الزفة
في مدينتنا التي كانت اشبه بقرية كبيرة تكاد تصل إلى آخرها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا مشيا على الاقدام قبل أن يصل إليها ركب الحضارة بعد نكسة ١٩٦٧ وكأن المحن تستبطن المنح احيانا لتخفف وطأة المصائب…أتذكر فيما قبل الحرب احد طقوس الأفراح هو ذاك اليوم الذي يسبق يوم الزفاف وهو يوم حمام العريس والذي يتسابق ليفوز به كبار احد البيوت الكبيرة من العائلة فقد كان له رمزية حيث يجتمع القوم لعمل ترتيبات الفرح فيعلو صوت من هناك يقول ان حمام العريس عندي ولايجوز أن يرد طلبه فقد سبق ..اذن فله مايريد..حيث يذهب العريس لهذا البيت والذي اعد له صاحبه العدة حيث جلباب جديد وطقم داخلي والحلاق حيث يتجمل العريس وبعض العطور من ماركة الشبراويشي استعدادا للقاء عروسه ويصاحبه في هذه الليلة ثلة من أصحابه المقربين ويخرج من بيت المحتفي إلى بيته وسط كوكبة من الشبان تصحبهم الطبلة والكلوبات التي تضئ الشارع طوال الرحلة ..نعم فقد كانت الشوارع مظلمة الا مارحم ربي ولكن القلوب مضيئة وتسمع الاهازيج التي تشق صمت الليل فمنهم من يتأبط العريس من اليسار واخر من اليمين ويتحلق الآخرون في نصف دائرة مرددين…انا وانت هنا للصباح.. واللي دعونا ناس املاح… وخلخالي وقع في الحتة دي…وعلى اول حشة بابرسيم وهم يصفقون على دقات الطبلة بالكف فوق الكف مع ميل الجسد مواجهين موكب العريس وكأنهم يفرشون له الطريق وردا والحانا…ويغازلونه..الأسمر غاب وجاب اكحيلة /ادبحولوا ع باب الدار.. والمقصود بالكحيلة هي العروسة ذات الحسن والجمال والعريس هو الأسمر…ثم ينبري من بين الجمع صوت جهوري…ياريتني طير ناموس/واطير وافرد جناحي ويردد الجمع هيهوي/وانزل ع خد العريس وابوس…هيهوي/ واقول طابت جراحييييي…وتردد الجمع انا وانت هنا للصباح واللي دعونا ناس أملاح والركب يتحرك قليلا ثم يتوقف ليرد عليه اخر…معتزا بعائلته..ل اتحسبونا خواجات هيهوي.. النا في البحر مراكب..هيهوي/وصغيرنا ضراب رصاص هيهوي وكبيرنا على السرج راك ب…..ويرد الجمع مع حركة إلى الأمام.. خلخالي وقع في الحتة دي اكثر من مرة. إلى أن يعود الصوت العالي ..ياعريس يانور العين/هيهوي…يازمردة في قلادة ..هيهوي/ياريت امك جابت اتنين/يوم الحبل والولادةةة… ويردد الجمع ثانية انا وانت هنا للصباح واللي دعونا ناس املاح مع التقدم خطوات والعريس منتشيا يرفع راسه في السماء ويسنده الوصيفين وغالبا من إخوته او بنو عمومته…ويرد احد المتبارزين …يا مصر يا ام الشبابيك يا عالية مين بناكي …هيهوي/بناكي العريس وإخوانه واتمتعوا بهواكيييي…ويرد الجمع ..جرد يا غزالي مال الناس ومالي يارزق الحلالي.. لأحمل جمل عمي خوخ وعنب وداليا كرما”بكسر الكاف” للفواخيرية”او الشوربجية او غيرها حسب عائلة العروسة..واه من من زهر الليمون ..اه من سود العيون.. ويقترب الموكب من شارع العريس فتنطلق الزغاريد لاستقبال الموكب…ويعلو صوت من الصداحين…فج القمر بحسبو نور…يرد الرجال هيهوي..وأشرف على كل وادي..هيهوي..والعريس وصل الدار..هيهوي ياكيدتكوا ياالاعاديييييي..وتردد الرجال على الباب… انا وانت هنا للصباح واللي دعونا ناس أملاح ..واحيانا ما ينتهي الموكب إلى مائدة عشاء من اللحم الثريد وصواني الأرز بالفطير حيث يذبح اهل العريس شاه تسمى “حلية” او يكون اذا كان من الميسورين او يكون العشاء كله هدية من احد الاصدقاء او مجموعة منهم …هذا ما اختزنته الذاكرة من تلك الأغاني واظن انها اكثر من ذلك بكثير ولكن هذا فقط نموذج منها …تبدلت الاحوال والطقوس و ان كان احيانا وبرغم التقدم فاننا نتمسك ببعض هذه المقولات على سبيل التندر حتى ولو كانت على باب منزل العريس وهو يصاحب عروسه ولو لدقائق كنوع من التراث ولكن حتى هذا أصبح تاريخا منذ عقود وبقت فقط في خيال الاجيال .