فرنسا ‘تساعد’ الجزائر على طمس حقبة بوتفليقة بهدوء
ذكرت مصادر مطلعة في باريس أن جميع الوزارات الفرنسية المعنية بملف علاج الرئيس الجزائري قد تلقت تعليمات بممارسة أقصى درجات السرية فيما يتعلق بصحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وعدم تسريب أي معلومة في هذا الخصوص بتعلة أن الخوض في هذا الموضوع هو شأن جزائري خاص، لا دخل لفرنسا فيه من بعيد أو قريب.
ويقول مراقبون إن صمت باريس لا يمكن تفسيره إلا بافتراض ان “كل ما يتعلق بحقيقة صحة الرئيس الجزائري لا يبعث على الاطمئنان”، وإلا فما الذي يحرج باريس من طمأنة الجزائريين المنشغلين بمستقبل بلدهم على حال رئيسهم إذا ما كان حقا في وضع صحي جيد سيسمح له بالعودة لممارسة مهامه مجددا؟
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لم يشأ الكشف عن هويته لصحيفة “لوباريزيان” إن الحقيقة بخصوص صحة بوتفليقة أمر يخص الجزائريين.
واكتفى بالتأكيد على أن الرئيس بوتفليقة “يتلقى علاجا جيدا ويستفيد من خدمات أحسن الأخصائيين”.
ويزيد موقف باريس الداعي إلى عدم تقديم معلومات عن الموضوع، من حالة الشك لدى الرأي العام الجزائري والدولي في ان فرنسا باتت متوافقة تماما مع قوى النفوذ والمصالح في الجزائر على ضرورة عدم الكشف عن وضع بوتفليقة الصحي قبل الانتهاء من ترتيب الأوضاع الداخلية الجزائرية لتقبل فكرة “نهاية حقبة بوتفليقة” لفائدة بديل يكون مرضيا عنه من الجنرالات ولوبيات النفوذ والمصالح في الجزائر وكذلك من باريس التي ترى في النظام الجزائري الحالي دعامة حقيقية لنفوذها في هذا البلد الشمال إفريقي.
وخاضت الجزائر عشرية دامية في نهاية القرن العشرين، في مواجهة الإرهاب الديني. وهي ترفع يافطة هذه المواجهات لإقناع الجزائريين بخطر الديمقراطية والانفتاح التي يمكن أن تعيد الإسلاميين إلى حكم البلاد من الشباك بعد أن تم طردهم من الباب.
وتحت هذا الشعار ايضا، قدمت السلطات الجزائرية سرا ودون سابق إعلام، مساعدات لوجستية هائلة للجيش الفرنسي في معركته مع الإرهاب في الجارة مالي، وذلك بعد ان رفضت أي تدخل اجنبي على حدودها الى حدود ساعات قبيل الهجوم الفرنسي.
ولهذا المعطى، ترى باريس أن النظام الجزائري بشكله الحالي، المنغلق على نفسه والرافض لـ”الانصياع” لأوامر “الربيع العربي” الذي هب على المنطقة وذهب بإثنين من أعتى الأنظمة في بلدين جارين: نظام زين العابدين بن علي في تونس والعقيد معمر القذافي في ليبيا، ترى فيه ضمانة حقيقية في وجه موجة المد العارمة للتشدد الديني في المنطقة، مثلما يقول محللون.
ونقلت صحيفة “لو باريزيان” عن مصادر ديبلوماسية فرنسية إن القلائل الذين اطلعوا على التقرير الطبي عن صحة بوتفليقة لاحظوا أن بإمكانه العودة إلى الجزائر نظرا إلى أن وضعه الصحي يسمح بذلك، لكنها قالت إنه لا يمكنه العودة إلى ممارسة الحكم.
وكانت مجلة ‘لوبوان’ الفرنسية قد أكدت على موقعها الإلكتروني قبل اقل من أسبوعين أن صحة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعالج في مستشفى ‘فال دوغراس’ بباريس ‘تتدهور’ وأنها ‘تسير من سيئ إلى أسوأ’، لا يزال يعالج في باريس منذ أكثر من 4 أسابيع.
وأفادت مجلة ‘لوبوان’ بأنها استقت معلومات من مصادر وصفتها بالموثوقة، تقول إن صحة رئيس الجمهورية (76 عاما) ‘تتدهور وتسير من سيئ لأسوأ’.
واستنادا لمعلومات قالت الصحيفة الفرنسية إنها من موظف فرنسي سام، فإن صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ‘لا تشهد تحسنا’. وأضاف قائلا ‘إنه وصل إلى باريس في حالة سيئة للغاية’.
وأكدت الصحيفة أن ‘بعض المصادر الطبية تؤكد أن بعض الوظائف الحيوية للرئيس قد أصيبت بشكل مؤثر’.
وأمام مثل هذه التسريبات التي تكذب التصريحات الرسمية الجزائرية، يحرص الجزائريون على معرفة حقيقة وضع رئيسهم من الحكومة نفسها.
ويجهل الجزائريون حقيقة الوضع الصحي لرئيسهم في ظل حالة من التكتم الشديد التي تطبع التعاطي مع هذا الملف، وفي غياب أي صورة له منذ مغادرته للعلاج في فرنسا.
ورغم كل التسريبات الفرنسية التي تتحدث عن وضعه الصحي بشكل لا يبعث على الاطمئنان، فإن الحكومة الجزائرية استمرت في حجب المعلومات عن صحة بوتفليقة، مكتفية بالتأكيد على أنه في صحة جيدة وسيعود لممارسة مهامه في أقرب الآجال.
ويثير تواصل علاج بوتفليقة في فرنسا منذ أكثر من شهر، تساؤلات واسعة بشأن وضعه الصحي ومدى تجاوبه مع العلاج الذي يخضع له إثر تعرضه لجلطة “عابرة”، وفقا لما تقوله حكومة الجزائر.
وتقول مصادر جزائرية مطلعة إن التعتيم الرسمي على صحة الرئيس الجزائري يأتي بأوامر من المؤسسة العسكرية في البلاد التي تريد أخذ وقتها الكافي لإعداد العدة لمرحلة ما بعد بوتفليقة.
ودأبت الصحف الجزائرية منذ مدة على تسريب أسماء لمرشحين جزائريين للرئاسة وخلافة بوتفليقة على هذا المنصب مثل عبدالمالك سلال رئيس الحكومة الحالي وليمين زروال والرئيس الجزائري الأسبق وأحمد بن بيتور وأحمد أويحيى ومولود حمروش وعلي بن فليس وعبدالعزيز بلخادم الذين سبق لهم ان تقلدوا رئاسة الوزراء في الجزائر.
ويرى محللون أن سماح الجنرالات بتسريب هذه الاسماء في وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى، الهدف منه تحضير الجزائريين لتقبل فكرة تغيير بوتفليقة دون التنازل عن نفوذهم ودرءا لخطر محتمل من ارتفاع سقف المطالب الشعبية باستغلال غياب بوتفليقة عن المشهد، للدعوة إلى ضرورة بناء حياة سياسية جزائرية جديدة، تقطع مع الاساليب البالية في الحكم التي ادت إلى رهن بلادهم بأيدي “مافيات” الفساد المالي والسياسي ما جعلها عاجزة عن إنجاز تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية، تخرج اعدادا هائلة من الجزائريين من حالة الفقر والبطالة، رغم ما تمتلكه من ثروات هائلة.