أخبارتحقيقات وتقارير

سيدة الأحزان

 

بقلم . چاكلين جرجس 

مما لا شك فيه أن الألم تجربة قاسية و سلبية بغيضة يتخلله شعور بعدم السعادة و المعاناة التى قد تقذف بنا فى محرقة التذمر و عدم الرضا عن الحياة ؛ و قد تصل بالبعض لمحاولة إنهاء حياتهم رغما عن إرادة الله الخالق العظيم ؛ فكل إنسان على وجه الأرض تتشكل حياته منمجموعة من التجارب و الاختبارات المتعددة و المتننوعة ما بين قاسية و مفرحة لكن دائما يبقى السؤال الأزلى هل نستطيع أن نحتمل تجاربنا برضا و شكر أم نقع فريسة سهلة لإغواءات الشيطان ومقاصده الشريرة فى التذمر على ما نبتلى به خلال رحلة الحياة ؟ و لكى نعبر المحن و التجارب بسلام  نحتاج دائما إلى الرجوع لتاريخ من سبقونا فى أرض الشقاء و الاسترشاد بفضائلهم التى كانت و لا تظل منارة نهتدى بها فى ليل مظلم ملىء بقسوة الألم .

و لان من الثابت أن أغلب الألام الإنسانية تقع فى قلوب النساء فقد أخذت السيدة العذراء مريم النصيب الأكبر من الألم و الأحزان فقد جاز فى نفسها أكثر من سيف مؤلم حتى الإماتة  فمنذ حداثتها وبداية حياتها و هى طفلةعندما بلغت عامها الثالث جاءا بها والداها وقدموها لله لأنها كانت نذراً لله، وبقيت في الهيكل حتى سن الثانية عشرة لم تكن الخدمة فى الهيكل سهلة كما يظن البعض فقد كانت تقوم بتنظيف الهيكل من روث و مخلفات الحيوانات التى كانت تقدم كذبائح لله ،و يتجلى خضوع العذراء مريم في قبولها لمشيئة الله، فهي الفتاة المخطوبة لرجل عمره ثمانين عامًا تأتيها بشارة الملاك ليخبرها بأن أختيار السماء وقع عليها كما جاء في بشارة الملاك لها قائلاً : ” لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين أبناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وأبن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ” ؛و هنا من الطبيعى أن تغرق فى تساؤلات مرعبة و سيف جديد اجتاز فى نفسها وهو سيف “شك ” فكيف تكون أما و هى لم تعرف رجلًا هل سيتم تصديق قصة بشارتها من الملاك ؟؛ ثم ما هي نظرته ونظرة المجتمع اليهودي لها وهي نذيرة الرب وأبنة الهيكل؟!. علاوة على ذلك قد تتعرض لعقوبة الزنا وهي الرجم حتى الموت، ولكن القديسة الطاهرة مريم العذراء لم تحتسب لشيء ولم تفكر في نفسها، بل بإيمان واثق صمتت وقبلت البشارة .

نرى فى حياتنا اليومية أن أغلب البشر يمرون بظروف اجتماعية ومادية صعبة و أيضا مريم العذراء اختبرت نفس الألم ” ألم العوز والاحتياج ” بصحبة نجار شيخ بار طيب القلب يوسف، كانت تتقاسم معه خبز الكفاف اليومي بالدراهم القليلة التي كان يحصلها من مهنته، إلا أن عمق ألم هذا السيف تجلى أمام هذه الأم العذراء عند ولادتها ليسوع المسيح، فلم يكن لديها حتى منزل لتلد به، واضطرت أن تلد في أحقر الأماكن، في مذود للحيوانات، هل تتخيل معى عزيزى القارىء صعوبة وقسوة تلك اللحظات و مدى الألم النفسى و الجسدى الذى مرت به مريم !! .

 من منا يستطيع تحمل فكرة مرض أو ألم أبنه الوحيد ألا تقدمون حياتكم عوضا عن أبنائكم إذا أضطركم الأمر،  ما هو شعور قلب الأم على أبنها حينما تسمع بالظلم والحقد ومحاولات قتله و التنفيذ بالفعل أمام أعينها ، لقد كانت تعلم منذ البداية بأمر الصلب أحست بالصليب الذي كان يطارد خيالها فى كل يوم من الثلاثين يوم التى عاشها السيد المسيح على الأرض حتي تحقق ما كان خيالا، ورأت بعينيها أبنها القدوس يصلب كخاطيء، وكمال المحبة تداس يغتاله الموت. ولعله كان آخر و أصعب ألم تجرعته مريم لا تستطيع أى نفس احتماله إلا بدعم من قوة ألهية ، أتشعرون معى بألم الأم فاحشائها تلتهب نارا حزنًا على ابنها وحيدها …ما كل هذا الألم الذى احتملته ؟!! كل هذا القبول و الرضا بصبر و صمت فقد كانت تحفظ كل هذه الأمور بقلبها .

  نجد أن الكنيسة الكاثوليكة تحتفى احتفاءا بالغًا بالقديسة مريم فقد تمثّلت فيها صور آلام البشرية ولهذا أُطلقتعليها لقب “أم الأحزان”. وخصصت لها عيد تذكاري فى يوم 15 سبتمبر من كل عام ، و يرجع الأمر إلى القرن الرابع والخامس الميلادي،عندما كتب القديس افرام السرياني (373م)  “مراثي مريم” والذى لخّص فيها ما عانته مريم، وكذلك القديس رومانوس والقديس أمبروز والقديس أنسلم والقديس برنارد جميعهم تأملوا فى ألام الصليب وعلاقة مريم بتلك الآلام ، ولقد بدأ فـى الإحتفال بـعيد “سيدة الأحزان” من بدايـة القرن الثانـى عشر ثـم بدأ فـى الإنتشار بين مكرمـي العذراء فـى كل العالـم وتمت إضافتـه إلـى قائـمة الأعياد الـمريـمية بمعرفـة البابا بندكيت الثامن فى عام ..

  لذلك لم أجد أفضل من ” الملكة ” ، ” العذراء ” ، ” البتول ” ، ” أم النور الحقيقى ” ، ” الحمامة الحسنة ” ، ” السماء الثانية ” ،” تهليل حواء ” ،” فخر العذارى ” ،” نهر المحبة ” ، أمنا كلنا و فخر البشرية كلية الطُهر السيدة العذراء مريم لتكون حياتها و رحلة ألامها ضوء ينير لنا الطريق فى غربة الأرض و رحلة الشقاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى