا ليلة القدر.
أو أننا في ليلة تالية لها، فنرجو أن يكون قيامنا دعاء إلى الله أن يتقبل منا ما كان من قيام ليلة القدر.
فلنُقبل جميعا على الله ليتدارك المقصر نفسه ويرتقي المجتهد أكثر وأكثر، وإنها لأيام قليلة ستمضي، والتعب فيها سيزول وننساه، ولكن الأجر سيبقى ونسعد به، فلنستكثر منه قبل أن يغادرنا رمضان.
وقدر الله أن يكون رمضان شهرا في العام، ولكن زاد الروح منه يمكن، بل ينبغي أن يرافقنا على مدار الشهور كلها، وما تعلمناه في رمضان سنحتاجه في كل حين.
لقد تعلمنا من رمضان أن في الصبر تربية للنفس وتهذيبا لها، وأن الصبر طريق وعر لكنه ينتهي بنا إلى ثمار طيبة.
تعلمنا من رمضان أن لجم الشهوات ممكن، وإبعادها عن سلوك المحرمات غير مستحيل.
تعلمنا أن الجوع والعطش اللذين عشناهما شهرا قد نجد من الناس من يعيشهما في كل الشهور، وهؤلاء لا بد أن نتذكرهم ونلتفت إليهم.
تعلمنا أن وجود نظام يضبط سلوك الجماعة هو قوة للفرد وقوة للجماعة.
وفي رمضان عرفنا أننا نملك طاقات أكبر من تلك التي تميل النفس إلى الوقوف عندها، وتأكدنا أن الذي التزمناه في هذا الشهر بوتيرة عالية نستطيع الاستمرار ببعضه في باقي الشهور بوتيرة مقبولة، فليس صعبا إذا عزم أحدنا أن يحافظ على شيء من صيام النوافل، وأقله صيام 3 أيام من كل شهر عملا بالتوجيه النبوي الكريم.
نستطيع أيضا أن نحافظ ولو على ركعتين في جوف الليل نتوجه فيهما إلى الخالق جل وعلا بقلوب ضارعة متبتلة، نسأله أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يصلح حالنا وينير دربنا ويسدد خطانا، وأن يوفقنا لما فيه لنا الخير نستطيع بعدم الاستسلام للنزوات أن نحافظ على نقاء أرواحنا وطيب كلامنا وسلامة سلوكنا.
ولنذكر دوما أن من علامات قبول الأعمال الصالحة التوفيق لأعمال صالحة بعدها.
ونعلم أن رمضان الذي رآه البعض مناسبة للاجتهاد أكثر في أبواب الطاعة لله كان لآخرين سببا للبدء مع الطاعة والإقبال على فرائض الدين بعد ترك وهجران، وهذا أمر طيب وحسن لكن على ألا يفهموا أن هذا الصلح مع الله ينتهي مع انقضاء رمضان، فإن رب رمضان هو رب شوال ورب الشهور كلها.
إنها أيام وينتهي بعدها رمضان، فيُؤذن للصائمين بالعودة للأخذ من طيبات أحلها الله لهم ومباحات جعلها لهم متاحة، ولكن الحذر كل الحذر أن يرى بعضنا ذلك إذنا بالجرأة على المحرمات وإطلاقا للنزوات في الفحشاء والمنكر والبغي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: