“الشنغن الإفريقي” يغازل 1.4 مليار نسمة في القارة السوداء
يفتح المجال لنهضة شاملة ويستوعب العقول المهاجرة
يغازل حلم فتح الحدود بين 54 دولة مستقلة وذات سيادة سكان قارة إفريقيا، الذين يتراوح عددهم بين 1.2 و1.4 مليار نسمة أو أكثر منذ سنين طويلة.
ووفقاً لورقة بحثية حديثة أعدها مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” في أبوظبي، فإن عالم “أفروتوبيا” الذي بشَّرت به أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، يجسد حدود القارة المفتوحة التي يتدفق عبرها بكل حرية ويسر سكان القارة ورؤوس الأموال والسلع والخدمات، حيث لم يعد تدشين “شنغن إفريقية” خاطرة تراود كل من يحلم بالوحدة الإفريقية، بل تحول إلى احتمال أقرب إلى الواقع عندما قدم الاتحاد الإفريقي جواز سفر إفريقياً موحدا. وتعتبر إفريقيا ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا من حيث المساحة وعدد السكان، مع توقعات ببلوغ عدد سكان القارة السوداء 2.5 مليار نسمة، نحو ربع سكان العالم العام 2050.
وأكد “إنترريجونال” أن رؤية “إفريقيا بلا حدود” ليست مجرد حلم، بل هي طريق قابل للتحقق في سبيل التنمية الاقتصادية المستدامة عبر استقطاب رواد الأعمال المهاجرين لدفع النمو في جميع أنحاء القارة.
فوائد استثمارية
وتتمتع البلدان التي تفتح حدودها بفوائد عديدة في مجالات تتراوح من السياحة والاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي وبالفعل شهدت 18 دولة من أصل 20 دولة إفريقية مفتوحة للتأشيرات تحسينات في تصنيفاتها على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي، كما شهدت نمواً في السفر والسياحة والناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات.
وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي إنفاق الاستهلاكي والتجاري في إفريقيا سيصل إلى 6.7 تريليون دولار العام 2030، كما يتوقع أن يتجاوز 16 تريليون دولار العام 2050.
تجارة أكثر تكلفةً
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن التجارة البينية الإفريقية أكثر تكلفةً، بعد أخذ كل العوامل في الاعتبار، من التجارة في أيِّ منطقة أخرى، وفي حين أن 48 دولة إفريقية تمنح مواطني دولة أخرى على الأقل خارج إفريقيا السفر بدون تأشيرة، فإن 5 دول إفريقية فقط، على رأسها رواندا، من أصل 54 دولة يمكنها التباهي بمنح حق دخول الأفارقة إلى أراضيها بدون تأشيرة وعلى سبيل المثال، يستطيع المواطن الأميركي التجول في معظم أنحاء إفريقيا دون تأشيرة؛ مقارنةً بالإفريقي الذي يحتاج إلى تأشيرة دخول لنحو 60% من الدول الإفريقية.
السياسات الإفريقية
وقال “إنترريجونال” إن الاتحاد الإفريقي طوَّر العديد من أطر السياسات لإدارة حركة الأفراد الطوعية والقسرية عبر القارة؛ بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية ومن الأمور المركزية لهذه السياسات، الرؤية المنصوص عليها في معاهدة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية (معاهدة أبوجا) لعام 1994.
وتُلزم هذه المعاهدة الدول الأعضاء بتحقيق حرية حركة الأشخاص بشكل تدريجي، وضمان حقوق الإقامة والاستقرار داخل الجماعة الاقتصادية الإفريقية. وحتى الآن، صدَّقت 48 دولة عضواً على الأقل في الاتحاد الإفريقي على المعاهدة.
وفي عام 2006، اعتمد الاتحاد الإفريقي إطار سياسة الهجرة لإفريقيا، الذي تم تنقيحه في عام 2018 لمعالجة تحديات الهجرة المعاصرة ويشدد إطار سياسة الهجرة على إمكانات الهجرة المُدارة جيداً لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويغطي قضايا الهجرة الرئيسية، بما في ذلك إدارة الحدود، وهجرة اليد العاملة، وإدارة البيانات، وحقوق الإنسان للمهاجرين، والنزوح القسري، والهجرة غير النظامية، والتعاون بين الدول، والهجرة الداخلية.
وأضاف “إنترريجونال”، تفتقر اتفاقية إطار سياسة الهجرة إلى آلية لمراقبة الالتزام بها؛ ما يجعلها غير ملزمة ويصعب تنفيذها ولمواصلة تعزيز إدارة هجرة اليد العاملة، قدم الاتحاد الإفريقي البرنامج المشترك لهجرة اليد العاملة في عام 2015.
ويدعم البرنامج ممارسات التوظيف العادل، وقابلية نقل الضمان الاجتماعي، وقابلية نقل المهارات، بما يتماشى مع أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة كما اعتمد الاتحاد الإفريقي بروتوكول حرية حركة الأشخاص في عام 2018 لتعزيز حرية حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات والأشخاص داخل القارة.
وأوضح “إنترريجونال” أن خطة التجارة الحرة، وهي جزء من أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 ، تسعى إلى تحويل إفريقيا إلى مجتمع بلا حدود مع زيادة التجارة والاستثمار، وتعزيز موقف أفريقيا التفاوضي في التجارة الدولية.
هجرة الأدمغة
ويساهم عدم القدرة على التحرك بحرية داخل إفريقيا بشكل كبير في هجرة الأدمغة في القارة؛ حيث تمول أفريقيا تعليم المهنيين، مثل الأطباء والمهندسين ومبرمجي الحاسوب الذين يهاجرون بعد ذلك إلى أوروبا أو أميركا الشمالية. وعلى سبيل المثال، ينحدر واحد من كل 10 أطباء يعملون في المملكة المتحدة من بلدان إفريقية استثمرت بشكل كبير في تدريبهم. ومنذ عام 2010، أنفقت 9 دول إفريقية أكثر من ملياري دولار لتدريب الأطباء الذين هاجروا لاحقاً.
وأشارت ورقة “إنترريجونال” إلى أنه وبعد مرور 6 سنوات على طرح جواز السفر الإفريقي، لا يزال تداوله محدوداً للغاية، ولا يزال حاملو جواز السفر يواجهون متطلبات التأشيرة في بعض البلدان ولكي تصبح “إفريقيا بلا حدود” حقيقةً واقعةً، يتعين على البلدان أن تتبنى سياسات التكامل الإقليمي، وأن تتصدى للتحديات الأمنية.