اسرائيل تفشل في مساعيها بوقف تمويل محكمة لاهاي
قال مسؤولون إن العديد من الدول الرئيسية الداعمة للمحكمة الجنائية الدولية ستتجاهل دعوة إسرائيل لوقف تمويلها للمحكمة ردا على تحقيق في ارتكاب جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية.
ويحول استمرار الدعم من دول تقدم اكثر من ثلث تمويل المحكمة منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا دون وقف أنشطتها وهي أول محكمة دائمة في العالم للنظر في جرائم الحرب.
وبدون هذا الدعم المالي ستعجز المحكمة ومقرها لاهاي عن دفع رواتب موظفيها في وقت تواجه فيه صعوبات مالية بالفعل.
أنشئت المحكمة لمحاسبة قادة العالم على الجرائم التي لا يعاقب عليها في بلادهم.
ولولا هذا التمويل لتعذر المضي قدما في في دعاوى مثل تلك التي أقيمت ضد نائب الرئيس الكيني وليام روتو ورئيس ساحل العاج السابق لوران جباجبو وزعيم المتمردين الأوغندي دومينيك أونجوين.
وأثار ممثلو ادعاء المحكمة الدولية غضب إسرائيل هذا الشهر عندما قالوا إنهم سيفحصون أي جرائم ربما ارتكبت منذ يونيو/حزيران في الأراضي الفلسطينية ما يمهد الطريق أمام توجيه اتهامات محتملة ضد اسرائيليين او فلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن إسرائيل تبذل جهودا لإقناع الدول بوقف التمويل للمحكمة التي وصفها بأنها “مؤسسة سياسية”.
وأشار إلى أنه ومسؤولين إسرائيليين آخرين سيركزون جهودهم على ألمانيا وكندا واليابان وأستراليا.
وفي حين لا يرحب الكثير من الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 122 بنظر قضية تتعلق بالصراع المشحون سياسيا في الشرق الأوسط وما يصاحب ذلك من تعقيدات دبلوماسية فإن عددا كبيرا من الحكومات الرئيسية الممولة لها قالت إنها ستستمر في تقديم الدعم المالي.
وتقدم الدول المتقدمة اقتصاديا في أوروبا وشمال آسيا معظم ميزانية المحكمة البالغة 141 مليون يورو سنويا (158 مليون دولار). ويأتي اكثر من نصف التمويل من سبعة مانحين رئيسيين.
أهمية بالغة
قالت الحكومة الألمانية وهي ثاني أكبر المانحين للمحكمة وأسهمت بنحو عشر ميزانيتها عام 2014 إنها “لا يمكن أن تتصور” قطع التمويل.
كما قال مسؤولون فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون – وتحتل حكوماتهم على التوالي المراتب الثالثة والرابعة والخامسة على قائمة اكبر المانحين للمحكمة – إن سياسات حكوماتهم بهذا الشأن لن تتغير.
اما كندا وهي سابع أكبر ممولة للمحكمة فقالت إنها لا تعيد النظر في سياستها في ضوء طلب ليبرمان.
ورشقت جماهير وزير الخارجية الكندي جون بيرد بالبيض في زيارة قام بها مؤخرا للضفة الغربية بسبب موقف بلاده المؤيد لإسرائيل.
وامتنعت كل من اليابان اكبر المساهمين في ميزانية المحكمة وقدمت 20.4 مليون يورو عام 2014 واسبانيا التي تحتل المرتبة السادسة بين مموليها عن التعليق.
وقال دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية المسألة “الدول التي تدعم المحكمة ستستمر في دعمها” مضيفا “نحن نحترم استقلالية المحكمة ومدعي المحكمة”.
وقال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إنها تتوقع من الدول الأعضاء الاستمرار في التعاون بشكل كامل معها والتصرف وفق الالتزامات المترتبة على المعاهدة التي تأسست المحكمة بموجبها.
وأضاف “حماية استقلال القضاء والادعاء في المحكمة الجنائية الدولية أمر في غاية الأهمية”.
وعلى الرغم من تعقد الأمور لأن العديد من الدول الأعضاء حلفاء لإسرائيل فإن سحب الدعم للمحكمة مرفوض بالنسبة للكثير من الأعضاء. وينظر الى المحكمة الجنائية الدولية على أنها امتداد لمحاكمات نورمبرج للزعماء النازيين بعد الحرب العالمية الثانية.
وقال كيفن جون هيلر وهو استاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن إن “جزءا من دعم ألمانيا للمحكمة الجنائية الدولية هو وسيلة للتكفير عن ارتكابها قبل 70 عاما جرائم دولية من النوع الذي انشئت المحكمة الجنائية الدولية للتعامل معه”.
تراجع أنشطة المحكمة
على الرغم من ذلك فإن المحكمة التي تأسست قبل 12 عاما تعاني من عجز مالي. وتتزايد أعداد القضايا التي تنظرها المحكمة بما في ذلك تحقيقات في ست دول أفريقية بينما لا تبدي الدول الأعضاء استعدادا لزيادة مساهماتها المالية بدرجة تذكر في ظل المشاكل الاقتصادية التي تواجهها في الداخل.
وتراجع نشاط المحكمة بعد تسريح عدد من موظفيها في العام الماضي لتوفير المزيد من الوظائف التي تركز على التعامل مع القضايا التي تنظرها. كما تم تخفيض ميزانية المساعدة القانونية ما أثار شكاوى من محامي الدفاع.
ويتوقع أن يزداد العبء على الميزانية مع وصول زعيم المتمردين الاوغندي أونجوين إلى المحكمة مؤخرا على غير المتوقع مما سيضطر ممثلي الادعاء للجوء إلى صندوق الطوارئ.
وقال ممثل ادعاء سابق طلب عدم نشر اسمه إن من غير المرجح في ظل الوضع الراهن أن تتوفر للمحكمة الموارد اللازمة لتتمكن من التحقيق عن كثب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في السنوات الثلاث المقبلة.
وقال مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية “لا توجد جداول زمنية” للمدة التي يستغرقها التحقيق الأولى.
ويأتي هذا التحقيق بعد انهيار دعوى ضد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في ديسمبر/كانون الأول بعد أن أسقط ممثلو الادعاء اتهامات بارتكابه جرائم ضد الانسانية لعدم كفاية الأدلة وقالوا إنهم واجهوا عقبات من الحكومة الكينية لم يتمكنوا من تذليلها.
وقال دبلوماسي آخر “المدعون يدخلون أنفسهم في قضية مماثلة لقضية كينيا. وفي نهاية الأمر لن تكون القضية مؤثرة إذا لم تتعاون إسرائيل”.
غير أن عددا من الخبراء القانونيين قالوا إنه سيكون من الحكمة أن تتعاون اسرائيل في التحقيق الأولي الذي سيحدد ما إذا كانت الجرائم خطيرة بدرجة تسمح بإخضاعها للنظام الأساسي للمحكمة ولم يتم التحقيق فيها من قبل.
واذا أجرت اسرائيل تحقيقات جنائية ذات مصداقية في جرائم محتملة ارتكبتها قواتها فإن المحكمة الجنائية لن تقيم دعوى موازية.لكن بالنسبة إلى إسرائيل فإن حتى هذا الاحتمال سيكون غير مقبول.
ويقول محام عسكري إسرائيلي سابق إن القليل من المسؤولين سيقبلون بتوجيه اتهامات أمام القضاء الاسرائيلي لتفادي محاكمة بالمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف “سيقول جنودنا إننا مستعدون للمخاطرة بحياتنا لكننا لسنا مستعدين لنعامل كمجرمين”.