المغرب: لماذا لم تتوقف الاحتجاجات رغم تدخل الملك؟
تتوالى تطورات حركة الاحتجاج في مدينة الحسيمة شمالي المغرب دون أن يتبين في الأفق ما يشير إلى تهدئتها أو تراجعها. فبعد مرور ثمانية أشهر على اندلاعها، إثر مقتل بائع السمك محسن فكري طحنا في حاوية للأزبال احتجاجا على إتلاف بضاعته، يواصل شباب منطقة الريف خروجهم في تظاهرات سلمية في بعض المدن والبلدات على نحو شبه يومي، مطالبين بحق أبنائها في عيش كريم من قبيل إحداث وظائف وبناء مستشفى وجامعة وتنفيذ المشاريع التي سبق أن أطلقها الملك محمد السادس في أكتوبر 2015 ولم تدخل بعد حيز التنفيذ وذلك نقلا عن موقع بي بي سي العربية.
أمام توالي المظاهرات وتخبط حكومي في التعامل معها أخذت وزارة الداخلية المغربية على عاتقها مهمة مواجهة الاحتجاجات بمنعها رغم سلميتها وعدم تسجيل أي اعتداء على أملاك عامة أو خاصة، بل اكتفى المتظاهرون بترديد شعارات تنم عن شعور بالغبن والتهميش.
وبدل أن تتدخل الحكومة، التي يقودها سعد الدين العثماني، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، بقرارات سياسية تهدف إلى التعامل من مظالم أهل منطقة الريف ومعالجتها لجأ قادة الأحزاب السياسية الستة المشكلة للائتلاف الحكومي في بادئ الأمر إلى إثارة غضب سكان المنطقة وتأجيج المظاهرات باتهام شباب الحراك بالسعي إلى انفصال منطقة الريف.
وأمام تزايد حدة المظاهرات والاحتجاجات لجأت قوات الأمن والشرطة إلى اعتقال أكثر من 100 ناشط من أبناء المنطقة، على رأسهم قائد الحراك ناصر الزفزافي، ووجهت لهم تهم ثقيلة من قبيل تهديد أمن الدولة والتحريض على العصيان المدني. حوكم بعضهم بعقوبات السجن وأفرج عن آخرين فيما لا يزال معظمهم ينتظرون مثولهم أمام القضاء.
ومع دخول المنطقة مرحلة من التوتر نتيجة عجز رئيس الحكومة عن التدخل لإخماد ما اعتبرها البعض نار “فتنة” قادمة سارعت أكثر من مائة شخصية سياسية وأكاديمية مغربية إلى المطالبة بتدخل الملك لتهدئة الوضع على غرار تدخله في 9 مارس/ آذار من عام 2011 بالإعلان عن تعديلات دستورية جنبت المغرب السقوط في مسار صدامي بين المطالب الشعبية وسلطات النظام الملكي آنذاك.
وبالفعل وبعد طول انتظار جاء التدخل الملكي في آخر يوم من شهر رمضان في شكل أمر للحكومة والوزراء المعنيين بفتح تحقيق في أسباب تعثر برنامج مشاريع سبق أن أطلقه عام 2015 لتنمية مدينة الحسيمة، رصدت له ميزانية بمبلغ 670 مليون دولار.
وأعرب بيان صادر عن الديوان الملكي عن استياء الملك وانزعاجه وقلقه من عدم تنفيذ تلك المشاريع في الآجال المحددة لها. كما قرر عدم الترخيص للوزراء المعنيين بالاستفادة من العطلة السنوية حتى يتسنى لهم الانكباب على متابعة سير أعمال تلك المشاريع المذكورة.
غير أن قرارات الملك لم تحل دون استمرار الاحتجاجات. ففي يوم عيد الفطر نزل متظاهرون الى شوارع مدينة الحسيمة ليجدوا في مواجهتهم قوات أمن مسلحة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع. ووقعت صدامات خلفت إصابات في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن التي حاصرتهم.
وبعد ثلاثة أيام من أحداث عيد الفطر في الحسيمة، والتي لم تنل أي تغطية من قبل وسائل الاعلام الرسمية من إذاعات وتلفزيون، أعلن رئيس الحكومة عن أسفه لوقوع تلك المواجهات، ووجه نداء للساكنة لـ” توفير جو من الهدوء لإنجاح إنجاز المشاريع…”. وأضاف العثماني: “الملك شكل لجنة لتقييم جميع المشاريع بالحسيمة وستحدد المسؤوليات وتبنى عليها المحاسبة”.
وتوجد حركة الاحتجاج والسلطات اليوم على طرفي نقيض. ففيما يطالب المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين فورا، لكونهم أبرياء من التهم الموجهة اليهم من قبيل التحريض على العصيان وتعريض أمن الدولة للخطر، قبل بحث أي مطالب أخرى، ترد السلطات بالقول إن القضاء هو الذي سيفصل في أمرهم وأن الاستمرار في الاحتجاج يعرض المزيد من المتظاهرين للاعتقال والمحاكمة.