أخبارمقالات وآراء

كيف يسهم القانون فى خلق الوعى

د. أماني فؤاد

د. أماني فؤاد

تنطلق هذه الورقة، ليس من وضْع القوانين العادلة الملزِمة فقط، بل نأمل أن تُسهِم هذه القوانينُ مع التمكين والممارسة، والتعليم، والتوعية الثقافية، في الاشتغال على تغيير النسَق الثقافى العميق للمجتمع، وأن يسهِم الالتزام بها في تصحيح مفاهيم النساء والرِّجال، فتنمية المجتمعات بحاجة لعدالة القانون وتمكينه، ووعى المجتمع أيضًا. وأرى أن هذه القوانين يمكن تقسيمها إلى:

– قوانين تنظِّم وتُعد الطرفَين: المرأة والرجُل ما قبل الزواج.

– قوانين تنظِّم علاقة الزواج.

– قوانين تنظِّم حالات الطلاق.

– قوانين تنظِّم كيفية تنشِئة الأطفال في حالة طلاق الزوجَين.

(1)

قوانين تنظِّم ما قبل الزواج

هناك مجموعة من القوانين والمقولات التي تحطُّ من شأن المرأة، والتى يجب تأثيمها، والعمل على اضمحلال تأثيرها على الوعى والعقل الجمعى لشرائح عريضة من المجتمعات.

– يجب أن ينُصَّ القانون على ألَّا يقِل عُمْر الفتاة عند الزواج عن عشرين عامًا؛ لضمان الاكتمال الفسيولوجى، وأيضًا النُّضج العاطفى والعقلى، وللتفكير مَرَّات قبْل الإنجاب، وربْطه بالقدرة على تحمُّل المسؤولية، للحَد من وجود أطفال بلا رعاية حقيقية.

– لماذا- وتحت أي منطق- بعد أن تعلَّمت المرأة وأصبحت لها خبراتٌ متراكمة في الحياة أن تظَلَّ شهادة المرأة نِصفَ شهادة الرجُل؟ هذا القانون غير دستورى، ويتعارض مع المادة (11) من الدستور، ومواد أخرى.

– التأكيد على قانون تُعامل فيه المرأة باعتبارها كيانًا إنسانيًا مستقلًا، الأصل فيه الأخلاق السوية، وليس من حق أي جهة، مثل فندق أن يرفض أن تنزل المرأة للمبيت فيه بمفردها أو مع أولادها، فالمرأة ليست كائن غواية كما في السرديات الموروثة البائدة.

– تغليظ العقوبة على كل أب وأُم لا يعلِّمان أولادهما بصفة عامة، وبناتهما بصفة خاصة؛ لأن التعليم هو الضمان والأساس للبُعد عن الشطط، والمَيل لثقافة الخرافات، ومن شأن التعليم أن يحفِّز عقول النساء لمعرفة حقوقهن، والشعور بإنسانيتهن، ورفْض ما في الخطابات التي تمتهِن حقوقهن؛ لا تصديقها واعتبارها مقدَّسة.

– يمكن وضْع قانون يُلزِم القائمين على التعليم ومقرراته بتدريس مادة للطلاب في سنوات الدراسة، ولتكُن بعنوان «توعية أسرية»، وأن تقدَّم بصورة شيقة، وتتضمن حقَّ كل فرد في اختيار شريك حياته، وأن حُسن الاختيار لن يتأتَّى إلا بعد سِنِّ النضج. ويمكن أن تتنوع هذه المادة، فيكون من فصولها على سبيل المثال: على أي معايير يمكن أن تختار المرأة والرجُل شريك الحياة؟ كيف تجهِّز بيتهما الصغير دون مغالاة؟، متى يمكن أن تنجب وتكون على قدْر المسؤولية هي والزوج؟، مراعاة حقوق المرأة والتأكيد على أنها شريك في عملية الزواج وليست سِلعة تُباع وتُشترى، وأن عليها واجباتٍ كما أن لها حقوقًا، وأن يكون التفاهم والود- وليس الطاعة- هما العلاقة الحاكمة لشراكة الزواج القادمة.. أن نُشعرها بكيانها الإنسانى المطلَق المكتمِل، لا أن يدرَّس لها وصية أم لابنتها قبل الزواج، هذه الوصية التي قالتها امرأة لابنتها منذ قرن ونصف، ولم نزَلْ ندرسها رغم اختلاف كل معطيات الزمن الذي نعيشه.

– يجب أيضًا أن تتضمن هذه المادة- التي اقترحت لها عنوان «التوعية الأسرية»- ما يعلِّم المرأة أن علاقة الحب والارتباط برجُل يجب ألا تلغى ذمة المرأة المالية المستقلة، كما لا تلغى حقها في العمل والكسب الخاص.. وأن تدرك أنه لا حرَج على المرأة الناجحة؛ فهى لا تحطم غرور الرجُل ولا تهدِّد قوامته. النساء يحتجن الثقة في ذواتهن والإيمان بقدراتهن وحقوقهن، وأن يسود الاحترام والود في حالة الشراكة مع الزوج، لا الذوبان في كيانه.

– كما يجب وضع قوانين ملزمة تقنن وتنظم جهة الفتوى واختيار من يتحدثون للناس من رجال الدين، ومنع كل الخطابات التي تحط من مكانة النساء، أو تعدها أداة غواية، أو اقتصار دورها على خدمة الرجل وبيته والأولاد، أو أن عليها تسليم عقلها والالتزام بالطاعة.. سيل هذه الفتاوى المتطرفة تحط من شأن النساء، وتضعها في العقل الجمعى وكأنها كائن من الدرجة الثانية.

– منع ترويج ونشر كل الخطابات الدينية التي تستند إلى الخرافات والأمور الخارجة عن المنطق مثل: مَسِّ العاشق أو إرضاع الكبير، الخرافات التي يتوجهون بها لعقل المرأة فيشوهونه.

– لماذا لا يصدر قانون يحدد التعدد في الزواج، وأنه ليس الأصل، لماذا نعمل على أن نؤذى المرأة نفسيا ونضعها في مكانة غير لائقة؟!.

– تغليظ العقوبة على كل من يتحرَّش بالمرأة، بأنواع التحرش والإيذاء كافة، سواء القولى أو البدنى، أو ابتزازهن إلكترونيًّا، ومَن يُجرى ختان النساء، ويزوِّج الفتيات الصغيرات، أو يتاجر بهن، حيث يدنِّى التحرش من مكانة النساء واحترامهن، فالمتحرش يتعامل مع النساء بصفتهن كائنات للجنس فقط.

(2)

قوانين تنظِّم علاقة الزواج

– الأصل في الزواج امرأة واحدة فقط، ولا يحدُث الزواج مَرَّة أخرى إلا لحالات خاصة مَرضية، وأن يكون بموافقة وعِلم الزوجة الأولى.

– النَّص في وثيقة الزواج على أن يُقسَّم العائد المشترَك في فترة الزواج بين الرجُل والمرأة مناصفة في حالة الطلاق.

– تأثيم ضرْب الزوجات بكل أشكاله، واعتبار بعض النصوص والأحكام الموروثة نصوصًا تاريخية، جاءت في ظروف اجتماعية انقضَت معطياتها، حيث يتعيَّن الاشتغال على كل ما يرفع كرامة المرأة، لا ما يحط من شأنها أو يجرح كرامتها، حتى لو جاءت تلك الأقوال على ألسنة المشايخ الكبار.

(3)

قوانين تنظِّم حالات الطلاق

– في ظِل نِسب الطلاق في مصر، بحسب التعبئة والإحصاء، بلغت 245 ألف حالة خلال 2021، ووفقًا لبيانات 2022 تحدُث حالة طلاق كل دقيقتين، وأكثر من 18 ألف حالة في الشهر.. ولذا نطالب بقوانين تلزِم الطرفين بألا يقع الطلاق إلا في المحكمة، وألا يُعتد بالطلاق الشفوى.

– تعويض الزوجة في حالة الطلاق، سواء كان لديها أطفال أم لا، وبخاصة الزوجة التي لا تعمل، وأن تتضمن وثيقة الزواج هذا البند.

– إقرار حق الأم المسيحية المتزوجة من رجُل مسلم- في حالة الطلاق- في الاحتفاظ بحضانة أطفالها، أسوةً بالأم المسلمة.

– احتفاظ الأم بحضانة أولادها في حالة زواجها للمَرَّة الثانية، مع مراعاة المصلحة الفُضلى للطفل، وأن يكون الأب في المرتبة الثانية ضمن منظومة ترتيب الحاضنين التي يُقِرُّها القانون المصرى، بحيث يأتى بعد الأم مباشرة؛ وذلك بما يحقق المصلحة الفُضلى للطفل.

– للمرأة حق- في حال وفاة الزوج أو الطلاق- أن تأخذ نِصف ما تم تكوينه في فترة الزواج، لأنها كانت شريكًا أساسيًّا، وسواء كانت عاملة أو اختارت هي والزوج أن يخرج هو للعمل وتُشرف هي على البيت والأولاد.

– أن تكون الولاية على الأطفال حقًّا مشترَكًا للأبوَين أثناء العلاقة الزوجية، أو بعد الطلاق، وأن تكون الرؤية والاصطحاب حقًّا لجميع أفراد الأسرة (الأب- الأم- الأطفال).

(4)

قوانين تنظِّم كيفية تنشئة الأطفال في حالة طلاق الزوجين

– إقرار حق الاصطحاب للطرف غير الحاضن، وفى ظروف إنسانية ملائمة للطفل.

– يكون من حق الأم المغتصَبة إثبات نَسَبِ طفلها الناتج عن الاغتصاب إلى أبيه (المغتصِب)، وذلك في ضوء وجود الأساليب العلمية الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى