أخبارمقالات وآراء

لست بعورة

تكتب أماني فؤاد
.
كثيرا ما تساءلتُ بعيدا عن الضباب الأسود العنصري المتصاعد من التفسيرات المقدّمة لبعض النصوص الدينية ــ والتي قدمها في الأغلب الأعم ذكور ــ كيف يمكن لوجه الإنسان أن يكون عورة ، كيف يمكن للدال الرئيسي الذي يميزنا أفرادا في جنس البشر أن يحجب ويتم التعتيم عليه ، وهل يمكن ــ في أيسر التفاسير ــ أن يكون جزء من هذا الوجه محرما ، أعني شعر المرأة ؟ ولماذا يكون وجه المرأة وشعرها عورة وفيهما مواطن الفتنة والإغواء دون الرجل ؟ وإن كان هذا المنطق صحيحا لماذا لا يكون الرجل جميل الخلقة و الشعر هو الآخر عورة ؟ لأنه بذات المنطق جالب للفتنة ؟
وهل ينتفي التحريم لو أن المرأة لا تتمتع بقدر من الجمال فامتنعت الفتنة ؟
هل يفتن الرجل بالمرأة لضعف في نفسه ، وتهاوي قوة تحكمه في غرائزه ، ويفترضون في المرأة أنها من القوة والزهد فلا تتعرض للفتنة لو رأت جميلا ؟ أو بالأحري إن هي فُتنت هل لها أن تأتي مبادرة أو فعلا ؟ يربونها بالطبع أجبن من الفعل ، وإن حدث فحتما ستوصف بالفجور .
إذا أردت أن تخفي وجهي أو جزءا منه فأنت بلا شك تَعدُني شيئا أو أداة ، مجرد جسد ، ذلك رغم سقوط الثنائيات في الفلسفة والعلم الحديث ، والشيء ليس له عقل ، وإن كان فهو بالطبع قاصر ، ولذا فرضت عليه وصاية في الأديان والأعراف والتقاليد المجتمعية ، وإذا كان الشيء يحمل في خلقته غواية ، وفي صوته ، وفي جسده ، فبلا شك هناك خلل ما في عقله ، ربما ينحو للشر أو الغواية أو التحريض علي الرذيلة ، أو عدم القدرة علي التفكير الصحيح ، أو قصور الاختيار والتقييم الملائم لما يناسبه من عدمه ، أو عدم فهم مقاصد الآخر ، ومن ثم التعامل معها وفق إرادته ورؤيته ، ويعد الاختيار والتقييم والعقل ميزة الرجل دون سواه ، والشيء الذي هوالمرأة لا يمتلك تلك المقومات ولا هذه الاستحقاقات !!!.
أم أن المجتمع بثقافته الخاصة ربى الرجل بحيث لاتقمع رغباته ، فأطلقه ثورا كلما رأي ما يستثير حواسه برز وحشا ، يريد نيل ما تهفو غرائزه له ، وربى المرأة فريسة خانعة مقادة لإرادة أخري تتجاوزها ، إرادة الأقوي وصاحب القوامة ؟
ألا يمكن أن نطرح الأمر بطريقة أخري ، نتفق أن مثيرات الفتنة تعد ثقافة ، ثقافة تعارفت واتفقت عليها المجتمعات ، ولذا تتغير من مجتمع لأخر وإن ظل هناك مشتركات وثوابت ، كما أنها تتغيير في المجتمع ذاته من عصر لأخر .
بذات المنطق الإباحة والتحريم أيضا تعد ثقافة ، ثقافة اتفقت عليها المجموعات البشرية ، وفرض قواعدها الطرف الأقوي فيها ” الرجل ” ، وبالطبع تأتي القواعد لتتناسب مع أطماع الطرف الأقوي ، أطماعة من قبيل فرض الهيمنة ، التفوق الاقتصادي ، الاستئثار بذات بشرية ” المرأة ” تحت دعاوي متغيرة ، ووضعها في سياق يشبه ملكيتها بصورة مقنعة ، أو ملكيتها بالفعل ، رغبة التعدد في النساء ، وأن يشعر هذا الطرف بمتعة التفوق والطاعة ، كل هذه الرغبات وأكثر تتطلب أن يتم التعتيم والهيمنة والحجب النسبي لهذا الكيان والسيطرة عليه ، ولذا جاءت الأديان تحمل مايحقق للثقافة الذكورية تلك المطامع ، وإن نحت إلي بعض العدل النسبي ، فكل دين قدَّم ثورة في تاريخ البشرية بصورة ما .
هل أهتم الدين ــ الذي هو الضمير الخارجي الذي أُنزل علي البشرــ بالتدين الشكّلي الظاهري فقط ، الذي هو العناية بالمنظر دون الجوهر الداخلي ، فكانت عنايته الفائقة بلبس المرأة وحجابها ، وتربية لحية الرجل وتشذيبها من عدمه ، و طول بنطاله ؟ وترك جوهر الإنسان ، أغفل عقله ووجدانه علي مستوي الغرائز؟ بالطبع لا أقصد علي كل المستويات .
القمع والحجب الذي تعرضت له المرأة علي مر تاريخها لم يكن يقصد به حجبا علي مستوي الشكل الخارجي فقط ، بل كان جسرا وبابا للحجب والتعتيم علي الكيان والعقل والوجود ، لصالح الطرف الأقوي .
لماذا لم يتطور هذا الضمير الخارجي المفروض علي الإنسان ، بواسطة الإنسان أيضا ؛ ليربي ضميرا داخليا لدي البشر أمرأة ورجل ؟ أقصد ضميرا معنيا بالعدل والمساواة بين الجنسين ، أعني تربية العقل الناقد ، المحلل للظواهر ، والذي يخضعها لمنظومة فكرية فلسفية ، تربي ضميرا داخليا ، تجعله أكثر إدراكا لنفسه وللآخرين ، وتهذيبا لغرائز كل الأطراف ، يستوي في هذا المرأة والرجل .
كأننا بحاجة إلي أن نعد بشرا يدركون ، قادرين علي التقييم ، يمتلكون إرادة ، ضبط الغرائز بما يتناسب مع إنسانيتهم التي ارتقى بها الإنسان علي مر تاريخ تطوره ، لا التعتيم علي أحد طرفي الخلق البشري .
هل اختصت المرأة بالغبن في الواقع ، والديانات ، والثقافات ، لأنها تنطلق من تحكم ثقافة ذكورية ؟ أرادت أن تكرس باسم الدين ، وذكورية المجتمعات التي ظهرت فيها الأديان ، وتفسيرات الرجال لنصوصه وأحاديثه ، ترسخ لكل مكتسبات الرجل وقوامته ؟ هل هذا التدين الشكلي ومن يقف وراء تدعيمه يحجب وراء هذه الدعاوي أرواحا شريرة ، تريد أن تظل المرأة هذا الكائن الهامشي الجالب للفتن ، المحرض علي الغواية ، الناقص عقلا ودينا ؛ ذلك لتثبيت امتيازات الرجال في مجتمع ذكوري بموروثاته ، مجتمع لم يستجد شيء في حاضره ، لأنه لم يفارق ثقافة الجلد .
أما آن الأوان أن تقف النساء واثقات ليقولن : لا يوجد أي شيء بذواتنا عورة ، وجهي تكريم وتمييز لشخصي ، شعري تاج رأسي لا غواية فيه ، وعقلي لا ينبغي أن يفرض عليه حجابا أو وصاية ، أو أن يمارس نحوه نوعا من الكفِّ وتعطيل التفكير والتعتيم عليه ؟
ألا يجب أن تلتفت الثقافة التي تحكم مجتمعاتنا إلي عقولنا نحن النساء ، ألا يستوجب التطور عدلا يجعل الرجل يلفظ فكرة النظر للمرأة علي خلفية أنها مجرد جسد ، وأداة للإستخدام ، أداة يمكن أن يفرض عليها الحجاب ، أو يمارس ضدها تمييزا سلبيا في القوانين المنظمة للعمل والمواريث ، وغيرها من القضايا التي تضمن له تفوقا اقتصاديا ، ومن ثم تحكما في محاور كثيرة من حياة المرأة.
لا شيء في كياناتنا عورة ، عقولنا ووجداننا أدوات كياناتنا الفاعلة ، نملك إرادتنا ، وضوح مظهرنا دون تعتيم وحجاب ، دون ابتذال وترخص ، نحن نصف وجه هذه الكرة الأرضية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى