أخبارمقالات وآراء

عندما وقف المصريين خلف زعيمهم في المحنة .. الشعب صمد والجيش انتصر

أ.د. صلاح سلام
اكثر من خمسين عاما قد مرت على حادثة خروج الشعب المصري من كل حدب وصوب يومي ٩ و١٠ يونية ١٩٦٧ ترفض الهزيمة وتتمسك بالزعيم الذي شغف العقول وامتلك القلوب ،خرج الشعب ليهزم الهزيمة،وكنت دائما أحدث نفسي كيف يتمسك الشعب بزعيم ذاقوا تحت حكمه مرارة الهزيمة،ولكن المشهد الذي رأيته وانا مازلت طفلا  في أعقاب خطاب التنحي وهو اول ظهور للرئيس عبد الناصر بعد اعلان وقف إطلاق النار وقد سمعناه في الراديو فلم يكن احد في العريش تقريبا يمتلك جهاز تليفزيون وحتى لو أمتلك فالتيار الكهربي مقطوع والراديو الترانزيستور الذي يعمل بالبطاريات هو الكنز الحقيقي في هذه الأيام وربما كان الفضل في توافره اننا جيران قطاع غزة حيث كان يعتبر منطقة حرة ،وقد اذيع البيان وصرخت امي وكأن زوجها قد مات للتو  مع انه رحل منذ ٧ سنوات ورأيت أخي كمال الذي كان أحد المتطوعين في فرق الكشافة مع الهلال الأحمر  يبكي بحرقة بل يشد خصلات شعره والبيت في صيوان عزاء وانطلق الرجال في الشوارع في فترة رفع حظر التجول الذي فرضه المحتل وكأنهم يعزون بعضهم، والنساء تبكي ونحن نرقب المشهد  على وجوه زملاء اخوتي من القوات المسلحة الذين كانوا يختبئون في احد غرف بيتنا ودموعهم لاتجف ،ويتصايحون هتسبنا لمين ياجمال ،وبرغم المقاومة التي كانت مازالت مستعرة على أطراف المدينة بعد أن سيطرت قوات الاحتلال على سيناء بالكامل الا ان ذلك لم يمنع الجماهير أن تعبر عن رفضها برغم شدة المعاناة ومازالت رائحة الموت تزكم الانوف حيث الحكايات عن مقتل رهط من الاسرى بدم بارد قرب طريق المطار او إخراج الجنود والضباط المختبئين في البيوت مع أصحاب البيت ورشقهم وهم وقوفا ووجوههم للحائط وقصص لاتنتهي سمعناها ولم نراها عن مرور الدبابات على أجساد الاسرى المكبلين احياء ،وفي حديثي مع المرحوم عبد الغفار شكر والذي كان نائبا لرئيس المجلس القومي لحقوق الانسان وانا عضوا فيه عن هذه الحقبة ،وكيف انه أثير غمز ولمز أن الاتحاد الاشتراكي هو من اخرج الجماهير إلى الشوارع ،ويحكي لي أن التلقائية المطلقة هي التي سيطرت على الموقف وهو شخصيا نزل إلى الشارع ووصل إلى رمسيس والجماهير تتجه إلى منشية البكري حيث منزل عبد الناصر دون ان يدري وكان طوفان البشر لايقاوم ويبدو أن الجماهير قد احست أن عبد الناصر وهم كانوا ضحية مؤامرة،وعندما قرأت عن خدعة الحشد على الجبهة السورية واستدعاء القوات من اليمن وحشد المتطوعين وقوات الاحتياط الذي وصل بعضهم إلى الخطوط الامامية وهم مازالوا بملابسهم المدنية…وعن المحادثات التي دارت بين الأمين العام للأمم المتحدة وعبد الناصر وطالبه فيها بضبط  النفس والتهدئة والا تكون الرصاصة الأولى منه بعد أن تلقى تطمينات من جونسون الرئيس الامريكي وقتها اثر موافقة عبد الناصر فتح خليج العقبة أمام كل السفن ماعدا الإسرائيلية كبادرة حسن نية لتخفيف الاحتقان ،وخاصة بعد أن طلب عبد الناصر انسحاب قوات الطوارئ الدولية  كان جزئيا  ولكن امين عام الأمم المتحدة يوثانت قد رفض وقال إن المهمة كل لايتجزأ وانسحب بالفعل من كل المواقع عندما أصر مجلس  الحرب كاملا على ذلك بعد عرض عبد الناصر للموقف  …واتضح فيما بعد ان  الحشود على الجبهة السورية كانت تكتيكيا… وليس للتصعيد وإنما لردع بعض عمليات التسلل التي كان يقوم بها الفدائيين الفلسطينين، ولكن الفخ كان منصوبا لكسر شوكة عبد الناصر في المنطقة  وتمرير ماتريد امريكا تمريره، وخاصة أنها قد منعت تصدير القمح لمصر قبل شهور كجس نبض ولكن  عبد الناصر قابل ذلك بكل شموخ ولم يرضخ لما تمليه ،كل هذا اتضح فيما بعد واستغلال وجود ٣ فرق من جيشنا في اليمن ،لتحقيق مأرب إسرائيل وقيل أن الطيران الذي دمر المطارات المصرية على الأرض قد خرج من قاعدة هويلس الجوية الامريكية والتي كانت في ليبيا ،ولكن نعود لجماهير ٩و١٠ يونيو  والتي وصفها الاستاذ عبد الغفار بانهم ملايين العمال الذين أصبحوا شركاء في المصانع وفق نظام نقابي وتاميني عادل ،والفلاحيين الذين تملكوا الأرض واصبحوا يجنون ثمرة ايديهم بعد أن كانوا عبيدا فيها وطلاب الجامعات الذين نالوا حظوظ متساوية وفق مكتب تنسيق عادل والشباب الذين كانوا يتسلمون اعمالهم بعد التخرج دون أي واسطة كل هؤلاء خرجوا واسرهم وذويهم وفي المجموع هؤلاء هم الشعب ،الذي احس بقيمة العدالة الاجتماعية  فخرجوا ليدافعوا عن مكتسبات ثورتهم ويهزموا الهزيمة وهم الذين خرجوا في فبراير ١٩٦٨ يطالبون الزعيم بمحاكمة عادلة لمن تسببوا في الهزيمة وفتح الافق السياسي والحريات العامة، وبالفعل كان ردي عليه لو كان الاتحاد الاشتراكي قد اخرجهم في القاهرة والمحافظات فمن الذي اخرج الجماهير في الأرض المحتلة  وفي بعض الدول العربية،هكذا حركة الشعب لم تهدأ ،الى ان اعيد بناء الجيش وخاضت مصر أشرس معارك حرب الاستنزاف والتي مهدت لنصر أكتوبر المجيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى